لا أصنف نفسي متابعاً للمسلسلات الخليجية الرمضانية لكن مشاهدتك لحلقة من أحدها كفيلة بأن تكشف لك ضعف حوارات النص الذي هو صلب العمل الدرامي وعموده الفقري. يا من تكتبون هذه الأعمال، يا من يدّعي طرح الواقع ومعالجته، إن أقل متطلبات المهنة، وأدنى مستويات احترام المشاهد، أن تكون الحوارات وسلوكيات الشخصيات في العمل واقعية أيضاً بطبيعة الحال، غير أن هذا أبعد ما يكون عليه الحال المرير لتلك المسلسلات.
من الواضح أن معظم من يكتبون نصوص تلك الأعمال لا يدركون الاختلاف المهم بين تأليف السيناريو والتأليف القصصي، فنرى حوارات الشخصيات فيها أشبه بالحوارات البيضاء المثالية في الروايات، وليست كما هي حوارات الواقع. فأحاديثنا اليومية لا تتناوب دائماً بتفاهم ووضوح مستمر، بل يشوبها سوء الفهم أحياناً، أو مقاطعة أحد الطرفين للآخر في أحيان أخرى، كما يعكرها أن لا يسمع أحدنا الآخر فيعاد الكلام، أو أن يكون أحدنا مشغولاً بشيء أثناء الحديث، وهذا كله لا نراه في المسلسلات، إذ تتواصل الشخصيات بجدية وانتباه شديد لبعضها البعض وكأن ما يدور بينها هو مباحثة دولية من شأنها حل أزمة عالمية!. نسبة كبيرة من هذا العيب تعود لضيق أفق الكاتب الذي هو وحده من يبتكر الشخصيات وينسج بينها خيوط الحوارات داخل مخيلته. حينما يؤلف الكاتب حواراً إنما يحاور نفسه في واقع الأمر وهو ما يجعل الأصل في شخصياته التفاهم المطلق، ولهذا يكمن الإبداع -وقد يبدو هذا غريباً- في أن يفكر الكاتب بأكثر من عقل فيخل بانتظام حواراته ويحاول صنع الخلل والمزاجية فيها.
نحن حين ندخل منازلنا لا نجد أفراد العائلة جالسين معاً وبصمت وكأنهم لا يفعلون شيئاً سوى انتظارنا لبدء حوار ما. حين نجلس مع الأصحاب ليس بالضرورة أن يكون الجميع مستمعين لحوارنا فقط بل نجد أحياناً من يتحدثون بينهم في موضوع آخر. حين يحدثنا أحدهم قد نكون مشغولين بتصفح الجريدة أو مشاهدة التلفاز. من المؤسف ألا نجد هذا في نصوص مسلسلاتنا التي تهمش الحياة بأسرها وتسلط الضوء على مضمون الحوار فقط، وهو ما يقتل هذا الحوار طالما اقتُلع من الحياة.
بقلم علاء المكتوم
حوارات غير بشرية
العرض المتطور
