رسالة جمال باشا الى الشيخ عودة ابو تايه
جريدة القبلة التي وثقت لنهضة العرب
يحفل العدد 130 من القبلة الصادر يوم الاثنين في 4 صفر الخير من سنة 1336 هـ /
الموافق ليوم 18 نوفمبر من عام 1917 م بمادة ممتازة حميمة لشيخ أردني أصيل
هو عودة أبو تايه ،
وتستحق أن تفرد لها حلقات ،
ففي افتتاحية « القبلة « وتحت
عنوان ( بين العرب والاتحاديين جمال باشا وبطل العقبة )
كتبت القبلة مادة يجب علينا ونحن ننشر هذه المادة في صحيفة أردنية تصل للقراء العرب أينما كانوا ،
وهذا نصها :
( قرأنا تحت هذا العنوان مقالة في المقطم الأغرّ تدل على أن جمال
باشا قد أفاق من سكرته وآب من صوابه ، وندم حيث لا ينفع الندم ، وأنه أرسل
كتابا لبعض مشايخ العربان القاطنين في الجهة الشمالية للحجاز يستميله إليه
ويستهويه ، فرد عليه ذلك الشيخ ردا بالغ الحجة بحروف من نار ، لا شك أنها قد
انقضت على رأس جمال باشا انقضاض الصواعق ، ونفذت كالسهم إلى أعماق
قلبه ، فعرفته من هم العرب ، وعلمته وإن لم تعد تنفعه خزعبلات حيله ولا
شعوذة خداعه ، ولا تجديه فتيلا أقواله الكاذبة ، ولا مواعيده الخلابة التي تسلط
بها على صغار النفوس وضعفاء القلوب ممن حوله ، وروجها له أنصار السوء
****************
وبطانة الشر الذين لا يحسبون في العير ولا في النفير ، ولذلك آثرنا نشرها برمتها
على صفحات جريدتنا هذه خدمة للقراء وها هي :
قال طلعت بك في أواخر سنة 1915 م لأحد الذين نصحوه بالتودد إلى العرب
والتظاهر باحترامهم والاهتمام بهم ،
« نحن لا نحترم إلا رماة القنابل وحملة الديناميت ، والعرب لا يستحقون احترامنا واهتمامنا لأنهم ليسوا من هؤلاء ولا
من أولئك ، والظاهر أن طلعت بك وأصحابه أدركوا خطأهم الآن ، وعدلوا رأيهم
في العرب بعدما رأوا من أعمالهم المجيدة في ساحات القتال و عزمهم على
الاستقلال وطرد الترك من بلادهم ، فإن جيوش الأمير فيصل وجيوش أخويه
الأمراء الكرام لا تدنو من مكان حتى يسبقها سكانه إلى محاربة الترك فيه
وطردهم منه كما جرى أخيرا في مدينة العقبة ، ويجري الآن في غيرها من البلاد
العربية ، فلما أدرك الاتحاديون أن الثورة تسبق دائما الجيوش الهاشمية بمراحل
عديدة ، وأن سبب قيام العرب في جميع البلاد التي لا تزال في قبضة يدهم لا
يتوقف إلا على وصول القنابل والديناميت إليها ، رأوا أن احترامهم للديناميت
يقضي عليهم بالاهتمام بالعرب ، وأن مفاوضتهم مع مشايخ القبائل حتى
الصغيرة منها ، لا يعد تنازلا كبيرا منهم ، فحاولا أن يستميلوا الزعماء ورؤساء
القبائل تارة بالوعد وتارة بالوعيد ، رغبة منهم في درء الخطر العظيم الذي
يهددهم في البلاد العربية .
وقد وقعت بيدنا رسالة من هذا القبيل أرسلها جمال باشا السفاح إلى أحد
مشايخ القبائل القاطنة في شمال العقبة قبل سقوط هذه المدينة بأسبوع واحد
في يد العرب ،
وهذا نص الرسالة وهي بخط الشيخ أسعد شقير ، وقد وقعها
جمال باشا بخط يده :
إلى الشيخ عودة أبو تايه ،
قد بلغني أنك تواطأت واتفقت مع الشريف ناصر وعاونت الأنذال وأنزلتهم في
بيتك ، ورحبت بهم ، وغرك ما بأيديهم ، الأمر الذي لا يصدر من رجل محب للإسلام
ولدينه وخليفته ، فإذا كنت فعلت ذلك عن جهل منك ، وأتيت إلي طالبا معتذرا ،
فإني أعفو عنك ، وإذا كنت فعلته لتقف على حقيقة مقصد هؤلاء الخونة أو
لتقبضعليهم خدمة للدولة الإسلامية ، فإني أكافئوك على عملك هذا ، وأجعلك
ممتازا بين مشايخ العرب والعشائر ، وقد استغربت جدا تأخرك عن الحضور إلى
مركز القيادة إلى الآن ، وكان الواجب عليك أن تحضر إليه في الحال ، وتخبرني عن
كل ما جرى مع أولئك الخونة ، وعدم حضورك إلى الآن جعلني أشك بصداقتك ،
لذلك يجب عليك أن تحضر إلي حين وصول كتابي هذا إليك ، لأعلم مبلغ
صداقتك وإخلاصك ، ويتضح لي أمرك ،
وهذا كتابي أمان لك والسلام قائد الجيش
الهمايوني الرابع وناظر البحرية أحمد جمال .
