وما بعد تزييف الشهادات الدراسية ؟

قبل سنوات سُربت قوائم لسعوديين حصلوا على شهادات جامعية وعليا ماجستير ودكتوراه مزيفة، حصلوا عليها من عدة دول، وبموجبها تم توظيفهم في مراكز عليا حكومية وأهلية، ولم تلاحق القضية بشكل يكشف عن حقيقة ما نشر، وهي مسؤولية التعليم العالي الذي عليه تقويم الشهادات ومصادرها، ومعادلاتها بالجامعات المعترف بها، والمأساة في هذه الحالات أن الوظائف تذهب لغير مستحقيها، وهو إهدار عام للكفاءات الحقيقية، والمؤسف أن هؤلاء كثير منهم ذهب مبتعثاً على حساب الدولة ليأتوا أنصاف أميين في اختصاصات لا يتقنونها..
هناك الآن فضيحة أخرى كشفتها الهيئة السعودية للاختصاصات الصحية حين عثرت على ألف وخمسمائة شهادة مزورة يعمل أصحابها في القطاعين الحكومي والأهلي، أطباء وصيادلة، وممرضين وفنيين، وتصوروا كم راح من ضحايا في الإعاقة والموت، أو من صُرف له دواء خاطئ، وقد لا تكون الأولى، لكن المخاطر أن هؤلاء يعملون في مرافق تتعلق بالصحة العامة، أي سلامة المواطن وحياته، ولا ندري إذا كانت القوائم ستعلن في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى لتكون إنذاراً لغيرهم ولدول المصدر، والتي يجب الحذر من التعاقد مع جنسياتها أو الامتناع النهائي، أو أن ذلك سوف يأخذ عذر غشاشي البضائع والمتلاعبين بالأسعار بأن التشهير بهم سوف ينسحب على عائلاتهم، في حين تعلن الجهات الحكومية جزاءات القتل، بالاسم والعائلة والهوية، ولم يضر المنتمين إليهم لأن خطأ فرد أو شذوذه، لا يعني العائلة والقبيلة، وطالما مثل هذه الحالات أصبحت شائعة ولا تقبل الصمت والتستر، أسوة بالعمالة التي أغرقت مدننا، فإن الميدان الطبي يوازي الإخلال بأي حالة أمنية أو غذائية، وبالتالي فمن غير المقبول أن نجد مزيّف الشهادات بلا عقاب سواء أكان مواطناً أم أجنبياً..
ربما يقول البعض إن هذه الظاهرة تحدث في دول متقدمة، ولا يتم كشفها، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن هناك نسبة وتناسب، فإذا كان الرقم المكتشف دقيقاً، فقد لا نجده بتلك الدول، ولا ندري من الذين، حتى الآن يعملون بشهاداتهم في ميادين ومجالات أخرى لا تقل حساسية وأهمية عن الصحة ودوائر العمل الإداري والفني.
لدينا العديد من الإدارات الرقابية للتجاوزات في التزييف والغش لكننا نفتقد جهات الفحص الدقيق لمن يُجلبون لنا باسم خبراء ومهندسين وكيميائيين لمعرفة خبراتهم وشهاداتهم، والجهات التي منحتهم تلك المؤهلات جهات غير عاملة حتى إن الشكوى العامة في الشركات والبنوك والوزارات وغيرها، جعلت الواسطة، وحدها المؤهل الأعلى في وقت لدينا كفاءات لا تحصل على امتيازات المتعاقدين ممن هم أقل منهم تأهيلاً، والمشكل الأخطر أن يُجلب متعاقدون يحتلون كراسي التدريس في الجامعات ليتم تخريج طبقة من غير المؤهلين، والسبب قلة الرواتب والعقود المفتوحة!!
بقلم / يوسف الكويليت