حديث رواه الشيخ أبو حسين قاسم الصباغ
أجري الحديث بتاريخ 19\12\1998
زمن الثورة كان عمري 22 سنة. بدأت الثورة في جبل الدروز. في البداية كانوا يرسلون لنا كي يشجعوننا على الثورة. كان في المجدل مخفر للفرنسيين طرده الأهالي من البلد، وأصبحت المجدل خارجة عن سلطة فرنس. كان المخفر في بيت للمسيحيين وهو اليوم بيت أبو عصام مهنا الصفدي.
تحمس الشباب للثورة ولقتال فرنسا، وعملوا عصابة وبدأوا بشن الهجمات. ذهبت العصابة الى راشيا الوادي، وهي قرية فيها جيش فرنسي. القلعة تقع على كتف البلد وفوقها حارة، على ظهر "شيار" عالي جداً، والحارة أرفع من القلعة. عندما وصلت العصابة دخلت الحارة التي فوق القلعة، وبدأ إطلاق النار على الحرس عند مداخل القلعة. لم يكن باستطاعتهم إصابة الأهداف من البنادق، فبدأوا بإطلاق "الصربند" (المدافع). فكر الشباب في كيفية احتلال القلعة. يوجد بجانب القلعة 3 بيوت ملتصقة بعضها ببعض وبالقلعة، فقاموا بحرقها. أرادوا احتلال البرج، قاموا بتوصيل عدة سلالم بعضها ببعض واتفقوا على أن يقوموا بحماية الثوار الذين سيصعدون على السلم. أول شخص صعد كان معه قنبلة يدوية رماها على العسكر فهربوا من البرج. الذين صعدوا على البرج هم: نجيب الكحلوني، قاسم سيد احمد، علي القضماني، وشخص من راشيا. نجيب الكحلوني قتل في البرج، ويحتمل أنه أول من صعد. سليمان مرعي صعد على سطح بيت قرميد في مدخل القلعة واحرقه. كان للقلعة ساحة من الجنوب حوصر العسكر الفرنسي فيها، فطلب منهم الثوار أن يستسلموا، استسلم 7 منهم، وقسم منهم هرب من مدخل القلعة الشرقي، الذي لم نعلم بوجوده. وكنا نشاهد العسكر عندما يبتعدون عن القلعة ولا نعرف من أين يخرجون. عندما دخل الثوار عبر البرج فتحوا الباب الشرقي للقلعة ودخلنا القلعة. في نفس الوقت جاءنا خبر أن الجيش الفرنسي سوف يهجم على المجدل، فبدأنا بنقل الخبر بين الثوار وعدنا لحماية بلدنا.
استشهد في القلعة كذلك شابان من حوران، شاركا معنا في الهجوم. استشهدا عندما دخلنا ساحة القلعة، وكذلك فارس أبن حمود سلمان، ونجيب الكحلوني، و محمد السلعت (العقباني). حسن حمود الصفدي أصيب هناك وأحضرناه إلى البلد، ويحتمل أنه مات هنا لا أذكر ذلك بالضبط.
كنا في راشيا حوالي 100 شخص بقيادة نايف مرعي.
ثاني يوم عدنا إلى البلد هجم العسكر عليها. عندما وصلنا الى البلد ذهب الثوار وناموا في بقعاثا، ووضعوا صبارة (مراقبين)، ليبلغوا عن قدوم العسكر. فاجئ قدوم العسكر الثوار وانهزم الثوار أمام الجيش. قتل من الثوار ظاهر عويدات، ثلاثة أشخاص من بقعاثا لا اعرف أسمائهم، وأصيب إسماعيل خليفه لكنه لم يمت. عسكر الجيش في مسعدة عدة أيام، بعدها طلع الى المجدل. ذهب الثوار لمواجهته في منطقة "البويب" (منطقة البرادات)، وفي السكرة رابط أهل بقعاثا. في السكرة أغلق الثوار الطريق بالصخور، فلم يمكن الجيش من فتحها لدخول الدبابات، وعادوا من السكرة ولم يدخل الجيش الى البلد.
