الجزء الرابع :
..................
جاء حامد و رجب وقد ارتديا بدل العرس .. وقد كانت المهام موزعة بشكل دقيق قام سالم وخميس بإحضار إحدى وعشرون سيارة ملاكي وسيارتا نقل .
في حين كانت مهمة أبو سريع وسلامة وحسن تجهيز شادر العرس .
أما الذبائح فقد أشرف على ذبحها أبو عبدالله وكذلك إعداد الوليمة ...
وقد دار نقاش حول توزيع السيارات على الأخوين حيث قال حامد لأخيه : خذ يا رجب ثماني سيارات مع سيارتي النقل .
رجب : ولكن ثماني سيارات لا تكفي .
حامد : إن أهل عروسك يا رجب عددهم قليل يطلع مع كل سيارة رجل من طرفنا والباقي أهل عروسك ، وممكن نستفيد من سيارات النقل حيث يركب فيها ناس أيضاً .
رجب : تعلم يا حامد أن أهل عروستي لا يملكون سيارة على العكس من أهل عروستك الذين ما شاء الله يمتلك أغلبهم سيارات .
حامد : هل من المعقول يارجب أن يذهب الشيخ علوان بعدد قليل من السيارات ، على أي حال لاتحمل هماً إن أجرة السيارات سيكون من عندي .
رجب : لا بأس ياأخي كم الساعة التي تحب أن نلتقي فيها في مدخل المعادي ؟
حامد : الساعة السابعة مساءاً بإذن الله .
سالم : سأذهب مع رجب .
سلامة : أنا وخميس وأبو عبدالله وأبي وناصر أيضاً سنذهب مع رجب .
حسن : إذاً أنا والباقي نذهب مع حامد .
حامد : إذاً يجلس محمود وياسر في البيت مع بعض الأصدقاء إلى حين وصولنا .
اتجهت السيارات في اتجاهين الأولى إلى شارع الهرم ، والأخرى طريق صلاح سالم .. وعند المغادرة أطلقت السيارات أبواقاً فرحاً وإبتهاجاً وتعبيراً عن المناسبة .. وعمت الفرحة الجميع .
وفي بيت الشيخ سالم كانت الأنوار مضاءة والعمل على قدم وساق وأقبلت السيارات التي تحمل العروسين ورحب بهم الشيخ سالم وقد كان ذلك في الساعة الرابعة عصراً ، وكانت الألعاب النارية تطلق في الفضاء حين ترجل المحتفى بزفافهم من السيارة ، وكانت زغاريد النساء تتناهى إلى الأسماع ، ورفع الشيخ علوان صوته بالدعاء أن يديم الله الفرح على الجميع وعندها سأل أحد الحاضرين جاسر ابن عم العروس زينب : أهذا هو الشيخ علوان ؟
رد جاسر : نعم هو ..
رد قائلاً : إنها المرة الأولى التي أرى فيها الشيخ رغم أني سمعت عنه كثيراً .. و ماذا يعمل العريس أهو موظف ؟
رد جاسر : إنه مقاول مباني وإنشاءات وهو رجل ثري .
واخترق الجميع طفل واتجه صوب حامداً هامساً في أذنه يريدونك ياعم حامد أن تأتي معي إلى الداخل لكي تجلس مع العروس .
اتجه حيث تجمع النساء والفتيات والعروس قد بدت في ثوب الزفاف كالقمر المنير وحين رأت حامد انتابها الخجل وأطلقلت النساء الزغاريد لمجيء العريس ..
أخبر الشيخ علوان الجميع أنهم سيذهبون في الساعة السادسة لملاقاة رجب عند مدخل المعادي حيث أنهم على موعد الساعة السابعة ولكن جاسر أخبر الشيخ علوان أن الطريق لن يستغرق معهم سوى عشرون دقيقة ، لأنه تم فتح طريق جديد خارج المدينة متجهاً إلى حلوان مباشرة .
حسن : لقد جئنا من هذا الطريق وكان خالياً .
وفي الساعة السادسة والربع جهزت السيارات ، وركبت العروس زينب مع زوجها حامد في السيارة ، ورافقهما حسن وسعد وغادر الموكب المؤف من ثلاث وثلاثون سيارة وهم يزفون العروسين بالأبواق والطبول ..
وفي منزل راضي أبو سمراء ..
دخل الموكب العزبة التي يسكنها أبو سمراء الذي كان في استقبال ضيوفه ومعه ابناه فرج ورضا ، وابن عمه جابر ، وابن خاله مرزوق ..
تقدم رجب وخاله أبو سلامة وابنه سلامة وأبو عبدالله وأبو سريع وعابد ابن عمه وجميع من كان يرافقهم ، وخاطب أبو سمراء رجب في لهجة عتاب رقيق : هل هذا معقول يا رجب تحضر فقط ثماني سيارات وعربيتي نقل ، والمدعوين مثلما ترى عددهم كبير ..
أبو عبدالله : ولماذا لم تحضروا سيارات من طرفكم طالما أنكم تعرفون عدد المدعوين ..
أبو سمراء : وهل المائة جنيه تكفي العفش والسيارات ولما رأى عابد الموقف وقد بدأ فيه شيئاً من الحدة تجلت في نبرة أبو عبدالله ،
تدخل لتهدئة الوضع قائلاً : إن العبرة في المهر يا أبو سمراء ليس هذا ولا ذاك فنحن أهل و الكل يبذل يد العون ..
أبو سمراء : على قد لحافك مد رجليك .
أبو سلامة : يا أبا سمراء إننا في ليلة سعيدة لانريد أن نعكر صفوها نحن لم نطلب شيئاً دعهم يحملون العفش ، ولتجهز النساء لكي ننطلق ..
رجب : أين العروس ؟
أبو سمراء : إنها في الحقل لكي تحضر حشيش للبقرة .
أبو عبدالله : وهل هذا كلام يعقل العروس في يوم عرسها تحش برسيم ..
أبو سمراء : لما نحمل العفش تكون العروس قد تهيأت وتصحبكم .
عابد : أين العفش ؟ دعنا نخلص .
أبو سمراء : منصوب في الحوش .
أبو عبدالله : الله أكبر ولماذا منصوب ؟
أبو سمراء يرد في زهو : العفش طلع على السيارة مثل ما هو لكي تعرف الناس أني جهزت بنتي أحلى جهاز وهذا شرط أو كل واحد يذهب لحال سبيله ..
أبو عبدالله : إذن الجهاز حيوصل البيت خردة ..
ويرد سلامة وأبو سريع : موافقين والآن أين العروس ؟ سوف ننطلق ..
تهيأت العروس وارتدت ثوب العرس وحذاءاً بسيطاً ، ولكن وجهها كان به آثار من جراح ولما سألها رجب عن سببها أجابت بأن هذا من عيدان الذرة التي كانت تحشها للبقرة .
غادر الموكب وركب بعض الناس مع العفش وخرج الجميع وهم في حالة من الغضب الشديد ..
اجتمع الموكبان في مدخل المعادي وبينهما فرق كبير في الإعداد والعدة والعدد ، وعند وصول الموكب إلى البيت ألقى رجب عباءته على زوجته وكذلك فعل حامد .
