نشرت إحدى الصحف يوم الخميس الماضي الموافق 29مارس 2007خبرًا حول نجاح أحد المحتالين في التغرير بأكثر من عشر معلمات سعوديات في محافظة الرس وسلب أموالهن وهو خلف القضبان. ويقوم هذا المحتال بالاتصال بالمعلمات من جواله ويوهمهن أنه مسؤول في تعليم البنات وأنه قادر على تحقيق رغبتهن في النقل. ويضيف الخبر بأن هذا الشخص نال من هذه العملية مايزيد على مائة ألف ريال سعودي.
وقد سبق أن قرأنا وسمعنا أخبارًا مشابهة حول تفشي الرشوة والاحتيال في موضوع نقل المعلمات أو تعيينهن. والمزعج في الموضوع ليس سذاجة تلك المعلمات أو طيبتهن في تصديق هذا الشخص لأنهن ببساطة ضحايا الفوضى في التعيين في الوظيفة أو النقل من موقع إلى آخر. لكن مصدر الإزعاج يكمن في الكيفية التي حصل بها ذلك المحتال على أرقام هواتفهن وبالذات أرقام الجوال وعرف أنهن معلمات وأنهن بحاجة إلى النقل أو التعيين.
من هنا ترد على الذهن بعض التساؤلات عن طبيعة النصب التي مارسها ذلك المحتال؛ فهل يعمل هذا الشخص في إدارة التعليم؟ أم أن له صلة بشخص آخر أو بأشخاص آخرين يعملون في إدارة التعليم أو الجهة المعنية بالنقل والتعيين ويطلعونه على الطلبات والأرقام؟ فلا شك أن موضع الثقة التي نالها من هذا العدد من المعلمات يكمن وراءها مسوّغ يبدو لهن منطقيًا. فمن المتوقع أن من يهاتفك ويحدثك عن معاملة لك في إحدى الدوائر أنه في الواقع مطلع عليها وأنه مسؤول في الدائرة لأنه يعرفك ويعرف قضيتك. ومن الطبيعي في مثل هذه الحال أنك لن تسأله عن طريقة تعرّفه على رقم هاتفك لأنك تخمن أنه حصل عليه من ملفك أو من طلبك لديهم في الدائرة. ومن هنا فإن الحيلة ستمر بسهولة ويتجاوز المحتال خطوة أساسية في عملية الاحتيال ماكان لها أن تمر لولا وجود صلة بينه وبين ملف طلب التعيين أو النقل.
والحقيقة أن مثل هذه الحالة ينبغي أن تضع أيدينا على مكمن العلة فيما يتعلق بوضع المعلمات في بلادنا ومدى حاجتهن الماسّة للوظيفة حتى لو كانت عن طريق محتال لا يخاف الله فيهن ولا يرحم وضعهن البائس.
إنه من الواضح أن وضع المعلمات وصل إلى درجة عالية من القنوط في الحصول على وظيفة أو اليأس في النقل من مكان بعيد إلى مكان قريب من السكن لمن تيسر لهن الحصول على الوظيفة. ويبدو أن هذا الإحباط دفع ببعضهن إلى الاستعانة بأي شيء يمكنه أن يقدم لهن المساعدة ومن ذلك الموافقة على رشوة المحتال مقابل الحصول على العون. والحقيقة أن الوصول إلى هذه الحالة من اليأس يذكرنا بحالة المريض الذي يدفعه المرض والقنوط من الصحة إلى البحث عن العلاج عند أي شخص وتعاطي أي دواء حتى لو أدى ذلك العلاج إلى هلاكه دون أن يشعر؛ فالمريض واليائس هما في الواقع يمثلان حالة الغريق الذي لايجد سبيلا للنجاة من غرقه سوى التعلق بالقشة ظنًا منه أنها سبيل نجاته.
ومن هنا يحق لنا التساؤل عن سبب عجز إدارات التعليم ومعها الوزارة عن استيعاب الخريجات وعن الافتقار للآلية التي تيسّر النقل من منطقة إلى أخرى ومن مدرسة إلى مدرسة أخرى. فالواقع الميداني يبين أن هناك عددًا من المدارس لديها عجز في المعلمات، وثمة مدارس تعاني من التأخر في تسديد النقص في المعلمات، وهناك مدارس أهلية ليس فيها سعوديات. وفي المقابل هناك عدد كبير من المعلمات ينتظرن التعيين ولا يجدنه. إذن، أين الخلل؟ من الجلي أن الخلل يكمن في التنظيم والتخطيط والإدارة وليس في كثرة الخريجات أو قلة الوظائف كما نتصور.
وليس لنا سوى الأماني بأن توجد الكفاءات الوطنية الصادقة التي تستطيع النهوض بالتعليم ليس فقط فيما يخص التعيين والنقل، ولكن فيما يتعلق بالتطوير والمتابعة وحسن التخطيط للعملية التعليمية ككل. ذلك أن الكفاءة الإدارية الناجحة هي التي تحلّ المشكلات في وقتها لا أن تخلق العقبات وتزيد من معاناة الناس وتسمح للمحتالين والنصابين أن يجدوا السوق الرائجة لبضاعتهم مستغلين كل الظروف لسلب المواطن أو المواطنة واستغلال حاجاتهم أو ضعفهم وقلة حيلتهم.
بقلم / ناصر الحجيلان
المواضيع المتشابهه
المعلمات - هن ابرز ضحايا الاحتيال
العرض العادي
