الاثنين, 11 أغسطس 2008
عبدالله الشريف
إن لمعالي الدكتور فهد العبدالجبار في نفسي مكانة خاصة، فهو من المسؤولين الندرة الذين يهمهم التواصل مع الصحف ومع مَن يوجهون الرأي العام فيها، ويقبل منهم النقاش في ما يتولاه من مسؤوليات كبيرة، حينما كان في الشؤون الصحية بالحرس الوطني، وعلى ذكر الشؤون الصحية بالحرس الوطني دعوني أقدّم اعترافًا قبل أن أتحدث عن ما صرح به الدكتور فهد لجريدة (المدينة) يوم الثلاثاء 4/8/1429هـ ونُشر في الصفحة الخامسة، واعترافي الذي أود أن أعلنه أن مستشفيات الحرس الوطني أكثر المستشفيات خارج إطار وزارة الصحة التي تستقبل المواطنين من غير المنتسبين إلى الجهة التي تتبع لها، أعني الحرس الوطني، والآن جاء دور مناقشة تصريح عزيزنا الدكتور فهد العبدالجبار -وفقه الله- وأول ما أود مناقشته يبدأ بسؤال مهم هو ما هي الحاجة التي تدعو إلى أن تكون الخدمات الطبية المقدمة للمنتسبين إلى جهات معينة مثل القطاع العسكري مختلفة عن تلك المقدمة لسائر المواطنين عبر مستشفيات وزارة الصحة، ممّا يجعل المستشفيات العسكرية وكذا التخصصية التحويلية متميزة، لا أظن أن هناك تبريرًا معقولاً لهذا التمييز بين المواطنين، ولا أظن الفرق إلاَّ يكمن في مقدار ما يُنفق على النوعين من نفقات مادية. ولو أن جميع المستشفيات في البلاد ينفق عليها كما ينفق على تلك المستشفيات وتُختار لها إدارات كفؤة وأطباء متميزيون ذوو خبرة، لكانت مثلها، بل لعل بعضها سيتفوق عليها،
والحقيقة التي يجب أن نعلنها صراحة وبكل شفافية ألاَّ حاجة تدعو أن يُميَّز بين المواطنين المحتاجين للرعاية الصحية بحسب انتماءاتهم الوظيفية، فالمرض الذي يعتريهم لا يميز بينهم، ولعل هذا ما دعا إلى التفكير في توحيد رواتب الأطباء السعوديين العاملين في جميع الجهات التي تقدم الخدمة الطبية للمواطنين على مختلف انتماءاتهم الوظيفية، حتى لا يشعر أحد منهم بأنه أقل مرتبًا لمجرد أنه يعمل في مستشفى لا يراجعه فيه سوى عامة المواطنين ممن هم الموظفون في الأرض، الذين يعملون في القطاع العام الوطني المدني، ومن هم خارجه من أهل الحرف والمهن الدنيا، ولا ينتمون إلى أي قطاع حكومي، أبناؤنا الأطباء الملتحقون بالخدمات الطبية في أي جهة حكومية كلهم سواسية، يحملون نفس المؤهلات، ويجب عدلاً أن يتناولوا نفس المرتب، اما درجات الترقي الوظيفي فهي التي يجب أن تكون مشروطة بالتميز، على شرط أن تكون معاييره عادلة مضبوطة، حتى لا يرقى إليها إلاَّ مَن يستحقها، وذلك في سائر المستشفيات سواء أكانت عامة، أو تخصصية تحويلية، وعسكرية كانت أم مدنية، وثاني أمر أود مناقشته في تصريح عزيزنا الدكتور فهد هو ما ورد في تصريحه أن مستشفيات الحرس الوطني والمستشفى التخصصي تملك أطباء متخصصين، وأنه لا يجب أن يساووا في المرتب مع الأطباء العاملين في مستشفيات وزارة الصحة، أو المستشفيات الجامعية، وليعذرني الدكتور إن قلت إنها حجة واهية، ذلك أن الجهات التي امتلكت -حسب تصريحه- الأطباء المتخصصين إنما انفقت عليهم لتؤهلهم لهذا التخصص، أو استدعتهم من السوق بعد أن نضجوا في تخصصاتهم، ولعل كثيرين منهم جاءوها من مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية، ولو أُتيحت نفس الظروف لزملائهم خارج مستشفيات التميّز التي يتحدث عنها الدتكور فهد -وفقه الله- لوجدنا الكثيرين منهم يتميّزون في تخصصاتهم، بل ويفوق بعضهم زملاءهم الذين يريد الدكتور أن يميزهم عنهم في المرتب، وبالمكان الذي يعملون فيه وتتوفر له كافة الإمكانات المادية والإدارية، إننا في أمسّ الحاجة اليوم أن نتناول قضايانا بمزيد من الموضوعية والصراحة والشفافية التامة، ويجب أن تكون التراتبية في تقديم الخدمات الصحية مبنية على أسس علمية لا على أساس الانتماء إلى الجهات الحكومية المختلفة، فعلينا اليوم أن ندمج القطاع الصحي كله في مؤسسة واحدة، لا تميّز بين مرضاها ولا أطبائها أو العاملين فيها من مختلف التخصصات الطبية والفنية والإدارية الأخرى، وعلينا أن نصرف الجهد، وقد مضى بنا الزمن ولم تتطور خدماتنا الطبية إلى الحد الذي يتطلع إليه مواطنونا، في هذا العصر الذي يتقدم فيه الطب بخطوات متسارعة، أقول نصرف الجهد للارتقاء بالخدمات الطبية بدءًا من مراكز الرعاية الصحية الأولية، التي أصبحت اليوم في حالة يرثى لها، ثم المستشفيات العامة التي أصبح بعضها أطلالاً هرمة، كل ما فيها قد تقادم عهده حتى لم يعد يصلح لشيء أبدًا، ثم مستشفيات تخصصية حقيقية لا مجرد شكل بلا محتوى،
ولا يحتاج المواطن للبحث عن وساطة ولا أن يقف على الأبواب للحصول على إذن ليعالج فيها من أمراضه الخطيرة أو المستعصية، فالعلاج حق للمريض أيًّا كان انتماؤه لأي جهاز حكومي، أو حتى غير منتسب أصلاً لمثل هذا الجهاز، ذلك أن المساواة عدل، والتفريق بين المتساوين ظلم، وأطباؤنا السعوديون في كافة مؤسساتهم الطبية في حاجة أن يحسوا بهذا العدل، وبأنهم متكافئو الفرص التي تُتاح لهم للترقي الوظيفي وتحسين أوضاعهم المادية، وأن ليس فيهم مَن يظلم لمجرد أنه لا ينتسب إلى هذا القطاع أو ذاك، وكم أتمنى من المسؤولين الكبار في القطاعات الصحية أن يتعاملوا مع زملائهم الأطباء في كافة هذه القطاعات بعدل أكبر، ومساواة أتم، وألا يطالبوا أن يتميز بعضهم على بعض في المرتب أو إتاحة الفرص أمامه للترقي في سلمه الوظيفي بمعايير غير منضبطة ليتوفر للجميع العدل. فهذا ما نرجو.. والله ولي التوفيق.