ودلفت العروستان إلى الداخل حيث جميع النساء في انتظارهما في حين اتجه رجب وحامد إلى شادر العرس.
أخذت النسوة يجرين مقارنة في أنفسهن بين زينب وسمراء ، فزينب في أبهى حلة وقد اتخذت زينتها بتسريحة شعر تخلب الألباب ، في حين كانت العروس سمراء على النقيض تماماً ، وكيف لا وهي قد كانت في الحقل قبل العرس بساعة فها هو وجهها قد ملأته الجراح وفي قدمها حذاءاً عادياً وشعرها ترك على حاله دون عناية فما كان من بعض النسوة حين رأينها كذلك إلا أن يشفقن ويرثين لحالها فاصطحبنها إلى الداخل لعمل زينة لها ..
ثم أجلست بجوار زينب وبدأت الفتيات يصدحن بالأغاني التي تقال في هذه المناسبات والكل يهنئ ويبارك ، وكعادة المجالس النسائية لا تخلو من النميمة والقيل والقال إلا ما ندر فهاهن يتغامزن على سمراء ، ويتهامسن فيما بينهن فهذه تميل على تلك ، وتهمس في أذنيها .. يا حسرة على رجب حظه هباب مش كفاية الحالة النفسية اللي هو فيها .. فتجيبها الأخرى وكأنها كانت تنتظر هذه الملاحظة من رفيقتها : انظري إلى الفرق بينها وبين زينب .
كان الرجال في الخارج يحتفلون على طريقتهم يذبحون الذبائح ، ويعدون الولائم و يرقصون الدحية . و في تلك الأثناء لمح عبدالله بنات خالة سعد و هن ذاهبات في شأنهن و قال لسعد : هؤلاء بنات خالتك يا سعد هيا لنذهب إليهن لنرى ما شأنهن .
فبادرهن سعد بالسؤال : أين تذهبن ؟
أجابت إحداهن : لمنزل أبو عبدالله فأمي هناك ..
عبدالله : سأذهب معكم لأرتدي ملابسي الجديدة .
وفي المنزل ارتدى عبدالله ملابسه التي بدت جميلة عليه فرأته عبير ، وامتدحته في ملابسه وأناقته وعاتبته على أنه لم يرتديها قبل هذا الوقت .
عبدالله : حتى لا تتسخ من العمل في الشادر .
عبير : ما رأيك هل نستطيع أن نرجع سوياً للفرح ..
عبدالله : طبعاً ..
ومضى معها وهو فخور بإطرائها ومدحها لملابسه ..
وفي صبحية اليوم التالي ليوم العرس والذي يطلق عليه العامة ( يوم الصباحية )
جاءت أم عبدالله تحمل معها فطور العرسان يرافقها ابنها عبدالله فاتجهت إلى منزل أخيها الأكبر أولاً فرحبت بها أمها السيدة عائشة أجمل ترحيب ودعت لابنتها وحفيدها عبدالله بأن تكون العقبى له مثل خاليه ....
هنأت ليلى العرسان وانصرفت لزيارة أخيها حامد وتهنئته وتقديم طعام الإفطار لهم .
في حين بقي عبدالله في منزل جدته السيدة عائشة ..
رحب سعد بأخته أم عبدالله وسألها عن عبدالله فأجابته : إنه يمكث عند جدته ..
سلمت أم عبدالله على أهل العروس الذين كانوا هناك ورحبت بها أم فتحي وقالت لها وهي تشير إلى أفراد من أهلها : انظري يا أم عبدالله أهلي لم يكونوا يزوروني سوى في العيد وهم الآن جميعهم عندي .
أم عبدالله : وهل هناك أجمل من هذا العيد يوم زواج أخي حامد ، لكن أين العروس وأين حامد مالي لا أراهم؟
أم فتحي : سأبلغهم بحضورك .
أقبلت العروس وسلمت على أم عبدالله وأخبرتها بانتظار حامد لها في الداخل ..
ودخلت إلى أخيها وهنأته ودعت له بالذرية الصالحة وشكر حامد أخته على حضورها واهتمامها وإحضار طعام الإفطار وتابع قائلاً : زين إنك حضرت لكي أنزل الشارع .
أم عبدالله : أنت قلقان يا حامد ماذا بك ؟
حامد : لا شيء يا أم عبدالله أريد أروح عن نفسي بره خارج البيت .
أم عبدالله : زين يا أخي .
مرت الأيام ورجب وحامد سعيدان بزواجهما .
وبعد أسبوع عاد كل منهما إلى عمله .. وفي هذه الأثناء توطدت العلاقة بين حامد والسائق أحمد فقد رست على مكتب حامد العديد من المناقصات فكان يلجأ للسائق أحمد في مشاويره الخاصة وكذلك لسيارة النقل التي بحوزة أخيه وبعض السيارات الأخرى .
وذات مساء دخل حامد المكتب وسلم على فرج الفراش ، وسأله : حد سأل عني يا عم فرج ؟
فرج : جاء المعلم خضر قبل حوالي ربع ساعة وذكر أنه سيعود بعد ساعة .
حامد : هل أخبرك بوجود حاجة ضرورية ؟
فرج : لا لم يقل شيئاً .
وبعد قليل حضر السائق أحمد وبارك للمعلم حامد .
فرد حامد عليه السلام ثم قال لفرج : أحضر لنا الشاي والكشري ، وعندما أحضر لهم فرج الشاي ، علق أحمد السائق مداعباً فرج : كيف حالك يا راجل يا عجوز ؟
أحمد السائق : أنت يا معلم حامد أصبحت من كبار المقاولين والمظهر في هذه الحالة لأمر مكمل فلا بد لك من مجموعة من الملابس تظهر بمظهر يتناسب مع وضعك المالي لأنك محتاج إلى عدد من البدل والبنطلونات نقوم بخياطتهم لدى أحسن ترزي في المنطقة .
حامد : ومين أحسن ترزي في نظرك ؟.
أحمد : الأسطى مرزوق الإسكندراني لايوجد مثله في المنطقة .
حامد : نذهب بعد العصر سوق الأقمشة ثم نذهب إلى الترزي .
أحمد : إذن بعد المرور على موقع دجلة نروح السوق .
عاد حامد إلى منزله مع السائق الذي علق عليه قائلاً : قوام اشتقت لعروسك ؟!
وفي اليوم التالي ذهب أحمد السائق بحامد إلى السوق لشراء القماش واتجها إلى الترزي الذي كانت تجلس فيه فيفي .
أحمد السائق : السلام عليكم ياست فيفي .
فيفي : وعليكم السلام .. أهلاً وسهلاً ..
أحمد وهو يخاطب حامد قائلاً : هذه الست فيفي زوجة الأسطى مرزرق .
حامد : مرحباً يا ست فيفي أين الأسطى مرزوق ؟
فيفي : إنه يخلد للراحة قليلاً سأناديه لك ..
وبعد مغادرتها المكان لم يفت حامد أن يتغنى بجمال جسمها ونشاطها إلا أن أحمد السائق يعاجله قائلاً : اعمل معروف بلاش مغامرات دول متجوزين لهم ستة عشر سنة لكن ربنا مارزقهمش خلفة .
