تحتل المرأة موقعاً هاماً في تشريع وقانون أبناء العشائر الأردنية ، وقد صيغت العديد من القوانين العرفية لديهم بقصد توفير أعلى درجات الحماية لها من أي اساءة ، أو عار ، أو ضياع للشرف ، ويضيف د/ أحمد عويدي العبادي "1" : يعتبر الأردنيون بأن كل شئ مرتبط بالمرأة هو جزء من شرفهم ، ومنها العرض الذي هو أحد أهم القضايا الجدّية لديهم ( أحمد العبّادى ، القضاء عند البدو ، ص 158 ) .
ومن القبائل التي لها شأن كبير في القضاء العرفي بالأردن – كما يذكر - قبائل بني صخر ، والحويطات ، والعبّادي ( عشائر عباد ) ، وبني عقبة ، وبني عطية ، وبني حميدة ، العمرو ، وغيرهم ، وللعموم فلكل قبيلة قضاتها الذين يحكمون بين أبناء العشيرة ، إذ أن البدو يعتبرون الذهاب إلى قاضٍ من خارج القبيلة عيب شديد ، حتى لا تطّلع القبائل الأخرى إلى مشاكلهم ، ومع ذلك بقى الاختصاص للقبائل معروفاً ، كما توارثوه عن آبائهم وأجدادهم ، فإن ارتضى المتخاصمان حكم القاضي العشائري من أبناء القبيلة انتفت القضية ، أما إذا رفض أحدهما فإن القاضي الطبيعي الأصلي هو الذي يحكم فيها .
------------------
وعن التشريع العشائري يقول د / أحمد العبادي : هناك أربع سلطات قبليّة في كل قبيلة ( مجموعة عشائر أردنية ) ، وتغطي كل سلطة مجالات محددة من قوة القبيلة وهيمنتها وتستدعي دوراً خاصاً تؤديه فيها عائلات محددة ، أو أفراد معينين ، ولكل عائلة اختصاص معين تزاوله ضمن نطاق دائرة سلطة من هذه السلطات ، ويضيف : أما الوصول إلى الحصول على هذه السلطات الرئيسة فهو وراثي وانتقائي في آن واحد ، ولكن ضمن عائلات محددة " 1 " والسلطات الأربع كما يذكر هى :
1- السلطة الروحية .
2- السلطة السياسية .
3- السلطة العسكرية .
4- السلطة القضائية .
هذا وقد عنيت الحكومة الأردنية بقوانين العرف لدى العشائر الأردنية ، ولم يكن البدو يعرفون كلمة محكمة حتى عام 1921م ،( أي لم يكن الاصطلاح مستخدماً لديهم ) فقانونهم هو : القانون العرفي ، ومحكمتهم هي : بيت قاضيهم ، أو في ديوان القبيلة .
هذا معروف أن قبائل الحويطات بالأردن – كما يذكر - تشدّد على قضايا العرض وتعتبرها في المقام الأول قبل قضايا الدم ، كما يحكم القاضي الحويطي في قضايا العرض والوجه معاً ( خاص لقبيلته ) وذلك لأنهم لا يقومون بتحويل قضاياهم إلا إلى قضاتهم فقط ، لذا وجدنا ( المنشد الحويطي ) ، وهو من كبار قضاة القلطة ، كما أن من كبار القضاة قضاة بني صخر هناك .
أما القاضي العقبى – كما يذكر - ( قاضي بني عقبة ) فلديه – كما هو متوارث منذ الأزل قضاء المنشد – ونظراً لأن هناك اختصاصات
-----------------------------------------------------------
(1) أحمد العبادي مرجع سابق ( 162 : 163 ) .
قضائية متوارثة ( السوالف ) ؛ فنرى الجميع يحترم هذه السوالف القديمة ، فلو حكم قاضى الحويطي في قضية منشد فيسمى أبوهن – أي أبو النساء - ، إلا أن الاصطلاح يبقى للعقبى ، ومعنى نقل الاختصاص إلى قاض آخر يحكم فيه فهذا لا ينفي الاختصاص الأول ، فقبيلة عريقة مثل الحويطات لها سوالفها ، فهي لا تحبذ مطلقاً أن يكون القضاء لأي مشكلة خارجاً عن اطار القبيلة ، لذا فلو قام الحويطي بالحكم في قضية منشد فيكون اصطلاح العقبى مشيراً إلى مثل هذه السوالف ، وهذا ما أكده – بصورة غير مباشرة – د/ أحمد العبّادي يقول : أما الحويطات فيستخدمون اصطلاحات عدة للإشارة إلى هذا الخط من القضاء – أي قضاة العرض ، وترمز اصطلاحاتهم إلى مفهومهم للدور الاجتماعي للقاضي ، وكأنه يجسد دور رجال القبيلة جميعاً ، ويمثل في شخصه جدهم الأساس ، الذي يعالج قضاياهم بحنّو أبوي ، وبثقة ذاتية ويسمونه : ( أبوهن ، أي أبو النساء ) ، ويضيف د/ العبادي : وهناك اصطلاح العقبى الذي يشير عند الحويطات إلى الأمر الاجتماعي للقاضي ، ويبين صلاحياته القضائية ، وانحداره مع بقية أفراد الحويطات من جد واحد عام للقبيلة ، وبالطبع لنا تعليق على كلام أ . د / أحمد العبادي ....
