هل هناك علاقة بين الشاعر اللبناني الياس أبوشبكة.. وبين الروائي الأمريكي الشهير إرسكين كالدويل.. أو حتى بين أي منهما وبين الشاعر سعيد عقل!!
إذا قلت لا أدري.. فلعلني لا أدري بحكم تشوش وتداخل "المادة الأرشيفية" التي مازالت عالقة.. أو تكاد..
اما أن ساورني بعض شك وقلت:- لعلني أدري!!
فما ذلك إلا بحكم حسن ظني بما انبثق من وعي مفاجئ ادخل الثلاثة في دائرة اهتمامي.. على نحو يتطلب وقفة متأملة.. للوقوف على ما يفرق بينهم قبل محاولة كسر حاجز "الوهم الثقافي" الذي يود أن يؤلف بين ثلاثتهم علاقة قابلة للتحليل ومن ثم الاستنتاج.
- ها... ربما يقول أحدهم ان بناء علاقة يمكن الانطلاق منها.. يجب أن تنطلق من المحرمات الثلاثة: الدين والجنس واللغة..!!
لأن هذا "الثالوث المحرم" هو محور ارتكاز تفكيك منجز هؤلاء.. أو على الأصح محور الكثير من الضجيج الذي اثير حول هؤلاء.
فإذا رددنا على "ها..." التساؤل ب"حا..." الاجابة.. و"حواهما" أو "هواهما" سياق منطقي.. فإنني أفضل الانطلاق من هلهلة ما في الذاكرة من ارسكين كالدويل.. هذا الكاتب المولود عام 1903والذي ينتمي لجيل قدم أهم نتاجات الرواية الأمريكية في القرن العشرين من أمثال همنغواي وفولكنر وشتاينبيك وسكوت وميلر وكابوت وغيرهم.. وفي زخم ذلك العطاء الابداعي الكبير.. يبدو أن كالدويل لم يجد مناصاً - لتحقيق انجاز متميز - من التماس مع محرم الدين والجنس.. حيث العلاقات الجنسية المحرمة بين الزوجة واشقاء زوجها.. وكذا غيرهم من المحارم.. وحين قدم في بداياته روايات مثل "طريق التبغ" و"أرض الله الصغيرة".. جاءت الأخيرة متطرفة في مساسها بالمحرمات الأمر الذي أدى لمصادرتها ومنعها وتأليب المجتمع الديني والمحافظ ضد كاتبها.. الذي لم يكتف بزنا المحارم.. بل سخر من الدين.. حيث الأرض الصغيرة المنذورة لله.. لا حرمة ولا قدسية لها.. فبعد أن كانت تحتل مكاناً مميزاً في المزرعة.. اجتاحتها حمى البحث عن الثروة.. حيث أخذت عمليات الحفر تقترب منها.. ثم لم تجد العائلة أي سبب يمنع نقل "أرض الله الصغيرة" لموقع آخر.. وهكذا حتى اصبحت خارج المزرعة.
وبالعودة ل"ها.." السؤال تأتي "حا...." المتأملة التي لابد لها أن توجد علاقة جدلية بين "حا..ها" اللامتناهية.. لتأتي على ذكر الياس أبوشبكة والضجيج الذي أثير حول محرمات بعض قصائده التي من أشهر تلك التي تحاكي احدى الأساطير الدينية وتقوم بدور الابنة التي تدفع أبيها لحالة سكر شديد تمارس على اثرها الرذيلة معه.
- لكن ما علاقة سعيد عقل.. ها..!!
انه أحد فحول العربية وله "غنيت مكة أهلها الصيدا".. وهو مسيحي متدين بطريقة عاطفية..غير انه في فضاء تلك النشوة الدينية اكتشف على نحو متأخر.. ان فضاءة المقدس مستمد من سياق حضاري ولغوي.. يعود لغير العربية.. وان لم يجد سبيلاً للعودة للتواصل مع كل سياق حضاري ولغوي.. يعود لغير العربية.. وإن لم يجد سبيلاً للعودة للتواصل مع كل معطياته المنقرضة.. فإنه وجد في "محكية" أهل لبنان بديلاً للسان "الضاد" العربي الذي جاءت لغة "القرآن الكريم" لتكرسه بعيداً عن شعر الشعراء وكل أرث "ضادهم".
فقال بفصاحة محكية أهل الشام مواكبة حرفها اللاتيني.. وفي كل المحاولات لم يجد عقل وسواه أية حلول للنص المسيحي المقدس.. الذي لا توجد له ترجمة باللهجة المحلية.
هذا يقودنا للقول ان ثلاثة على الأقل من أبناء جيل كالدويل حصلت أعمالهم الروائية على نوبل للأدب.. ولم يحصل عليها كالدويل الذي لم يشفع له اختراقه للمقدس.. ولم يحل دون تأكيد تواضع مستواه الفني والابداعي.. ولم يصل اختراق الياس أبوشبكة للمحرم بشعره إلى مستوى أبناء جيله الذين فعلوا وأثروا. ولم تصل محكية سعيد عقل دون تقديمه لنفسه كأحد شعراء الضاد.. وهو يتلو شعره بنشوة ابداعية منحتها له اللغة.. فيما ظلت المحكية التي كانت تلهم أولئك الذين قدموا فيروز.. في تراجع مستمر.. حتى اصبحت لا تناسب إلا أمثال "هيفاء وهبي" وكل تلك الأغاني ذات: "الواوا" و"الحا..حا".
بقلم الأديب / عبد الله با خشوين