إلا أن حامد تابع بخبث قائلاً : يظهر إني هاجي أفصل كثير عند مرزوق ..
وفي تلك الأثناء دخل الأسطى مرزوق مرحباً : مرحبا يا أحمد مرحبا يا أخ حامد .
ثم تحدث أحمد السائق موجهاً حديثه للترزي وعرفه بحامد قائلاً : هذا المعلم حامد لكنه معلم بيك وليس معلم جلباب وهو ابن الشيخ علوان جاء لكي يفصل بدل وبناطيل عندك .
مرزوق : يحصل لنا الشرف بالمعرفة .
جاءت الست فيفي بأكواب الشاي ووضعتها على الطاولة وهي تقول : أهلاً وسهلاً بكم ، مختلسة النظر إلى حامد الذي كان يبادلها النظرات والإبتسامات ، إلا أن فطنة السائق لاحظت مايدور بينهما فأسرع بالحديث قائلاً : يا معلم مرزوق المعلم حامد عايز يفصل أربع بدل وستة بناطيل .
الأسطى مرزوق : البدلة بخمسة وعشرين جنيه والبنطلون بأربع جنيهات .
أحمد السائق : المعلم حامد أول مرة يفصل عندك لازم تكرمه .
حامد : الفلوس ليست مهمة لكن الأهم الصنعة .
الأسطى مرزوق : خليني آخذ المقاس ، خلاص المقاسات كدة تمام البروفة بعد أسبوع للبدل وتكون البناطيل خالصة .
ثم أعطى حامد المعلم مرزوق ثلاثين جنيهاً كدفعة أولى ( عربون ) قائلاً : هذه عربون ولا أوصيك على التفصيل .
كانت فيفي تراقب حامد وهو يخرج حافظة النقود ، وقد أثارها كثرة ما معه من النقود التي أخذت تتطلع إليها بذهول .
لم يغب عن عيني حامد هذا الذهول وهذا الإنبهار للسيدة فيفي بالمال فأدرك أي نوع من النساء هي وأين تكمن نقطة ضعفها وكيف هو الطريق إليها .. إنه المال بل حب المال ..
غادر حامد والسائق أحمد محل الخياطة وحين ابتعد سأل حامد السائق أحمد قائلاً : ما رأيك في فيفي ؟
أحمد : بخصوص ماذا في مساعدتها لمرزوق في المحل أم ماذا ؟
حامد : لا بخصوص جمالها وإندهاشها بالمال .
أحمد : الله يخليك أبعدني عن الحاجات دي أنا مش ناقص نكد .
حامد : برحتك خليني أنا فيها .. قالها وهو يترجل من السيارة عائداً إلى بيته .
مضى أسبوع على الحادثة أو لنقل على ذهاب حامد إلى الترزي مرزوق ، كان في هذه الأثناء قد تغير حاله وتبدلت أموره وأصبح يعود إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل حين يخلد جميع أفراد العائلة للنوم ، وقد انعكس هذا الوضع على علاقته بزوجته إذا أصبح دائم الشجار معها وفي اليوم المحدد لأخذ البروفة هذا اليوم الذي كان ينتظره حامد بفارغ الصبر اتجه بعد العصر مباشرة ليجد الست فيفي وقد أخذت مكانها في المحل حتى يأخذ الأسطى مرزوق حظه من الراحة بعد تناول وجبة الغداء .
حامد : السلام عليكم ياست فيفي يا ترى المعلم مرزوق خلص الشغل ؟
فيفي : وعليكم السلام .. البناطيل جاهزة والبدلة عمل لها سراجة لكن لازم يشوفها عليك .
وقامت من مقعدها مستأذنة لكي توقظ مرزوق فما كان من حامد إلا أن قال لها : لا خليه براحته أنا عايز أتكلم معاكي شوية .
فيفي بقلق : خير ..
رد حامد : منذ اليوم الذي رأيتك فيه يا ست فيفي وأنا لا يقر لي قرار ولا أعرف الهدوء .. لم أعد أرى عائلتي وزوجتي بدأت أكرهها .. ماذا فعلت بي لابد من حل لهذا الحال ..
فيفي : لست وحدك فأنا منذ رأيتك وأحسست أن شيئاً يشدني إليك .
حامد : يعني الحب متبادل بيننا .. يعني أقدر أطلب منك وأتجرأ على دعوتك للخروج معي .. لي صاحب شيخ يمتلك في دجلة شقة ممكن نتقابل فيها ..
ردت الست فيفي بحدة : أنا مش بتاعت كدة يا سي حامد قد أكون لا أطيق مرزوق ولكن هذا لا يعني أن أفرط في شرفي ..
حامد : أنت فهمتيني غلط خلاص نتقابل بعد المغرب على الكورنيش عندك مانع كمان .
فيفي : خذ البناطيل قبل مايقوم مرزوق وبكرة نتقابل ..
وبالفعل حضر حامد إلى المكان وفي الوقت المحدد ، ووجد أن فيفي قد سبقته إلى المكان فعلق حامد بفرح حين رآها قائلاً : أنا مش قلت لك أنا وأنتي خلقنا لبعض يا سلام على الحب ..
فيفي : بس نعمل إيه في مرزوق و كمان زوجتك العروس الجديدة أنا مابحبش شريك .
حامد : أدفع قرشين لمرزوق ويطلق .. لكن من ناحيتي أنا لايمكن أن أطلق زوجتي فهي ابنة خالي وأمي تسكن معنا في البيت ولا أقوى على زعلها .
فيفي : لم يعجبني هذا التبرير إللي أوله شرط آخره نور.
حامد : أنا موافق لكن أمهليني حتى أستطيع أجد حجة أقنع بها والدتي ..
فيفي : أنت دلوقتي حبي " الأول والأخير " .. وجذبت حامد إليها وقبلته ..
حامد : ما رأيك أن نذهب إلى شقة الشيخ مرجان صاحبي .
فيفي : يبدو أنك مصمم جداً .
حامد : هو في حد يشوف الجمال ده ولا يصمم وكمان تتعرفي على الشيخ مرجان .
فيفي : إذاً موعدنا بعد أربعة أيام .
حامد : لماذا بعد أربعة أيام بالتحديد ؟
فيفي : لأن المحروس جوزي هيروح الإسكندرية يزور عمه ..
حامد : خلال الأربعة أيام دول هكون على أحر من الجمر.
فيفي : استحمل يا حبيبي ..
اتجه حامد وفيفي في اليوم الذي اتفقا عليه إلى شقة الشيخ مرجان الساحر الذي كان لديه علم بمجيئهما ..
وعندما دق جرس الباب استقبلها الشيخ مرجان وهو يتمتم ممسكاً مبخرة بيده ورائحة البخور تملأ المكان في الشقة والدخان يكاد لا يرى منه .. فأدخلهما وهو يرحب بهما إلى الصالون إلا أن فيفي أصابها الرعب من تمتمة الشيخ و الدخان ورائحة البخور إذ أن الجو غريب وغادرهما الشيخ لإحضار مشروب لهما ..
فيفي : كم أنا خائفة يا حامد ثم عقبت ما هذا الأثاث الفاخر لابد أنه باهظ الثمن .