استشهد في منطقة البرادات سلمان إبراهيم، اسعد مداح، قاسم الشوفي، قاسم الصفدي (أبو ضحّيي)، حمود الجرفاني من بقعاثا (وهو صهري)، وحسين الجرفاني. بقيت أنا بجانب صهري حمود الجرفاني، أخذ العسكر يتقدم من منطقة البرادات وصل الى منطقة لا نشاهده فيها. قال لي حمود تعال نغادر، قد يصلنا العسكر من دون أن نشاهده. خرجت من المتراس فشاهدت أسعد مداح قادم نحوي من الغرب. عندما جلس جانب حافة قصفوه من الدبابة فقسموه نصفين. انسحبت بسرعة وحمود ورائي، وعندما أصبحنا مقابل البلد شاهدت رفاقنا، الذين كانوا في عين القعقان، متجهين نحو البلد. سمعت حمود ينادي عليّ فرجعت فوجدته مصاب بيده. عندما وصلت إليه سقط على الأرض، أخذت المسدس وحاولت انتزاع الخنجر والجناد، لكنهم كانوا مثبتين جيداً فتركتهم وأخذت "البارودة" وتركته. في الوادي وجدت الشيخ طاهر أبو صالح وباقي "الاختياريه". سألوني من هذا الذي أصيب قلت لهم صهري. بعدها جاءت الطائرة وقصفتنا، فاتجهنا الى البلد. بعد ذلك بقليل انسحبت الطائرة والجيش، فلحقنا به ووجدناه قد ابتعد.
في "الشر الثاني" كنا في الجبل. جاءنا خبر أن العسكر سوف يأتي من جهة جباثا الخشب لحصارنا. في المساء كنا 7 إلى 8 أشخاص. طلب منا أن نصعد على الجبل وننام في الجبل ونراقب المكان. كان معنا محمد بريك، وكان أكبرنا سناً، وأحمد نعمان، والباقي لا اذكرهم، نمنا هناك وفي الصباح طلع العسكر، وتبين أنه جاء من غربي جباثا، وطلع على الجبل باتجاه منطقة تدعى المكحلة. كانت مجموعة من الثوار قد وصلوا "المكحلة". في الصباح كانوا حوالي 10 شباب، تصادموا مع العسكر، فقتل من الثوار سليمان مرعي، وأصيب أثنان آخران، وتغلب علينا العسكر، ولم نعد نملك ذخيرة، واصبحت البارودة مثل العصا. سكان البلد تجمعوا في منطقة "الاسكندري" و"مراح الشجرة" (من المجدل ومسعدة وعين قنية وبقعاثا بالإضافة إلى الثوار بعد أن هزمنا).
جاءت الطائرة وقصفت فقتل 7 من عائلة إبراهيم. قالوا أن الجيش بدأ بتطويقنا من جهة الجبل ومن جهة حضر، فرحلنا من الجبل ووصلنا إلى "حينا". هناك بعث قائد الجيش الفرنسي رسول يطلب من الأهالي العودة إلى البلد شرط أن لا نسمح للـ "عصابة" أن تدخلها.
كان معنا اسعد كنج وآخرين "أوادم". قالوا أن وافقنا سوف يعفون عن الفلاحين ونحن نسجن، وتقرر أن نكمل الطريق إلى جبل الدروز. انطلقنا في الصباح الى الجبل. كان الجو شتاءً. وصلنا إلى "كناكر"، وكان معنا 3 خيالة من الجبل دخلوا على مختار "كناكر" وطلبوا منه السماح لنا بدخول البلد، وسمح بذلك. في الليلة الثانية رحلنا من "كناكر" ووصلنا إلى أو ل "اللجاة". أحس البدو بنا وبدءوا بإطلاق النار علينا. الخيالة كانوا في أول القافلة فنادوا على البدو وقالوا لهم أننا هزمنا من قبل الفرنسيين وفي طريقنا إلى الجبل، لكنهم أجابوا "نحن والدولة عليكم"، واستمروا في اطلاق النار علينا. عندما تكلم البدوي عرفه الخيالة، ونادوه باسمه، فتعرفوا على بعضهم وطلبوا منهم وقف اطلاق النار، وأخبروهم أن معنا أطفال ونساء، وتوقف اطلاق النار. طلبنا من البدو دليل، كي يدلنا على الطريق، فبعثوا اثنين منهم ساروا أمام القافلة، وبقي اثنان من جماعتنا عندهم، ضمان حتى يعود رجالهم. يقال أن البدو دلونا على الطريق الخطأ "الغريقة"، ولكنه كلام غير صحيح، فقد كنت مع الخيالة، وكانت الطريق على شكل نصف دائرة، تلتف حول "الغريقة"، الدليل أخذنا على الطريق الصحيح، لكن أخر القافلة لم يسلك نفس الطريق- فقد شاهدوا أول القافلة من الجهة الأخرى لطريق "الغريقة"، فسلكوا الطريق المختصر، لأنهم اعتقدوا أنها الطريق الصحيحة، فسلكوها وغرقوا في الوحل، ولكن الحظ حالفنا وطلع الفجر، لأنه لولا طلوع الفجر لمات الكثير في الوحل.
