قرية الشيخ رضوان

[align=justify]
انتشار الفوضى و انعدام الأمن و الإستقرار الذي عمّ القرى في تلك المنطقة جعل من قرية الشيخ رضوان حالة استثنائية حيث كانت هذه القرية مُهابة الجانب و أصبحت واحة أمن , و ما كان ذلك ليتسنّى لها لولا تمتُّع الشيخ رضوان بقوة الشكيمة مع شجاعة منقطعة النظير و كرم لا مثيل له , تلك الظروف و الأحوال جعلت هذه القرية مكاناً مرغوباً و وجهة مفضلة للاجئين من جميع نواحي و قرى البلاد , و كان هؤلاء اللاجئون على صنفين مختلفين , فالصنف الأول هم أكابر جلوا عن قراهم نتيجة الدماء أو لمشاكل و فِتَن حدثت بينهم و بين أبناء عمومتهم و جاءوا إلى قرية الشيخ رضوان ابتعادا عن المشاكل و طلباً للإستقرار , و الصنف الثاني هم المنبوذين , الذين ليس لهم قرى محددة , و يتم اضطهادهم و نبذهم دائماً من قبل أبناء القرى , فجاءوا لهذه القرية طلباً للحماية و هرباً من الجوع و الخوف .
كان الشيخ رضوان يرى أن من أوجب واجباته حماية اللاجئين لقريته و إكرامهم, و كان ربما دفع من دماء أبناء قريته ثمناً لحماية لاجئيها , أو دفعاً للأذى عنهم , أو في ثأر لمظلمة أصابتهم , و يزجى الأموال الطائلة لتأدية الديات عنهم و تقبلها , و كان يعتبرهم من أبناء قريته له ما لهم و عليه ما عليهم , و كانت الأعراف في ذلك الزمن تلزم اللاجئين بإعلان انتمائم للقرى التي لجئوا إليها , حتى يتسنَّى لها الدفاع عنهم و حمايتهم .
مات الشيخ رضوان و سار أبناءه من بعده على نهجه في حماية اللاجئين و اعتبارهم من أبناء القرية , و حدث أن خرج سلطان في إحدى نواحي المنطقة وحَّد جميع القرى في طول البلاد و عرضها و نشر الأمن و الإستقرار في جميع القرى و فتح مخفر للشرطة في كل قرية و أمَّن الطرق و نشر الرفاه الإقتصادي فى البلاد .
أبناء اللاجئين الأكابر ظلّوا على ولائهم و حميتهم لقرية الشيخ رضوان , أما أبناء المنبوذين فنتيجة لعقدة النقص و الدونية التي لازمتهم , فقد غيّروا انتمائهم , و أصبحوا يستغلون أي فرصة للتبرّؤ من هذا الإنتماء و الخروج منه بل و إثارة المثالب و الإنتقاص من قرية أبناء الشيخ رضوان , ناسين أو متناسين مئات من السنوات عاشوا فيها في كنفهم و حمايتهم , و ربما لم يكن ذلك مستغربا حيث يدفعهم إلى ذلك بشدّة أصلهم المنبوذ و عرقهم الدنيء.
كان من ضمنهم أبو زنّوبة الذي حصلت له قصة غريبة فاستظافته إحدى القنوات التليفزيونية لسردها و قدمّه المذيع في بداية الحلقة على أنه ينتمي لقرية الشيخ رضوان فتمعّر وجهه و تقلَّب و قال أنه لا ينتمي لهذه القرية و أخذ يثرثر في قصة انتمائه و نسي قصته التي استظافته القناة من أجلها , وسط ذهول و استغراب المذيع و الحاضرين في الإستديو الذين لا يعرفون له انتماءً لغير قرية الشيخ رضوان .
و كان من ضمن هذا الصنف أيضاً أبو قِربه الذي استغل زيارة حاكم البلاد للمنطقة فنصب لوحة ترحيبية خاصة به و لم يذكر فيها انتمائه لقرية الشيخ رضوان و رفض مشاركة أبنائها في لوحتهم و ذلك ليُظهر لأبناء جميع قرى البلاد عدم انتمائه لقرية الشيخ رضوان .
أما أبو كشّة فقد سمع بوجود جولة لإحدى القنوات التلفزيونية قريباً من منزله , فأرسل لهم يطلب استظافتهم و هيأ المجلس لهم بشكل سريع و كان أول ما قاله في المقابلة و بدون سؤال منهم أنه لا ينتمي لقرية الشيخ رضوان و إنما لقرية غيرها ...
عبد الكريم أحد أبناء القرية الغيورين عليها و على سمعتها ضاق ذرعا بهولاء و تملَّكه السخط لما سببوه من همز و لمز للقرية فما كان منه إلاّ أن ذهب مُغضباً إلى الشيخ محمد الذي آلت إليه زعامة القرية و قال له : يا شيخ محمد لقد رأيت ما يحصل من أبناء المنبوذين و ما يسببوه لنا من همز و ثلب و إني أرى إخراجهم كلهم من الإنتماء لقريتنا حتى يعرفهم أبناء كل القرى و لا يسبب خروج المزيد منهم لغطاً و حرجاً لنا ..
فرد عليه الشيخ محمد قائلاً : لا يمكن يا عبد الكريم أن نُخرج لاجئاً لنا عن الإنتماء لقريتنا , ليس ذلك من شيمنا فنحن نعتبرهم منّا لهم ما لنا و عليهم ما علينا , هذا ما تعلمناه من كبارنا وما ورثناه من جدنا رضوان , أما إذا اختار أحدهم الخروج عن الإنتماء لقريتنا فهذا شأنه و لا نمنعه , قريتنا يا عبد الكريم ليست في حاجتهم بل هم الذين في حاجتها .
عبد الكريم : حسناً يا شيخ محمد , أقِرّ لك أن أبو زنُّوبة و أبو قِربة و أبو كشّة رغم ما أثاره خروجهم من لغط و قيل و قال إلاّ إنهم ليسوا ممن يُؤسف لخروجه أو يفيد بقائه , و لكني أسألك يا شيخ محمد : ماذا لو خرج أبو المكارم ؟ ...
عندها صمت الشيخ محمد و لم يجد عبد الكريم تفسيراً لصمته ...
[/align]