حامد : الشيخ مرجان يصاحب أناساً من أكابر البلد ..
وبعد أن تناولا واجب الضيافة عرضا على الشيخ حامد أمرهما وحين انتهى حامد من حديثه ، صرخ الشيخ مرجان قائلاً : لابد يا حامد أن تطلق زوجتك ولابد أن يطلقك زوجك يا ست فيفي ، وحين يصل كل منكم على الطلاق فإن شقتي تحت تصرفكم في أي وقت تشاءان ، ويوجد لدي غرفة بالداخل مجهزة بالفرش وجميع الكماليات وقد فرشتها أحسن فرش يمكنكما أن تريا الغرفة وتجلسان فيها لتعتادا على بعضكما .. ويوجد بيرة في الثلاجة وقارورة مستوردة جابها لي واحد خواجا من فرنسا .
فيفي : حامد أنا تحت أمرك من دلوقت .
حامد : لا أنا مش بحب يكون معنا في الشقة أحد .
الشيخ مرجان : غالي والطلب رخيص أنا غداً مسافر إلى فرنسا ويمكنك الإحتفاظ بمفتاح الشقة .
سعد حامد بذلك وشكر الشيخ .
وردت فيفي : نردها لك في الأفراح يا عم الشيخ الطيب نصير المحبين .
ودع حامد وفيفي الشيخ مرجان وإتفقا على اللقاء غداً بعد المغرب وخرجا .
دق جرس الهاتف في منزل الشيخ بعد خروجهما .
الشيخ : الو مين الأسطى أحمد ؟
أحمد : نعم أحمد .. ما أخبار المعلم حامد يا عم الشيخ ؟
الشيخ مرجان : أنا ريحتو على الآخر .. تفتكر يمول شغلنا ؟
أحمد : طبعاً لكن خلي الطبيخ يستوي والبنت دي بتحب الفلوس وممكن تهوسه وتخليه خل .
الشيخ مرجان : على العموم أنا مسافر بكرة الصبح تعال وصلني المطار ونكمل حديثنا في الطريق على فكرة سأغيب شهراً وهي مهلة لحامد .
أحمد :بإذن الله أكون عندك في الموعد وبشأن حامد خلال شهر يكون مستوي .
وفي منزل الشيخ علوان .. اختلق حامد مشكلة مع أخيه فتحي لتكون ذريعة له ليترك المنزل حيث أعد غرفة له في المكتب ليستقر فيها .. فما كان من زوجته إلا أن هربت إلى منزل أبيها ولم تمض ثلاثة شهور على زواجها من حامد .. كثرت اجتماعات حامد وفيفي وطلق زوجته وأرسل إليها ورقة الطلاق عن طريق الشرطة وفي هذه الأثناء عاد مرزوق من الإسكندرية ، واتجه حامد إلى محل مرزوق لكي يأخذ منه البدل .
حامد : السلام عليكم يا معلم مرزوق .
مرزوق : وعليكم السلام يامعلم حامد أين كنت طول هذه المدة .. غبت وقلت عِدّوا لي ..
رد حامد : لا بس مشاغل أعطيني البدل .
مرزوق : تفضل وكمان مكوية .
حامد : تفضل بقية حسابك .
مرزوق : شكراً دعنا نراك ثانية .
حامد : طبعاً لكن بالحق لم أرى الست فيفي هل هي مشغولة ؟
مرزوق : لا يا أخ حامد الست فيفي ذهبت لوالدها وقد طلبت الطلاق ولا أدري لماذا فقد تغير حالها ..
حامد : هل بينكم مشاكل لا سمح لله ؟
مرزوق : لا لكنه عناد ونشاف رأس .
حامد : المرأة إذا طلبت الطلاق فهذا يعني أنها بايعة الراجل ، ونصيحتي لك طلقها خيراً لك من المشاكل .
مرزوق : العشرة يا معلم وكذلك الشقة والدكان أيضاً بإسمها رغم إني أنشأته وأقمته بجهدي وتعبي .
حامد: إذا كان الأمر يتعلق بالمال فالأمر بسيط جداً فاطلب منها ألفي جنيه فإن قبلت فهذا يعني أنها بايعة وستدفع لك فوراً وكما باعتك بعها .
مرزوق : والله معك حق .
وفي هذه الأثناء دخل المحل شاب صغير السن قائلاً : أريدك يا عم مرزوق على إنفراد .
مرزوق : عن إذنك يا معلم حامد أشوف عماد عايز إيه .
حامد : تفضل يا معلم .
خرج مرزوق وهو يسأل الشاب بتعجب : ماذا هناك يا عماد ؟
عماد : هل ترى الرجل الذي يجلس عندك في المحل .. هو ذلك الرجل الذي رأيته مع خالتي فيفي على الكورنيش منذ إسبوعين .
مرزوق وقد أحس بالدوار : هل أنت متأكد يا عماد ؟
عماد : طبعاً يا مرزوق وقد سلمت عليها يدي بيدها وكان بجوارها .
مرزوق وهو يصرف الشاب بيده قائلاً : إذهب أنت الآن ..
ثم عاد إلى المحل وهو يجر قدميه جراً من هول الصدمة وتحامل على نفسه وخاطب حامد بلهجة حاول أن لا يبدو فيها التأثر قائلاً : لقد علمت أن فيفي تطلب الطلاق حتى تتجوز من رجل آخر .
حامد : من هو هذا الرجل ؟ ( قالها وقد أصابه القلق إلا أنه حاول أن لا يبدو عليه ذلك ) .
مرزوق : أنت يا حامد من غير زوجتي عليّ بعد عِشرة دامت ست عشرة سنة .. ( حسبي الله ونعم الوكيل .. حسبي الله ونعم الوكيل )
حامد ولقد امتقع لونه : وماذا في ذلك زوجتك لا تريدك العشرة ليس بالإرغام .
مرزوق : فعلاً من تعرفت عليه في الشارع فهو في الشارع والخائنة تبحث دائماً عن خائن مثلها ولكني لن أطلقها حتى تدفع لي ثمن الدكان ، ومنك ومنها لله ..
حامد : غداً بعد العصر يأتيك أحمد بالمبلغ وتذهب معنا لكي تطلق فيفي .
مرزوق : موافق على ماتقول وأود أن أخبرك أيضاً أنني أخذت شقة في الشارع العام بجوار العيادة الجديدة وسأنتقل إليها اليوم ولا أريد أن أرى وجه هذه الخائنة أبداً وسآخذ المكائن معي وسأنتظر أحمد في الموعد غداً بجوار الجامع .
سعد حامد بما توصل إليه مع مرزوق وقال بسعادة ظاهرة : وأنا في انتظارك ثم أخذ كيس أغراضه ومضى لحال سبيله .
وفي اليوم التالي صحب حامد أحمد وأبو سريع ، وذهبوا لملاقاة مرزوق أمام المسجد ، حيث وجدوا مرزوق بانتظارهم ، فاصطحبوا مرزوق إلى المأذون لإتمام الطلاق ..
وطرق أحمد باب المأذون الذي فتح له وهو يسأل خيراً يا بني .
أحمد : خير نريدك في طلاق عاجل يا عمنا الشيخ .
حامد : أحضر الدفتر وتفضل معنا إلى الخارج .