وتابعت « المقطم «
نشر رسالة عودة أبو تايه ، بتفاصيلها :
( .... فرد عليه شيخ قبيلة الحويطات بما يأتي :
من الشيخ عودة أبو تايه العربي وكيل القائد للجيوش العربية المنصورة إلى
أحمد جمال التركي قائد الفيلق الرابع
« أما بعد ، فقد قال االله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز « أذن للذين يقاتلون
بأنهم ظلموا وأن االله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق « الآية
, وقال نبينا العربي الهاشمي العدناني محمد صلى االله عليه وسلم « لا يلدغ
المؤمن من جحر مرتين « وأنتم أيها الأتراك قد حكمتمونا نحن معاشر العرب
الكرام حضريينا وبدويينا منذ نيف وأربع مئة وعشرين سنة ، ورضينا بحكمكم
كل هذه القرون حبا بجمع كلمة المسلمين ، غاضين الطرف عن أعمال أجدادكم
هولاكو وتيمور لنك وغيرها بأجدادنا الكرام وسفك دمائهم الطاهرة وهدم
بلدانهم وأشهرها بغداد دار السلام ومنبع العلم وواضعة الأساس المتين
لمدنية هذا العصر الذهبي . أما الآن وقد تبرأتم من الدين الإسلامي الذي تشرف
أجدادكم القاطنون وراء النهر باعتناقه بفضل أجدادنا العظام الفاتحين ، ودستم
تعاليمه وشرائعه كما هو ثابت بكتابكم القومي « قوم جديد « وبجميع أعمالكم
المنكرة وفظائعكم العديدة التي يأباها كل ذي ضمير حي ، فضلا عن المتدينين
، فقد صار قتالكم واجبا على كل عربي بل على كل مسلم تحت الشمس ، ثم
أنكم سعيتم في الأيام الأخيرة إلى إعادة تمثيل الرواية التي مثلها أجدادكم من
قبل ، بسفك دماء العرب الكرام رغبة في إحياء جامعتكم الجنكيزية على ما
تدعون ، فقتلتم وشنقتم أعظم رجالنا وخيرة شباننا ، واغتصبتم أملاكنا ونفيتم
عددا كبيرا من نسائنا وشيوخنا وأطفالنا ، وتركتم الباقين يتضورون جوعا
وليس لهم نصير ولا معين إلا االله عزّ شأنه .
وقد نكثتم العهود التي قطعتموها لأعظم رجالنا ، فاستدرجتموهم إلى الديوان
العرفي بأنواع الحيل والدسائس ، واتهمتموهم التهم الباطلة ، وقتلتموهم
ظلما وعدوانا ، فكل هذه الفظائع حملت جلالة ملكنا المعظم على طردكم من
بلادنا العربية رغبة في إنقاذنا من براثنكم القاتلة ، فقد قال االله عز وجل «
اقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم « وقال « لا ينهاكم االله
عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم
وتقسطوا إليهم إن االله يحب المقسطين إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم في
الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن تولهم
فأولئك هم الظالمون « , وخلاصة القول إننا مستعدون لحقن الدماء خدمة
للإنسانية بشرط أن تذهبوا بجنودكم وتجلوا عن بلادنا العربية وبلاد آبائنا
وأجدادنا ، ولا تهتموا بمصالحنا على غير هذا الشرط لأننا جربنا شروطكم
وعهودكم ومواثيقكم ، وقد قال عليه السلام « لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين «
ولا سيما الآن وقد صار لنا نحن العرب دولة مستقلة وملك عربي هاشمي عادل لا
غاية له إلا خدمة العرب وإعلاء شأنهم ، وقد اعترفت به جميع الدول المتمدنة
العظمى التي تحارب الآن لتحرير الشعوب المظلومة واستقلالها ، وأنا على ثقة
تامة بأن االله جلّ جلاله سينصرنا عليكم ويساعدنا على فتح بلا دنا المغتصبة
وإنقاذها من أيديكم ، فلا تهتموا بإنشاء الاستحكامات وإعداد المعدات الحربية ما
دامت النتيجة ظاهرة للعيان ، وما دمنا على حق في ما نطالبه فأكثروا بما
أرقتموه من الدماء البريئة وحافظوا على البقية الباقية من جنودكم ولا سيما
أنكم جربتم أنفسكم معنا نحن العرب وعرفتم أننا نحب الموت في سبيل
الاستقلال ، قدر ما تحبون الحياة ، فسلموا إلينا البلاد وارفقوا بالعباد ونحن أولى
بالدفاع عنها ، وابن النبي أحق منكم ومن صديقكم طلعت وأنور بالدفاع عن
المسلمين ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء
وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ) والسلام
على من اتبع الهدى وخشي عاقبة الردى . )
عودة أبو تايه
ولم تكتف الجريدة بنقل الرسائل المتبادلة ، ولكنها عقبت على كل هذا
بالتفصيل ، تقول : ( ولم يكتف هذا العربي الباسل بإثبات عرويته كتابة لجمال
باشا ، بل أثبتها فعلا فهجم على العقبة في اليوم التالي ، وحصر حاميتها
التركية إلى أن وصلت طلائع جيش الأمير فيصل بقيادة الشريف ناصر ، فسلمها
المدينة وانضم إليها بكل عشيرته ) انتهى اقتباس القبلة عن المقطم المصرية
( هذا ما جاء في المقطم ، وعليه ، فكل من تأمل فيما تضمنه جواب هذا الشيخ
البدوي الجليل
لقد قيل إن السيف يحمد ناره : إذا قيل إن السيف خير من العمى
إننا من قابلنا عظمة هذا الحس القومي الشريف بما ... كفانا به الشيخ عودة
مئونة ما ينبغي أن نجيب به « جمال « على رميه لنا بالخيانة بما أورده شيخنا
البدوي عودة ... وحسبنا هذا دليلا على رد ما يزعمون ، وبطلان ما يدعون ...! ) .
هذا ما كان من شيخ القبيلة الأردني الأبي عودة أبو تايه ، هكذا هي الجسارة
العربية والأنفة ،