يظل اختلافاً و ليس اعتراضاً

في الآونة الأخيرة برزت بقوة على الساحة الصحفية العديد من الكتابات والآراء والطروحات والتعقيبات المتبادلة بين بعض كتاب وقراء الصحف المحلية وذلك حول الكثير من المسائل والقضايا المختلفة الدينية والاجتماعية.. ووصل هذا الطرح إلى درجة كبيرة من الحرية في الطرح سواء من حيث المساحة اومن حيث عدد المواضيع. وهي ظاهرة قد تكون غير مألوفة إلى وقت قريب ..!!
في مقدمة ذلك جاءت الآراء التي طرحها عدد من أصحاب الفضيلة العلماء.. الذين ساهموا بعلمهم وبرؤاهم الشرعية في الكثير من المسائل التي طرحت في مثل هذه الحوارات التي لايزال يعضها مستمرا إلى الآن وفي أكثر من صحيفة وفي أكثر من موضوع ومع أكثر من كاتب فكانت مبادرات بعض المشايخ الأفاضل العامل الأهم والأول في إعطاء مثل هذه الحوارات الضوء الأهم والمتابعة من الجميع لمبررات عدة أهمها المكانة العلمية والاجتماعية والدينية التي يحظون بها أولئك المشايخ.. لذلك أخذت هذه الظاهرة مكانة ومتابعة مختلفة ومميزة .

لكن الملاحظ أن فئات من المتابعين تتحفظ كثيرا على مشاركة أصحاب الفضيلة في مثل هذه الحوارات فمنهم من يرفض المشاركة إطلاقا من مبدأ أن مكانة المشايخ أكبر من الأطراف الأخرى .. ومنهم من يرى أن الحوار في مثل هذه الأمور وبمثل هذه الأساليب أخذ منحى مختلفاً وأنه يجب أن يتم إيقاف ذلك.. !! وفئة ترى أن فكرة النقاش مرفوضة كليا للتباين بين فكر الطرفين من وجهة نظر هذه الفئة؟؟ ورأي هذه الفئة كان هو الرأي السائد والذي ظل يفرض نفسه بقوة خلال السنوات الطويلة ..

هنا اختلف مع أصحاب هذه الآراء فمشاركة العلماء والقدوة لنا في مثل هذه الحوارات مشاركة مطلوبة مهما كانت حدتها ويجب أن تستمر وتتواصل.. فهذه المشاركات المتتالية والآراء والردود هي مبادرات كنا نفتقدها بل ونحتاج إليها كثيراً وبأكثر من ذلك.. وهي نهج يجب أن نشد عليه وندعمه ونطلب من كل عالم أن يشارك في مثل هذه الحوارات وان يتحمل العبء والجهد والصبر والحلم والهدوء من أجل الإقناع ومن اجل الاستفادة العامة لكل الأطراف.. فهي نوع من أنواع الجهاد ان شاء الله وهو جهاد شاق يتطلب الحلم والهدوء من اجل كسب الآخرين وتقريبهم وليس تنفيرهم !!

فعندما نجد حواراً في موضوع ما استمر عدة أسابيع بين أطراف يراها "البعض" متباينة أو مختلفة فان ذلك يعد أول وأهم خطوة إلى وصول قناعة أحد الطرفين مهما أخذ الحوار من الجهد ومن الوقت الشيء الكثير.. فمن خلال هذا الحوار المستمر فان الوصول إلى نتيجة نهائية هو الهدف السامي الذي ينشده وينتظره الجميع إن شاء الله .

فالاختلاف في طرح بعض الآراء ظاهرة صحية ومطلوبة ويجب أن نسلم بها من أجل المصلحة العامة ومن غير المناسب أن يظل كل طرف في منأى عن الآخر.. وليس من المناسب أن يظل كل طرف في عزلة عن الآخر.. ومن غير المصلحة أن يظل كل طرف منغلقاً على ذاته.. والحوار المستمر مهما صعبت مسؤوليته ومهما كانت حدة النقاش ومهما طال من المؤكد انه سيصل في النهاية إلى نتيجة مقنعة بإذن الله.. ولكن ذلك الحوار يجب ان يكون حوارا هادئا بناءً حوارا يتسم بالحلم وبالصبر وبالتأني.. وذلك خطوة إن شاء الله نحو الاتفاق مهما أخذ الحوار من الوقت والجهد الشيء الكثير .فشكراً لأصحاب الفضيلة على سعة صدورهم ورحابة فكرهم وعلى مبادرتهم التي من المؤكد أنها تتقبل طرح جميع الآراء والاجتهادات.. فهم إن شاء الله لديهم من العلم ما يمكنهم من إقناع الأطراف المختلفة معهم..

من هنا فان الاختلاف هو المسمى الذي يجب أن نتفق عليه في هذا الحوار.. والجميع في هذا الوطن المسلم الغالي ليس بينهم (معارضة) مهما اشتدت صور الاختلاف حول أي موضوع فالهدف أولاً وأخيراً يبقى هدف إسلامي خالصاً ونبيلاً ومثالياً.. وفي نفس الوقت هو هدف وطني لمصلحة وطن غال يضم أبناء وإخواناً هم في أمس حاجة إلى طرح كل جوانب الاختلاف في الآراء وفي المفاهيم من أجل الاتفاق في النهاية على الأصح بشأنها إن شاء الله..

لذلك دعوا الجميع يطرحوا ما في الأذهان ويفصحوا عن حدود معارفهم وعلى الكل تقبل هذا الطرح ومن ثم الإجابة عنه او الرد عليه بالأدلة والبراهين المقنعة بكل هدوء وبكل تأن.. وليكن نهج سيدنا ونبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم هو النهج والقدوة في مثل هذا الحوارات وفي مثل هذا النقاش.. والقناعة والقبول قد يتطلبان الشيء الكثير من الوقت ومن الجهد ومن الصبر.. فالصمت المستمر.. والعزلة بين طرفين لم يعودا أمراً مطلوباً ولا يخدمان كل الأطراف؟؟!!


بقلم / عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل الشيخ

شكرا لك الفارس