وبعد دقائق حضر المأذون وركب معهم السيارة وهو يقول ما هذا لم يمر علي موقف مثل هذا من قبل أكتب العقد في السيارة .
مرزوق : أين الفلوس يا حامد ؟ .
حامد : ها هي عدها ..
مرزوق : المبلغ غير كامل ينقصه خمسون جنيهاً .
أبو سريع : إنها أجرة المأذون أم تريدنا أ ن ندفع لك الأجرة أيضاً .
أخذ المأذون الأوراق الثبوتية اللازمة وكتب عقد الطلاق .. وعندها سأل حامد : متى نستلم الورقة يا عم الشيخ ؟
المأذون : غداً بعد صلاة العصر بإذن الله .
حامد : سيأتيك الأسطى أحمد لأخذ العقد .
الشيخ : حاضر والآن أوصلوني للبيت .
وبعد أن تم إيصال المأذون لمنزله وبينما هم في طريق العودة طلب منهم مرزوق أن ينزل في مكان ما ، وبعد أن غادر مرزوق عاتب أبو سريع حامد قائلاً له : لماذا تعطيه هذا المبلغ الكبير فالمشكلة بينه وبين زوجته يحلونها بأنفسهم أم أنني مخطئ يا أحمد .
أحمد : أصل إنت مش عارف الموضوع حامد عاوز يتجوز فيفي طليقة مرزوق .
أبو سريع : ولو لماذا يدفع الفلوس ، شوف بكرة بعد المغرب روح وقول له أنا مش هتجوز فيفي وعايز الفلوس وإن عصلج نقوم إحنا بالواجب ونجيب الواد الصاروخ معنا لما نيجي ويعرف شغله مع مرزوق ..
أحمد : والله فكرة وإنت أولى بالفلوس يا حامد .
حامد : موافق لكن من غير شوشرة وخليها بعد ما نأخذ ورقة الطلاق .
ذهب أحمد للمأذون واستلم ورقة الطلاق وذهب بها إلى حامد الذي كان ينتظره في المكتب وبرفقته أبو سريع والصاروخ فبادره حامد قائلاً : جبت الورقة ؟
أحمد يرد مؤكداً وهو يلوح بالورقة في وجه حامد : طبعاً ..
نظر حامد إلى الجميع قائلاً : هل أنتم جاهزون للذهاب إلى ذلك الرجل ..
رد الجميع بصوت واحد : جاهزون هيا بنا .
استلقوا السيارة جميعهم واتجهوا حيث المنزل الجديد الذي يقطنه مرزوق ، وأخذ أبو سريع يطرق الباب بشدة فخرج مرزوق إليهم والشرر يتطاير من عينيه : ماذا تريدون ثانية ؟
رد أبو سريع بشيء من العجرفة : تعال كلم المعلم ..
وحين خرج مرزوق إلى حيث يقف حامد عاجله حامد قائلاً : لم أعد أرغب في الزواج من فيفي وأنا الآن أريد نقودي كلها و يمكنك أن تتصالح مع زوجتك .
مرزوق : ولكن ذلك يتطلب عقد نكاح جديد .
حامد : هذا ليس بالأمر الصعب فقط أخبرها أنني لا أريدها وستجدها عادت إليك فوراً ، والآن إليّ بنقودي وجنب نفسك مشاكل لست كفؤاً لها .
فرد مرزوق بشيء من السذاجة ولربما البلاهة : وإذا رفضت العودة إليّ تكون النقود من نصيبي .
أجابه حامد وهو يعجب لهذا البلاهة : طبعاً طبعاً ستكون حتماً لك .
مرزوق وقد خاف أن يقع في فخ الخديعة : لن أرجع إليك النقود حتى أضمن رجوع فيفي إليّ .
فسأله حامد : هل الفلوس معك الآن .
رد مرزوق بصراحة متناهية : نعم هي في جيبي الآن ، وفي هذه اللحظة نادى حامد على الصاروخ ليدفع مرزوق داخل السيارة ، وانطلق الجميع إلى مكان خارج العمران فتساءل مرزوق بشيء من الذعر : إلى أين تأخذوني ؟
فأسكته الصاروخ بضربة قائلاً بحدة : إخرس ليس لك أن تسأل .
فرد مرزوق وقد خاف على نفسه : أهكذا تفعل بي يا حامد خذ هذه الفلوس ولا تعرضني للأذى وخذ فيفي فأنا نسيت واحدة إسمها فيفي ...
أخذ حامد النقود وهو يدفع مرزوق من السيارة قائلاً له : انزل .. انزل .. ولا تلتفت وراءك .
هرول مرزوق مبتعداً وهو لا يصدق أنه قد نجا من موت محقق والتفت أبو سريع بعد أن تابع بنظراته هرولة مرزوق وهو يقول : ألم أقل لك يا حامد أن نقودك سوف تعود إليك .
رد حامد مبتهجاً : مية في المية يا أبو سريع ، خذ هذه البريزة يا صاروخ حلال عليك والسهرة عندي للصبح وبكرة لا تذهب للشغل اليومية محسوبة .
شكر الصاروخ حامد على هذه البادرة قائلاً : من يد ما نعدمها يا معلم شكراً .
وفي المكتب أقيمت سهرة حتى الصباح تخللها العشاء وشرب الخمر حيث أرسل حامد السائق أحمد لإحضار الكباب والمشروب .. وشربواحتى الثمالة أعقبها الصاروخ وحامد بالنوم في حين غادر أبو سريع وأحمد المكتب ..
قص مرزوق ما حدث له لجاره الأستاذ أبو ياسر الذي أبدى تعاطفاً معه ولكنه ذكره قائلاً : يا أخ مرزوق إن حامد من عائلة كبيرة لها سمعتها الطيبة ولا أظن أن أهله سيقبلون بما أقدم عليه ، أبو سريع له ناس من كبار المنطقة فما رأيك لو نذهب ونشتكي لهم ولدهم ونعمل جلسة ونستدعي الشيخ علوان وكل واحد يأخذ حقه أما أحمد السائق فهو رجل غريب عن المنطقة ، دعنا فقط نتعامل مع حامد وأبو سريع ...
لم يمانع مرزوق في تنفيذ ما عرضه عليه أبو ياسر الذي اصطحبه بعد العصر إلى أبي جابر عم أبو سريع في مجلسه وقص عليه مرزوق القصة كاملة ، فرد أبي جابر قائلاً : سيكون لي حساب عسير مع ابن أخي ولكن هيا بنا نذهب للشيخ مرسي الفيومي فهو شيخنا منذ زمن وهو ينتظر زلة من الشيخ علوان .
وحين علم الشيخ مرسي الفيومي بما حدث فرح فرحاً كبيراً الآن الفرصة جاءته للشماتة من الشيخ علوان فما كان منه إلا إن أمر مصطفى بالذهاب إلى الشيخ علوان وأبو سلامة وأبو محمد ويبلغهم بانعقاد جلسة طلبة في مجلس الشيخ مرسي بعد المغرب وتخص هذه الجلسة ابنهم حامد .
