يبدو أن أمل الإنسان العادي في أن يبنيَ منزلاً صار كأمل القذافي في أن يعود إلى باب العزيزية،إذ (الزنقة ) التي يواجهها السعوديون من صندوق التنمية العقاري كـ (الزنقة) التي يواجهها القذافي من مطاردة الثوار له بيت بيت،دار دار ، زنقة زنقة. فالمواطن تطارده أنظمة الصندوق العقاري كما تطارد كتائبُ الثوار القذافي ،وأزمة ( شدوا الجرذان ) التي قالها القذافي لا تختلف كثيراً عن أزمة ( شُح الأراضي ) التي قالها وزير المالية ،لكن – والحق يُقال- أن عبارة القذافي أهلكت القذافي نفسه، بينما عبارة وزير المالية أهلكت غيره، وإن تسببت العبارتان كلتاهما في أن تضيق الأرض بما رحبت على ناس وأن تتسع أشد الاتساع على ناس،فليبيا ذات المساحة الشاسعة قد صارت في عيني القذافي أضيق من سَمِّ الْخِيَاطِ ، مثلما ضاقت بلادنا وهي تشبه القارة بما لا يجد المواطن مكاناً يكفي لبناء بيت يؤوييه وأولاده، حتى إذا دُعم الصندوق وتم التسريع في القروض وانفرجت أسارير الناس وانشرحت صدورهم ،استجدت أزمة في الأراضي دعت السعوديين لأن يرددوا معها البيت الشهير لخالد الفيصل :
إن قلت زانت خالف الوقت ظني … وإن قلت هانت عاجلتني بلاوي
لقد ارتفعت أسعار الأراضي إلى أن وصلت أضعاف أضعاف سعرها السابق ،وتوقف كثير ممن وجدوا أسماءهم في آخر الدفعات بعدما يئسوا من العثور على أرض ،و حتى الذين حالفهم الحظ ووجدوا …وجدوا أنفسهم بحاجة إلى قرض يقارب القرض العقاري من أجل شرائها ، فيمموا وجوههم شطر البنوك ،وعلى ذلك فالفائدة التي لم يحصل عليها البنك العقاري حصل عليها بنك آخر،بعد أن صارت الأراضي في أيدي التجار و توقفت بعض البلديات من استحداث المخططات، كما لو أن مخططات البلدية فعلاً مخططات سكنية ،أو لكأن بعض البلديات قد اعتادت أن تتعب نفسها في اختيار المكان ونوع التربة وتهيئة الخدمات والبنية التحتية ، فكل مخططاتها السابقة ليست إلا أراض خاوية على عروشها تخضعها لعمليات التقصيص والاختصار من باب (العاملين عليها )، أو من باب ( الأقربون أولى بالمعروف )،أو من أي باب آخر لا يعلمه إلا الله والراسخون في لهف الأراضي، فأبواب النفع بحمد الله كثيرة !،ثم تقوم بتقسيم الفتات على المواطنين دون زفلتة أو أعمدة إنارة أو حتى أقل الخدمات ،وإنما تتركها للمواطنين على قاعدة ( عليك يا الله )، وإذا شاء الله وتراص البنيان جيء بالمعدات وبدأ الحفر والردم والتسليك والتوصيل، دون ترتيب أو تنظيم أو حتى تنسيق، فقد تبدأ البلدية أولاً وقد تبدأ الاتصالات أو قد تبدأ شركة الكهرباء،فمن يصل أولاً هو الذي يبدأ، أي أن الأمر كله يعتمد على الحظ أيها الأصدقاء ! …
وحيث أن الحديث عن القرض العقاري فلا أكتمكم أني كنت متردداً في التقديم على صندوق التنمية العقاري، ليس لأن القرض لا يختلف عن أي قرض آخر يمكن أن يقدمه شخص موسر دون أن يشترط الفائدة ،أو لأني أعرف أن دفعات القرض ستضطرني لأن أبحث عن قرض آخر يساعدني في التدرج بين مراحل القرض إلى أن أحصل على كامل المبلغ . بل لأني وجدت أن الاقتراض من البنك العقاري لا يختلف عن الاقتراض من أي بنك آخر ، والفائدة التي أدفعها لصالح البنوك الأخرى هي شراء للوقت ، بعد أن قدرت الزمن الذي يستغرقه الحصول على القرض العقاري- آنذاك – فوجدته يقترب من الأربعين عاماً،و هو زمن يكفي لأن تنقرض أجيال وتولد أجيال ،والحياة أقصر من أن تستحق كل هذا الانتظار ،ثم إنه لو شاء الله وأدركت هذا القرض فلن أجني منه إلا ديناً يتبعني في الآخرة .و لست من الإيثار ما يدفعني لهذا الفعل ، وإني لعلى قول أبي فراس الحمداني ( إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر ) …
شافي الوسعان
شدوا الجرذان = شُح الأراضي !
العرض المتطور