بعد طلوع الفجر وبعد "الغريقة"، بدء البدو إطلاق النار علينا من الاتجاهين، وقتل اثنان من عائلة الصفدي: سلمان ومحمد، وشخص من أم الرمان كان معنا في البلد، يقال له أبو حسن أمين، وشخص آخر من حضر.
عرف سلطان (الأطرش) بالأمر فجاء ومعه 3 خيالة وتوقف القتال. من هناك توزعنا على الجبل: أنا وعائلتي ذهبنا إلى عند أقربائنا في "الكفر" وهم من عائلة الصباغ أيضاً.
بعد أن أطلق الفرنسيين سراح كنج أبو صالح، وعلمنا بالأمر، بدأ الناس بالعودة إلى البلد. أنا لم ارافق العصابة الى "كوكبة" و"مرج عيون"، فذهبت مع عائلتي الى فلسطين، إلى "مقام النبي شعيب" عليه السلام، ومنه عدنا الى البلد. هناك من جاء مباشرة الى البلد من الجبل عن طريق الشام.
فارس اسعد ايوب وملحم احمد محمود قتلا عند "بير نصوبه".بعد أن هزم العسكر الفرنسي لحقنا به لبقعاثا وقتل هناك قاسم سليم محمود، فحملنا ه لبقعاثا، وذهبت عند بيت أختي وجلبت سلم وحملناه الى البلد لعند أهله.
حمود عبدالولي قتل في حوران، من قصف الطائرة، في بلد اسمها "نجران". كان على البيادر يتفقد بغله. اسعد ابو عقل توفي في بيته، إذ كان مسناً، ولم يستشهد في المعركة. كان جارنا ومات في بيته ميتة طبيعية. اسعد نعمان أبو سعده لا اذكر... اسماعيل القضماني لم يمت بالثورة، أصيب وعاش بعدها مدة طويله. احمد حمود عماشة لا اعرف...
عندما نزحنا من البلد أيام الثورة كانت لي عمة عمياء هي أمينة يوسف الصباغ، وجدة عاجزة اسمها عفيفة، وهي أم أمينة، لم نستطع أخذهما معنا، وكان عندنا بيت قرب الخلوة، كانت فيه مغارة فوقها صخر، خبأناهما فيها، وعندما عدنا وجدناهما أمواتاً. ربما ماتتا من الجوع.
علي قاسم ابراهيم وعلي مداح يحتمل أن يكونا قد استشهدا أثناء قصف الطائرة. سلمان نخلة استشهد في الثورة في "العريض" . سليم محمد عويدات لا اعرفه... فارس عويدات استشهد في الثورة غرب "جباثا" عندما طلع العسكر على البلد. سعيد خاطر وسعيد المقت استشهدا في "الشوكتليه". سليم فارس المصطفى لا اعرف... صالح العفلق لا اعرف، محتمل أنهما قتلا في الجبل. صالح سيد احمد قصفته الطائرة واستشهد في البلد، ومحمود سيد احمد، ومحمود عويدات وقاسم بريك وصقر حبوس لا اعرف... فارس زايد ابو صالح كان "قاطع طريق" مع اخوه. فارس خاطر لم يمت في الثورة. حمد نعمان محمود لم يمت في الثورة. حسن ضبيان، من لبنان، محتمل أنه استشهد في "سحيتا".
