الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين
، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ،
ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة الأكارم ...
مع الدرس السابع والثلاثين من دروس سورة الأعراف .
للدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي
نسبة المصائب إلى النعم قليلة لذلك يؤرخ بها :
مع الآية الثلاثين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
أيها الأخوة ، السنة هي العام ، والسنوات جمع سنة ، والسنين والسنون جمع آخر ،
عندنا جمع مذكر سالم ، وجمع مؤنث سالم ، وجمع تكسير ، لكن هنا السنين المصائب لماذا ؟
السنوات الاعتيادية تتابع ، لكن في يوم خطير يؤرخ به .
التاريخ المعاصر يقول لك : الحادي عشر من أيلول هذا يوم قبله في سياسة ،
وبعده في سياسة ، الأصل أن النعم تترا على الإنسان ، لكن المصائب نسبتها
إلى النعم قليلة جداً ، إذاً يؤرخ بها ، هذا معنى
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ
لأن الله عز وجل ثبت وحرّك ، ثبت ملايين ملايين القوانين ، قانون الدوران ،
قانون السقوط ، قانون الجاذبية ، قانون التميع ، قانون الانصهار ، ثبت
ملايين القوانين ، ثبت حركة الأفلاك ، ثبت خصائص المواد ، ثبت خصائص النفس الإنسانية .
الله عز وجل ثبت بعض القوانين و حرك بعضها لحكمة منه
طبيب درس بأمريكا ، يعمل بعقد عمل في الخليج ، عنده مريض
من الهند ، الدواء صنع الصين ، لولا أن
البنية التشريحية للإنسان واحدة ، مكان الشريان ، مكان الوريد مكان العصب
لولا أن البنية التشريحية للإنسان موحدة ، ولولا أن الوظائف الفيزيولوجية موحدة
ما كان في طب أساساً .
لو تتبعنا هذا الأمر ، القلب من أجل أن يجري عملية قلب مفتوح نحتاج إلى أن
نوقفه ، نوقفه بالتبريد ، يقف ، نجري هذه العملية ، نرقع شرياناً ، نزرع شرياناً ،
نرقع دساماَ ، نزرع دساماً ، وننتهي بعد سبع ساعات ، نعطيه صعقة كهربائية
يتحرك ، لو لم يتحرك ، لو أن القلب مصمم أنك إذا بردته لا يتحرك ألغيت
عمليات القلب كلها ، لو أن العظم لا يلتئم ألغيت عمليات جبر العظام .
فالإنسان في أصل خلقه يعني :
فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ
( سورة التين )
عنده صيانة ذاتية ، سمعت بحياتك أن إنساناً كُسر معه عمود في سيارته ،
فذهب إلى من يصلحه له قال له : تلتئم وحدها ؟ مستحيل !.
الله عز وجل حرك الصحة والرزق ليكون التأديب عن طريقهما :
إذاً الله ثبت القوانين ، والخصائص ، البذور هي هي
تزرع جوزاً تحمل جوزاً تزرع فستقاً تحمل فستقاً ، لو أن الحديد يغير خصائصه ،
ننشئ بناء ثلاثين طابقاً ، غيّر خصائصه الحديد ، من حالة إلى حالة وقع البناء ،
ما الذي يمنحك الأمن ؟ بناء لن يتزعزع ، إلا إذا شاء الله طبعاً ، يوجد قوانين ثابتة ،
خصائص المعادن ، خصائص المواد ، خصائص أشباه المعادن ، قوانين الدوران ،
قوانين الأفلاك ، قوانين الفيزياء ، قوانين الكيمياء ، قوانين الضوء قوانين الحركة ،
كل هذه القوانين ثابتة ، ثبات سرمدي أبدي ، لذلك المحصلة استقرار ، عدننا قوانين
، عندنا مقدمات ، عندنا نتائج .
لكن الله عز وجل لأنه رب العالمين حرك أشياء بحياة الإنسان ، حرك له صحته ،
وحرك له رزقه ، فالصحة غير ثابتة ، يكون في أعلى درجات
نشاطه تنمو بعض الخلايا نمواً
عشوائياً ، انتهت حياته ، فالله عز وجل حرك الصحة
وحرك الرزق ، ليكون التأديب عن طريقهما
التهطال والجفاف يوزع من الله عز وجل على البلاد تربية وتأديباً :
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ
أمطار غزيرة جداً ، محاصيل وفيرة ، نحن بلدنا الطيب في عنا
تقريباً ستة ملايين طن كل سنة ، وحاجتنا إلى
مليون طن ، عنا ستة أضعاف حاجتنا ، مع أن المطر الذي يهطل من السماء
لا تختلف من عام إلى عام على مستوى الأرض وهذه حقيقة من أدق الحقائق ،
بعد وضع مقاييس للمطر في أنحاء العالم لو جمعنا الأمطار التي هطلت
في كل البلاد نفاجأ بأنه ما من عام أمطر من عام ، كما قال سيد الأنام :
(( ما من عام أمطر من عام ))
[أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عباس ]
لكن الله يوزع التهطال والجفاف على البلاد تربية وتأديباً ، ودائماً وأبداً تقنين الله
عز وجل تقنين تأديب ، لا تقنين عجز ، الدليل :
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ
لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ
( سورة المائدة الآية : 66 )
القرآن الكريم منهج من الله تعالى علينا تطبيق أوامره لا أن نقدسه ظاهرياً فقط :
نحن كمسلمين ولو أننا أقمنا القرآن الكريم ، طبعاً ممكن نقرأه ، ممكن نتبارك به ،
ممكن أن نضعه في مقدمة مركبتنا ، أو ممكن أن نضع آيات في صدر محلاتنا :
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناًï´¾
( سورة الفتح )
لكن هذا العرض ، وهذا التقديس الظاهري ، وهذه الطبعات الرائعة الملونة
هذه لا تقدم ولا تؤخر ، لأن القرآن منهج .
شخص مريض وزار طبيباً وصف له أدوية ، جاء بهذه الورقة التي عليها خط الطبيب
اعتنى بها ، جعل لها برواز ، وعلقها في غرفته ، قال : يا له من طبيب ! أدويته
ناجحة جداً لكن ما اشترى الدواء ، ولا استعمله ، العناية بهذه الورقة ، وتغليفها ،
ووضع إطار لها ، هل يشفي صاحبها ؟ هذا حال المسلمين اليوم .
القرآن نقرأه ، نضعه في مكان مقدس في بيتنا ، في الصدر ، في مكان مرتفع ،
لكن القرآن يجب أن يُعمل به :
(( رب تالٍ للقرآن ، والقرآن يلعنه ))