عقدت الجلسة في موعدها الذي حدده الشيخ مرسي ولم يتخلف عنها أحد وبدأ الشيخ مرسي حديثه موجهاً حديثه للشيخ علوان قائلاً : هل تذكر حين أبديت لك رغبتي في مصاهرتك بزواج ابنك حامد من ابنتي قلت لي حينها بالحرف الواحد إحنا عرب ، وأنتم فلاحين وسخرت من رغبتي في تزويج زهرة أبنائك كما تسميه من ابنتي .. ها هو زهرة أبنائك اليوم يرغب في الزواج من فلاحة لا أصل لها حتى أنه طلقها من زواجها وسرق ماله ..
رد الشيخ وقد ضاق بهذا الحديث قائلاً : لا أريد معاتبة وتحدث سريعاً وإلا أذهب لشأني .
الشيخ مرسي : القصة يحكيها لك مرزوق كما حدثت .
مرزوق : يا عم الشيخ علوان لقد تعرفت على ابنك حامد حين جاء للخياطة في المحل ثم غرر بزوجتي فيفي التي طلبت الطلاق بإيعاز منه وذلك بعد عشرة ست عشرة سنة زواج وقد كان لي ذمتها ألفين جنيه تكفل حامد بإعادتها لي شريطة أن أوافق على الطلاق ، وبالفعل دفع إليّ المبلغ وطلقت زوجتي مقابل ذلك وانتهى الأمر إلا أنني فوجئت به في اليوم الثاني يطرق باب منزلي هو ومجموعة من الرجال أجبروني على اصطحابهم وتهديدي ، حتى دفعت لهم النقود التي أخذتها منه مقابل الطلاق أما الذين كانوا بصحبته فهم أبو سريع وأحمد السائق ورجل آخر أوسعني ضرباً لا أعرفه .
أجاب الشيخ الفيومي بعد سماع الحديث موجهاً حديثه للشيخ علوان : لابد أن يعيد ابنك المبلغ للرجل قبل العشاء .
رد أبو سلامة : أنا أتكفل بالعشاء .
الشيخ علوان : احضر لي يا مصطفى حامد وأبو سريع حالاً .
لم يجد مصطفى سوى أبو سريع الذي عاجله الشيخ علوان قائلاً : ماهي القصة يا أبو سريع .
أبو سريع : يا عم الشيخ هذا الراجل طلق زوجته ويريد من حامد أن يدفع له النقود التي له على زوجته .
الشيخ علوان : هذا يعني أن حامد لم يغرر بها ولا يرغب في الزواج بها ؟
أبو سريع : لا يا عم الشيخ .
رد مرزوق بقهر وغيظ : إنه كاذب كاذب يا ناس .
الشيخ مرسي : اصمت يا مرزوق سأتكلم نيابة عنك ووجه حديثه للشيخ علوان قائلاً : إذا كان أبو سريع صادقاً فإن ابنك بريء أما إذا ثبت عكس ذلك فأنت تضمن لنا سداد المبلغ .
الشيخ علوان : اشهدوا يا عرب إذا كان كلام مرزوق صحيح فأنا بريء من ابني حامد إلى يوم القيامة ولا أعرفه ونقود مرزوق عندي .. وباكر الرد بعد سؤال ولدي حامد ..
بحث إخوة حامد عن أخيهم وأبلغوه بطلب والده له وحين حضر مجلس والده وجد عنده أبو سلامة وأبو سريع وإخوته ، ومرزوق ، والأستاذ ياسر ، وبعد أن سلم حامد على الجميع سأله الشيخ علوان : هل أفسدت زوجة مرزوق وأخذت نقوده منه بالقوة جاوب ..
رد حامد بكل إستهزاء :هي لا تريده .. ولا تطيق رؤيته.
الشيخ علوان : إذاً أنت على دراية بكل ما يحصل بينها وبين زوجها وأنت السبب في ذلك .
رد حامد بدون مبالاة : نعم أحبها وأريد أن أتزوجها .
الشيخ علوان وقد ضاق صدره بكلام ولده : إخرس حبك برص يا ولد .
حامد :هذا ما لدي من القول ولن أتنازل عن حبي .
أبو سلامة : ونقود الرجل .. بل وفضيحتنا بين الناس .
حامد : هذه نقودي ولا تهمني الفضائح ولا كلام الناس .
أبو سلامة : ولكنك أعطيته النقود مقابل طلاق زوجته .
حامد : ثم استرجعت نقودي ثانية .
الشيخ علوان : رد الفلوس للرجل وموضوع الحرمة لنا فيه كلام ثاني .
حامد : الحرمة راح أتزوجها والفلوس لن أرجعها ويضرب رأسه في الحيط .
الشيخ علوان : إخرس ترفع صوتك في المجلس وأنا فيه خسارة .. كنت عادك أحسن أبنائي .
حامد : ليس هناك أي خسارة يمكنك أن تبحث لك عن ابن غيري وسوف أتزوج فيفي رضيتم أم لا .
أبو سلامة : أهكذا تتحدث مع والدك ؟ .
الشيخ علوان : اطلع برة لا إنت ابني ولا أعرفك من اليوم .. إنت بذرة فاسدة .. لا تدخل البيت ما دمت حي أرزق .
خرج حامد غاضباً ولم ينطق بكلمة واحدة ..
الشيخ علوان : إسمع يا مرزوق فلوسك عندي تعال خذها بعد إسبوع .
مرزوق لا والله لن آخذ الفلوس ولا أريد فيفي ، وأنت من اليوم أباً لي وأبناءك إخواتي .. أنا غريب في المنطقة وأنتم صرتم أهل لي .
أبو سلامة : بارك الله فيك .
الشيخ علوان : أنت من الآن مثل أبنائي شوف يا أبو سلامة معدن الناس .
وعندها همس رجب في أذن أخيه خميس قائلاً : لقد لعبت هذه المرأة بعقل أخينا حامد ..
أبو سلامة : ما الذي تنوي عمله فأنت الآن أصبحت واحداً منا وتهمنا مصلحتك .
مرزوق : الحمدلله لقد استأجرت منزلاً ومحلاً في نفس المنطقة وسوف أذهب إلى عمي في الإسكندرية لكي أخطب ابنته الأرملة فأعولها وأربي ابنتيها .. فقد تزوجت منذ ستة عشر عاماً ولم يرزقني الله ذرية .
الشيخ علوان : اللهم يجعلها لا تصر ولا تجر منك يا حامد ويرزقك يا مرزوق الخلفة الصالحة ويعطيك على قد نيتك الطيبة .
ولكن مرزوق تساءل بدهشة : ما معنى تصر وتجر؟ .
أجاب رجب وهو مبتسم : يعني لا تخلف ولا تربي من حامد .
واستأذن مرزوق وخرج ، وبعد خروج مرزوق وتشييع رجب له إلى الباب تحدث الشيخ علوان بغضب قائلاً : من هذا اليوم حامد ليس بابني وإني أشهدكم على ذلك ولن يدخل البيت لا هو ولا زوجته بوز القرد فيفي .
استأذن أبو سلامة وسلامة في الذهاب .
وخلا الشيخ علوان إلى زوجته فاطمة أم فتحي وطلب منها تجهيز الحمام وأخبرها بما فعله ولدها حيث سود وجوههم بين العرب وعشق فلاحة سيئة السمعة وسوف يتزوجها وستبيعه كما باعت زوجها من قبل .
