قضية خدمة العملاء في البنوك، الاتصالات، الكهرباء، المحلات والأسواق التجارية، الكبيرة قبل الصغيرة قضية تحمل إشكالية كبرى في بلادنا. فمهمة هذ القسم من أي قطاع يتعامل مع الجمهور هو حل قضايا التعامل اليومي بشكل سريع ونظيف، وعادة ما يتولى هذا القسم أفضل الموظفين ممن يحملون خبرة في التواصل مع الجمهور وخبرة في سياسات الشركة وقوانينها، وحنكة في التوفيق بين إرضاء الزبون والمحافظة على مصلحة المؤسسة. واستراتيجية هذا القطاع تقوم على المصلحة المستقبلية للمؤسسة وليست الآنية. فليس من الفطنة جني أرباح عالية ولكن الحكمة هي في ضمان استمراراية الشراء والتعاملات مع ضمان رضا الزبون. وقد تميزت أسواق الغرب عن أسواقنا بتقديرها واحترامها للزبون والتعامل معه وكأنه المشتري الوحيد الذي تحرص على ألا تخسره مهما كانت ضخامة السوق أو البنك أو الشركة. فنجد قسم خدمة العملاء قسماً كبيراً به الموظفات والموظفون المدربون على حسن التعامل والدربة في إنهاء المعاملات بسرعة ومهنية، وهذا يشمل إرجاع البضاعة وتسديد المدفوع، تبديل البضاعة، إصلاح الأعطال، إيجاد البدائل، فضلاً عن الخدمات البنكية المختلفة وغيرها.
وكما ذكرت فإن هذه ميزة أسواق الغرب وليست أسواقنا التي تعلق لوحة عند المدخل "لا إرجاع ولا استبدال" وإذا كانوا كريمين بعض الشيء يقولون "الارجاع والاستبدال خلال ثلاثة أيام"، أو يكتبون استثناء أثناء التخفيضات "لا إرجاع ولا استبدال خلال التخفيضات" وهكذا من جمل تعتبر جميعاً جملاً استفزازية وانتهاكاً لحقوق المستهلك في العالم والمفروض عندنا كذلك ولكن وزارة التجارة أو مفتشيها يغمضون العين ولا يتورع عن وضع هذه اللوحات كبار المحلات التي تعتبر "فرانشايز" أو تابع فرعي لأصول في دول أخرى لها قوانين عريقة في الحرص على المستهلك، وعندما تصل إلينا نحولها إلى مؤسسات بيروقراطية تنظر إلى الزبون وكأنه محتال وغير صادق وأنه يريد أن ينال من المؤسسة ويسرق أرباحها التي تتجاوز في كثير من الأحيان مائة في المائة ولا يكفي.
ففي متجر ضخم حديث الافتتاح في العاصمة أردنا استبدال قطعة زجاج خاصة بأباجورة ثمينة وجدناها مكسورة في الصندوق ثاني يوم الشراء، رفض موظف خدمة العملاء استبدالها وماطل وسوّف وقال لا يجوز التبديل بعد أسبوع دون أن ينظر في الفاتورة، وبعد أربع ساعات من ممارسة العقد النفسية على السائق الأجنبي طلبوا إعادة الكرتون كله على الرغم من أنه رُكب في المنزل وكل قطعه قابلة للكسر فيما لو انتقل كما هو ولا يمكن إعادة تفكيكه لصعوبة الأمر وما يعنيه ذلك من تضييع وقتنا وجهدنا وعقلنا مع هذا الشرط. ولم تحل الإشكالية حتى وجد السائق موظفاً من بلدياته أعطاه بدل الزجاجة المكسورة ومضى.
بالطبع فإننا أصبحنا وقبل كل بيعة نتردد ألف مرة من شراء شيء من هذا المتجر وفي المرة التي اضطررنا إليها طلبنا الحديث مع المدير العام حتى نضمن أننا لو اشترينا بضاعة أكبر لن ندخل في متاهات خدمة العملاء الذين لا ندري على أي أساس يُوظفوا ويُستقدموا من أقاصي الأرض ليسيئوا إلى سمعة المؤسسة ومن مستقبل معاملاتها مكرسين ربما الخبرة السلبية من بلادهم.
وهذا ليس إلا مثالاً على ما يجري في أروقة خدمات العملاء لاسيما مع خدمات الإرجاع والتبديل بينما في الغرب يمكنك إرجاع البضاعة خلال شهر وأحياناً خلال ستة أشهر مع إرفاق الفاتورة بل ويمكن استرداد المال مع سؤال خجول عن السبب وراء أن المنتج لم يحظ على رضانا. أما استرداد المال فيتم خلال بضعة دقائق قد تصل العشر دقائق إن كانت على بطاقة ائتمان فيعود المبلغ كما كان ويمكن استبدال ما شئت. وكما نرى فإن هذه الشركات والأسواق كانت تسيل عليها الأمم تشتري دون تردد ودون ملل لوثوقهم بأنهم لن يجروا وراء موظفي خدمة العملاء ويمضون في مكتبهم أو يقفون على شبابيكهم الساعات حتى يسترجعون هللاتهم أو يستخرجون بدلاً منها ورقة موقعة من عدة مديرين لا تدري أين يختبئون. وأتساءل كيف نريد أن ننجح في جلب الاستثمارات إلى بلادنا وقوانين حماية المستهلك حبر على ورق.
د / هتون اجواد الفاسي