طرقنا السريعة و لعبة البلايستيشن

أقصد بلعبة البلاي ستيشن كل الألعاب الإلكترونية مهما تعددت مسمياتها التي يحاول فيها اللاعب عبور مسار ما كي يصل إلى هدف معين يمنعه من الوصول إليه كافة أنواع العراقيل والعقبات من كتل متحركة أو ساكنة يصطدم بها إلى ألغام متفجرة تنسفه عندما تلتحم به إلى جبال يصعب تسلقها أو أخاديد وحفر سحيقة يسقط فيها أو بحار ومسطحات يغرق بها أو وحوش مفترسة تنقض عليه وتفتك به. على اللاعب أن يقفز بسرعة ومهارة لتفادي هذه العقبات والنجاة من الأعداء ، فإذا استطاع فعل ذلك ووصل إلى هدفه فإنه يكسب نقاطا تؤهله للفوز بالمباراة ، أما إذا اصطدم بهذه العوائق أو وقع في شراك الأعداء المتربصين فإنه يخسر وعليه أن يحاول مرة أخرى في مباراة جديدة.

لا أدري لماذا ينتابني إحساس قوي حينما أقود سيارتي على بعض طرقنا السريعة بأني ألعب مرغما هذه اللعبة مع بعض الأشخاص الذين يحاولون عبور هذه الطرق سيرا على الأقدام. هم هنا يمثلون اللاعبين في اللعبة الإلكترونية بينما أمثل أنا وكل السيارات المنطلقة معي على الطريق الألغام والكوارث التي تحاول الفتك بهم . لأكون أكثر تحديدا فسوف أركز على شارع الأندلس الذي يمثل امتداد طريق الملك في جدة لأني أقود سيارتي عليه على الأقل مرتين في اليوم وإن كان ما أقوله ينطبق على شوارع أخرى كثيرة أذكر منها طريق الشرائع في مكة المكرمة الذي قرأت مؤخرا عنه أو غير ذلك من الطرق التي تسرع فيها السيارات ولكنها ، أي الشوارع، لا تخضع لمواصفات وأنظمة الطرق السريعة المتعارف عليها عالميا. قبل بضعة أشهر منذ أن ألغيت الإشارات التي كانت تشل حركة المرور في شارع الأندلس تحسن فيه السير بصورة كبيرة وحمدنا الله أن صار عندنا ما يشبه الخط السريع الذي يوفر علينا الكثير من الانتظار الممل. قبل اكتمال فرحتنا فوجئنا بتحدٍ لم يكن يخطر لنا على بال. مجموعات من العابرين يلقون بأنفسهم أمامنا فلا نراهم إلا وهم يقفزون بين السيارات بمهارة في محاولة لعبور الأربعة مسارات النازلة من الشارع وصولا إلى الجزيرة الوسطى التي تعطيهم فرصة للاستراحة والتقاط النفس قبل تكرار المحاولة على الأربعة مسارات الطالعة من الناحية الأخرى. لا أدرى ماذا أعتبر هؤلاء : مخاطرين شجعان يستمتعون بلعبة بلاي ستيشن حقيقية ليثبتوا قدراتهم ومهاراتهم في العبور أم جهلة وأشقياء يخوضون مغامرات غير محسوبة؟. هل هم متهورون يتحدون أنظمة يفرضها العقل والمنطق ولكنهم لا يعرفون بوجودها ولم يحاول أحد تطبيقها عليهم أم تعساء وبائسون تضطرهم ظروفهم القاسية للمجازفة بحياتهم في لعبة حظ بهلوانية لعبور الشارع لأنه لم تتوفر لديهم وسيلة أخرى مثل امتلاك أو استئجار سيارة أو وجود جسر يعتلونه. تتسارع إلى ذهني آلاف المشاهد (السيناريوهات) بسرعة هائلة فأتخيل أحدهم يتعثر ويسقط أمامي فأكبس بكل قوتي على المكابح ولكن السيارة تستمر في الاندفاع إلى أن تدهسه. أو أن أتمكن من الوقوف قبل أن ألامسه ولكن وقوفي المفاجئ يجعلني أتعرض لصدمة هائلة من الخلف تحطم سيارتي وتدفعها دفعا لتعبر فوقه على أية حال. واحد آخر يخونه تقديره فيرتبك ويتردد في العبور ويقف أمامي متجمدا فأجد نفسي منحرفا بقوة نحو اليمين أو اليسار لكي ألتحم بالسيارة التي بمحاذاتي. في مشهد رابع يخدمني الحظ فيتخطاني العابر ولكن جاري الأيمن الذي يكون منشغلا بالتحدث على الهاتف الجوال يجد نفسه وجها لوجه أمامه وسرعان ما يلتحم به أمام ناظري. مشاهد كثيرة من الدم والحديد المتعفس وسيارات المرور والإسعاف وأصوات الونانات وزحمة المتفرجين تتطاير أمامي. أكاد أغمض عيني حتى لا أراها ولكن أعصابي المتوترة تبقيهما مفتوحتين كفنجانين. أتنفس الصعداء وأتشهد حين أتجاوز منطقة هؤلاء العابرين أو أراهم يصلون إلى الرصيف بأمان. يستمر قلقي من الدخول سريعا في لعبة جديدة من نفس النوع موقنا أنها مسألة وقت قبل أن يتحقق فعلا أحد تلك المشاهد. أتساءل: في رقبة من يقع ذنب هؤلاء وذنبنا نحن السائقين ؟ أيقع عليهم لأنهم لم يحسنوا تقدير المخاطر التي يرمون أنفسهم أمامها وعلينا لأننا لم نملك البراعة لتفادي الالتحام بهم؟ أم على أمانة جدة التي لم توفر لهؤلاء البؤساء جسورا أو وسائل أخرى لعبور هذه الطرق السريعة؟ أم على إدارة المرور التي لم تمنعهم من العبور.. في الواقع أنا لست مغرما بلعب البلاي ستيشن ولا غيرها من الألعاب الإلكترونية ، ولكن إذا لم يكن هناك مفر من لعبها فأنا أفضل أن يكون ذلك على شاشة التلفاز في المنزل حيث يبتهج الفائز بفوزه ، أما الخاسر فيبدأ مباراة جديدة أو يغلق التلفاز وينصرف بسلام.

بقلم غازي جمجوم

اخوى الفارس
يعطيك العااااااااافيه

يسلموا عالمتابعه الجيدة

تثبل تحياتي