ردت فاطمة حين سمعت حديث زوجها قائلة : أنا بريئة منه ومنها ولن يدخل منزلي ما دمت حية أرزق .
ثم سأل الشيخ علوان عن زوجة حامد السابقة وأخبارها ولماذا أختها هنا اليوم ردت فاطمة بأسى وحزن قائلة : حضرت لتخبرني أن زينب حامل في الشهر الأخير ..
الشيخ علوان : والله خسارة فيه هذه البنت الطيبة والطفل الذي سيرزقه الله به ولكن حكمة الله لا اعتراض عليها ، واتجه بعدها إلى الحمام .
خرجت عفاف إلى أمها بعد أن سمعت ما قاله أبوها عن أخيها حامد فقالت معاتبة أمها بلطف : هذا هو حامد الذي يقف حائلا ًفي وجه زواجي من ابن أبو سلامة سامحه الله .
الفصل الرابع
.....................
الجزء الأول :
.................
تزوج حامد من فيفي بعد انقضاء عدتها بيوم واحد و أقام معها في الشقة التي كانت تقيم فيها مع زوجها السابق مرزوق التي تقع في عمارة أخيها و لم تستبدل أو تغير شيئاً من فرشها رغم أن حامد أمهرها خمسة آلاف جنيه .
فيفي : أخاف أن يأخذك الحنين لزوجتك خاصة و أنها أنجبت لك .
حامد : سيكون عندنا بإذن الله عدد كبير من الأولاد و سوف أحضر لك بنتي التي أنجبتها زوجتي السابقة لتكون خادمة لك .
ردت فيفي و قد امتقع لونها : إن العيب من مرزوق هو الذي لا ينجب أما بالنسبة لابنتك فدعها لأمها و انسها ، و تابعت قولها الحمد لله ربنا رزقني بواحد جدع و ناولته الكأس قائلة : اشرب فأنا أريدك دائماً سكراناً بحبي .
أخذ حامد الكأس و هو يؤنبها قائلاً : لا أريد سيرة هذا الرجل في منزلي و تابع .. ما هذا ؟
فيفي : دواء للسعال يحتوي على مخدر قوي القارورة بخمسين قرش و قد أحضرت منه كرتوناً كاملاً .
حامد : وهل تشربين منه ؟
فيفي : نعم عندما أكون فرحة أو حزينة .
حامد بتعجب : يا بوي ده بيتشرب بالملعقة مش بالكاس.
فيفي : جربه يا حبيبي و سوف تطلبه على طول .
شرب حامد و بعد ساعة سألها عن قيمة الكرتون فأجابته بأنها بست جنيهات فقط .
فطلب منها حامد أن تشتري كرتوناً آخر لأن هذا المشروب يستحق أن يكون بعشر جنيهات لا ستة ، أجابت فيفي حامد إلى طلبه حتى أصبح مدمناً هذا الكحول مما جعله يبوح بأسرار عمله و محيط أسرته لزوجته فيفي تحت تأثير هذا المخدر ..
و في ذات يوم اتصل الشيخ مرجان بالبقالة المجاورة للسائق أحمد و طلب من صاحب المحل أن يبلغ السائق أحمد بالتوجه للمطار .. فبعث أبو أماني ابنه حمدي الذي ناداه و حين حضر سأله أحمد بقلق قائلاً خير يا أبو أماني .
البقال : لقد عاد الشيخ مرجان من السفر و هو الآن في المطار و يريد منك أن تذهب إليه لتوصله إلى المنزل .
أحمد السائق : شكراً يا أبو أماني و أنا ذاهب في الحال فإذا اتصل أخبره أني في الطريق إليه .
و في صالة الإنتظار سلم أحمد على الشيخ مرجان و حمل الحقائب إلى السيارة و حين استقر الأمر بهما في السيارة سأله الشيخ مرجان عن أخباره مع حامد .
رد أحمد قائلاً : أخباري جيدة أما حامد فقد تزوج من فيفي وترك أهله من أجلها و لا يرى أمامه سوى فيفي .
رد الشيخ مرجان بابتهاج : رائع أحضره معك غداً لأن معي خارطة لموقعين في دجلة و الفيوم و نود أن يمول لنا العمليتين فهما غير مضمونتين و أنت تعرفني لا أحب أن أصرف قرشاً و احداً في عملية غير مضمونة .
رد أحمد بحماس : غداً يكون بين يديك و يوافق على طلبك ثم أدخل أحمد الحقائب مع الشيخ مرجان إلى المنزل و استأذنه في المغادرة لكي يترك له فرصة للراحة ، و ذكره الشيخ مرجان بالموعد المتفق عليه غداً .
و لم يخلف أحمد موعده فقد حضر في ذات الوقت و هو يصطحب حامد حيث رحب به الشيخ مرجان أجمل ترحيب و هنأه على زواجه من فيفي ..
شكر حامد الشيخ مرجان على هذه المباركة و على فضله الكبير في إتمام هذا الزواج .
و بعد سيل من المجاملات أطلع الشيخ مرجان حامد على كتاب يحوي خارطة فتناوله حامد و هو يقول بدهشة : ما هذا كتاب قديم و يحوي خارطة أيضاً !!
الشيخ مرجان : إن هذا الذي تراه يا حامد مواقع لكنز موجود في دجلة و الفيوم . إلا أنه مرصود من الجن وهذه ليست مشكلة فأنت تعرف أني أحضر الجن و أشوف متطلباتهم .
إلا أن تكلفة هذا العمل هي ما يعيقني فالحفر و العمال و الأكل و الشرب و مصاريف الجن من بخور و خلافه كل هذا يحتاج إلى مال .
فهم حامد مقصد الشيخ مرجان فسأله على الفور : و ما الفائدة التي أجنيها من وراء ذلك ؟
الشيخ : نصيبك في العملية الثلث و نصيبي مثله . أما الثلث الأخير فسيعطى لأناس غيرنا .
حامد : و لكن الثلث قليل .
تدخل أحمد السائق موجهاً حديثه لحامد قائلاً : الثلث يجعلك ملكاً من عملية واحدة .
رد حامد بالموافقة .
بدأ الشيخ مرجان في تحضير الجن و أصيب حامد بالرعب من هذا الجو المليء بالأصوات المخيفة .
الشيخ مرجان : الفيوم فيها جدار قديم في أرض زراعية تحفر تحت الجدار أربعة أمتار تجد بوابة ولازم تأخذ معاك عجل أسود عشان تذبحه عند المدخل و عند سيلان الدم ينفتح الكنز و تدهن كامل الباب النحاس بالدم ثم ينفتح الباب فتجد سرداب لمغارة فيها الكنز ، ولكن يشترط أن يكون العمال معروفين ، يمكنك أن تتفق مع العمال و تتجه غداً للفيوم .
رد أحمد موضحاً : يوجد لدي أربعة عمال كلهم ثقة ثلاثة إخوة و الرابع ابن عم لهم ، نستطيع أن نحاسبهم في اليوم خمسة وعشرون جنيه أما الأكل و الشرب و المسكن فهو علينا .
الشيخ مرجان : مصاريف الجن ألفين جنيه .