: ( ص 247 ) فيقول : وهناك ظاهرة مشابهة في نظر العشائر الأردنية تجاه النساء ، وهي ذات ارتباط وثيق بلقب هؤلاء القضاة ، ألا هو توكيد دورهم في حفظ حقوق الجنس اللطيف ، الضعيف ، وكأنهن أخوات للقاضي فيقولون عنه : أخوهن ؛ ونظرة أخرى ، وكأن القاضي عمّ لهن – فيقولون : عمّهن ، وتستخدم هذه الاصطلاحات الثلاث : أبوهن ، أخوهنّ ، عمّهن ، لدى عشائر الحويطات للإشارة إلى نفس صنف القاضى ، وذلك لأن هذه الصلة القرابية الوثيقة ( أبوّة ، أخوّة ، عمومة ) تستشير الهمم القوية للقرابة الخلقية ، التي تبدو نسبية ، والمسئولية الجادة ضمن العائلة الواحدة ، والمجموعة القرابية الواحدة ، لذلك فإن القاضي يواصل حمل مسئوليات : الأب ، والأخ ، والعم ، فهو حقيق حينها أن يدخل ضمن الدوائر القرابية الحميمة ، ويسمي بنفس هذه التسميات التي يعبّرون عنها بالاصطلاحات التي دوّناها سلفاً ) .
( ص 250 : 251 ) مثلاً لذلك يقول : أما لدى الحويطات فإن اصطلاح عارفة يشير إلى جميع القضاة بشكل عام ، وإلى القلطة ( المنشد ) على وجه الخصوص ، عندما يقوم بممارسة مهمته ضمن دائرة منقع الدم ، وفي هذه الحلة يكون حكمه مبرراً ، بما يتعذر معه نقضه ، ففي عام 1949م مارس قاضي العارفة / عودة ابن نجاد مهمته كقاض لمنقع دم في قضية قتل ، وذلك بعد أن كانت القضية قد مرت بالبشعة ، وعندما التقى حكم القاضيين : ابن نجاد ، والمبشّع ، أصبح الحكم عندها مبرماً ، لا رجعة فيه ، وقد نصّت الوثيقة ما كان فحواه ما يلي :
انه حسب عادات الحويطات فإن الشخص الذي يرفض حكم العارفة بعد مجئ القضية من عند المبشع يجب أن يدفع الدّية ، أي من يرفض القرارات النهائية الصادرة عن العارفة ( عندما يقوم بممارسة مهمته كقاض ) وبعد أن يكون الحكم قد تطابق مع حكم المبشّع – مروراً بالبشعة فإنه ( رأي الرفض ) لهذه الأحكام ، يعتبر مذنباً ، وعليه دفع الدية ، وباختصار فإن جميع أطراف النزاع يعرفون عادة ما عليهم من واجبات ، وما لهم من حقوق ، وما يترتب على سلوكياتهم من مسئوليات ، لذا فإن اصطلاح العارفة وصف لظروف القضية ، وعملية التقاضي ، أكثر منه وظيفة محددة ، أو نطاق اختصاص لقاضٍ محدد بعينه – ( ص 201 )
ويضيف د/ العبادي : وبعد تشكيل وهندسة وصياغة هذا التصنيف ، غيّر الحويطات نظامهم الاستئنافي والقضائي ، فبدلاً من التقدم إلى كل قاض من هؤلاء التسعة ( ثلاثة من خشم تسعة ) - كما يقولون- فإن الدعوى أصبحت تستقر على قاضٍ واحد من كل فئة من الثلاثة ، بحيث ينظرها القاضي انابة عن اثنين من مجموعته " 1 " ( العبادي ، ص 310 ) كما يقول : ويستخدم اصطلاح : مناهي أيضاً لدى الكركية ( أهل الكرك ) وأهل الطفيلة ، والشوبك ، ووادي موسى ، ومعان ، للتعبير عن الوظيفة التشريعية ، ولكنه يحمل بعداً آخر عند هؤلاء ، لما في هذا البعد من تضمينات ادارية ، وسياسية وتشريعية ، أما فيما يتعلق بالبعد الإداري فإنه يضع قضاة التشريع " المناهي" ، في المستوى الأعلى للهرمية الإدارية ، أي السلطة الاستئنافية . أما من الناحية السياسية ، فيعتبر المنهى في مفهومهم هو : السلطة الفوقية التي لا تسأل عما تفعل ، وهي صاحبة الصلاحية المطلقة في اتخاذ القرارات السياسية النهائية ، أما النغمة التشريعية التي يحتويها هذا الاصطلاح فهي : ان القاضي ( سلطة عليا )، وصاحب الهيمنة التي بموجبها له أن يلغي أو يوقف أو يؤيد القرارات الصادرة عمن هم دونه من القضاة من حيث السلطة التشريعية العشائرية ، أو في المستويات السياسية الدنيا .
ان هذه القرائن لهذا الاصطلاح قد جاءت عند أهل جنوب الأردن في المدن والقرى المذكورة أعلاه ، لأن لديهم خبرة ومعرفة بالسلطة السياسية الحكومية من خلال الحقب التاريخية المتعاقبة ، حتى الوقت الحاضر . ( العبادي 238 ، 239 ) .
(1) أحمد عويدي العبّادي ، القضاء عند البدو ( نظام العشائر العرفي ودمجه التكاملي في اطار الدولة وسياستها من عام ( 1921 – 1982م ) ، أطروحة دكتوراة في الدراسات الاجتماعية ، جامعة كمبريدج البريطانية عام 1982م ، دار جرير للنشر ، الأردن ، 2006م .