...
أنا كنت فلاحاً، أما ذهابي إلى راشيا، فقد جاء شخص الى البلد يطلب النجدة، لان العسكر حاصر راشيا، فذهبت مع الشباب...
من قاتل في ال 25 هو من يستطيع حمل البارودة، ومن لا يملك البارودة أضطر لشرائها، مثل
ابراهيم عويدات، كان عنده أرض تحت "عين القصب"، اليوم يملكها جميل مي، باع الأرض مقابل بارودة.
كنا نزرع مختلف أنواع الخضراوات، وكنا نبيعها في فلسطين. أنا كنت أبيع الخضار للتجار مباشرة في الأرض. قبل الثورة كنا نزرع ذرة وقمح. كانت الاراضي موزعة أرباع، وكان لكل ربع ناطورين.
...
يوم تركيا كنا صغاراً، وكانوا يأخذوننا لمنطقة شرق القنيطرة لنعمل في السخرة، في شق الطرقات، والرجال كانوا يأخذونهم إلى الحرب.
...
عندما هجم الجراد على المنطقة حدثت مجاعة، فقد كان الزرع "على الفريك"، فأكل الجراد الزرع والخضراوات والأشجار والكروم ولم يتبق شيء. حدثت بعدها مجاعة. "الشيعة" ذهبوا إلى حوران طلباً للطعام. وفي لبنان كانت الحرب، ومعظم السكان معيشتهم على الصيد من البحر وبسبب الحرب حدثت مجاعة.
زمن جمال باشا كنا صغاراً. كان هناك شيء يقال له "اليقلمه". جاء عسكر وخيم على البيادر وجاءوا الى بيت كنج أبو صالح وبدأوا بتسجيل الأنفس، ومن يقع تحت "القرعة" يأخذوه إلى الخدمة في الجيش التركي. كان هذا وقت حرب تركيا.
سامي باشا طلع على جبل الدروز كي يقوم بتسجيل الأنفس، وأخذ المناسبين للخدمة في الجيش. رفض أهل الجبل هذا وقاوموه.
زمن الثورة كانت الشعارات: "ربنا يا كريم يا مدبر التدبير، يا مهون العسير ع كل المؤمنين، سلاحنا المليك صفر الفشك نحشيه، عدونا نرميه بعناية الرحمن".
أنا تزوجت من أبنة عمي، ولم يطلبوا مهراً كبيراً كما لو كانت غريبة. كانوا يشترون للعروس صندوق "بدل الخزانة اليوم"، أنا لم أشتر. بدل 3 بدلات ثياب أنا اشتريت بدله واحدة فقط وزنار يقال له "زنار ترمه"، و"قنباز" من جوخ صيني. كان الغني يشتري الذهب للعروس.
أغنياء البلد كانوا: قاسم الصفدي، ملحم سعيد الصباغ، وشخص أخر من بيت الصفدي كان عنده كثير من الماعز، أما الفلاحين فكانوا فقراء. الشيخ كنج أبو صالح كان عنده فدانان، وكان يأخذ "ميري" 5 قروش عن البيت. أصحاب الماعز كانوا يدفعون من حليب الماعز لبيت الشيخ، ويصنعون الأكل للضيوف، كون بيت الشيخ كنج كان يأتيه كثير من الضيوف. لخيل الضيوف كانوا يأخذون من الفلاح "مد" أو "مدين" أو "علبة شعير"، وكان هناك حاصل يضعون فيه هذه الغلة. كان عندهم خادم يقوم بهذه المهمة. "الوقاف" كان يعمل على البيادر، لأن الدولة كانت تأخذ عشر الغلة وكانوا يضمنون البلد من غير "وقاف". ربعنا كانوا يوكلون شخصاً على الفلاحة، وعندما "تذري البيدر" يأتي هذا الوكيل ويأخذ عشر الغلة. هذا على زمن تركيا، ولم يستمر في زمن فرنسا. زمن فرنسا كانت فريضة.
هل الجرفاني هنا من "الحويطات"؟
العرض المتطور