رد حامد بالموافقة فحدد الشيخ الساعة الخامسة من يوم غد موعداً للسفر .
استقر المقام بالشيخ مرجان و حامد و السائق أحمد في الفيوم و اتجهوا إلى موضع الحفر عند الجدار القديم .
اقترح حامد عليهم أن يهدم الجدار لما فيه من خطر على العمال .
إلا أن الشيخ مرجان أجاب قائلاً : لا بل نحفر تحته و يكون لنا دروه من عيون الناس .
و بعد أن اطلعوا على الموقع انصرف أحمد لكي يوصل الشيخ مرجان إلى مكانه و صحبهم حامد لكي يوصي أبو سريع على عمله في المكتب ، ليتمكنوا من صرف المستخلص مبكراً .
أحمد : بس بشرط ننام هنا الليلة عدا الشيخ .
الشيخ مرجان : كم يأخذ معك الحفر يا معلم حامد ؟ .
حامد : نوزع العمل عاملان على الحفر والآخران على الرفع عمق أربعة متر و عرض إثنين في إثنين يعني ما يقارب الأسبوع يا شيخ مرجان .
الشيخ مرجان : نحن اليوم السبت أي معنى حديثك إنه يوم الجمعة سيظهر الباب و ننهي عملنا يوم السبت و لابد أن أكون حاضر وقتها ..
رد أحمد : لاشك حضورك ضروري فنحن لا نعرف شيئاً من دونك .
غادر حامد المكان و هو يقول الساعة الآن الحادية عشر لابد من الذهاب حتى نستطيع إحضار العمال قبل المغرب .
أحمد : توكلنا على الله .. بس إيه رأيك في الفيوم يا حامد مش بلد جميلة .
حامد : جمال رائع الخضرة في كل مكان بيقولوا كانت زمان كلها جزر .
الشيخ مرجان : نعم كانت كلها جزر و كان يسكنها الفراعنة و عزيز مصر و سيدنا يوسف و موسى عليهم و على نبينا السلام .
أحمد : حمداً لله على السلامة يا عم الشيخ .
الشيخ : مع السلامة ، تودي العمال اليوم عشان يكون الحفر مع الفجر .
أحمد : أكيد يا شيخ مرجان .
وعندما وصل حامد بيته أخرج مبلغ ثلاثة مائة جنيه و ناولهم لأحمد و قال هذا مصروف العمال .
رد أحمد متسائلاً : و أنت ؟
أجاب حامد : التاكسي يأخذ أربعة أنفار ، و بالنسبة لي سأحضر في الأتوبيس غداً و أشرف على الشغل و أرجو أن تهتم بالحفر لحين ما أحضر .
أحمد : بإذن الله نكون هناك قبل المغرب مع السلامة .
الجزء الثاني :
.................
في يوم الأحد تم عقد قران عفاف ابنة الشيخ علوان على زياد ابن أبو سلامة عصراً و كان حفل الزفاف مساء نفس اليوم ، و حينما علم حامد بذلك انتابه حزن و قهر شديد إذ أنه لم يكن يرغب أن تتزوج عفاف من زياد كما أنه حرم من حضور هذا الزفاف لأن والده طرده من المنزل . إلا أنه هرب من حزنه بالذهاب إلى الفيوم حيث وصلها قبل المغرب واتجه حيث موقع العمل .
حامد : السلام عليكم أوصيكم بالهمة يا رجال .
رد العمال و أحمد الترحيب بالمعلم حامد .
أحمد : لقد كنا هنا ليلة الأمس إلا أن الأرض صخرية .
حامد : اطلب من أحد العمال تنظيف إحدى الغرف بالداخل لمبيت العمال و نذهب أنا وأنت للمبيت في فندق و نحضر للعمال كل طلباتهم .
أحمد : يمكنكم أن ترتاحوا الآن و غداً نبدأ من الفجر.
العمال : حاضر يا معلم .
حامد : لابد من البحث عن فندق الآن .
أحمد : لا داعي للفندق فلنبت مع العمال .
حامد : دعنا بعيدين فهذا أفضل لنا ، اذهب الآن و أحضر طعام لنا و للعمال ، أخبرني هل دفعت لصاحبة البيت المهجور نقوداً ؟
أحمد : لقد دفعت لها خمسين جنيهاً و أخبرتها أننا سنستأجر المنزل لمدة شهرين و لم تكن مصدقة ما أقول.
حامد : و هل ارتاب في أمركم أحد أو سألكم عمـا تفعلون ؟
أحمد : أحدهم سألنا فأخبرناه أننا مستأجرين جدد للمنزل و نرغب في عمل خزان له .
حامد : هذا مكان غير آهل و لا أحد يستطيع المجيء هنا و لكن الحرص واجب .
و بدأ العمل يتواصل و في اليوم الرابع للعمل الذي كان يوافق يوم الخميس الصبح ذهب حامد للقاهرة لصرف المستخلص .
إلا أنه في نفس اليوم الساعة الثانية عشر ليلاً دق أحمد باب حامد على عجلة و حين سأله حامد : لماذا تركت العمال ؟
أجاب أحمد و هو فزع : لقد حلت علينا مصيبة .
حامد : ماذا حدث ؟ قل بسرعة .
أحمد : اكتشفنا الباب و نزل اثنان من الإخوة العمال و معهم ابن عمهم فماتوا جميعاً و لم يبق إلا الأخ الثالث و لقد علم أهلهم بالأمر و هم الآن يريدون قتلي .
حامد : عليك الآن أن تختفي تماماً .
ذهب أهل العمال إلى أخ أحمد و اصطحبوه معهم إلى حامد الذي سأله من هؤلاء الذين معك ؟
أجابوا : نحن أهل و أقارب العمال الذين ماتوا عندك و هم ينقبون لك عن الآثار .
حامد : هذا قضاء و قدر ثم من الذي أخبركم بأننا ننقب عن آثار و أنا لم أتفق مع أحد على شيء .. و هل اتفقت معك يا ابراهيم ؟
رد ابراهيم الوحيد الذي نجا من الحادث : لا إنه أحمد من اتفق معنا .
حامد : و أنتم تعرفون أنكم تعملون في شيء خطر ألم تسألوا أنفسكم لماذا أجرة الواحد منكم خمسة و عشرون جنيه و ليست ثلاث جنيهات أي أنها عشرة أضعاف الأجرة لكن فوق هذا أنا أستطيع أن أدفع خمسمائة جنيه لأسرة كل متوفى .
سأل ابراهيم و والده بصوت واحد : و أحمد أين ذهب ؟
حامد : ربما هرب لليبيا عن طريق الصحراء .
أبو ابراهيم : اعطنا النقود أما أحمد فلن نتركه أبداً .
حامد : و حتى تتخلصوا من المساءلة يمكنكم القول أن أبناءكم كانوا يعملون عمال تراحيل و بأنكم لا تعلمون أين يعملون ولا عند من .
ابراهيم : ليس هناك حل سوى أن نقول ذلك .
و بهذا يكون حامد قد خسر أكثر من خمسة آلاف جنيه و لم يجن إلا الخوف و القلق .. ولم يصبر حيث اتجه على الفور إلى الشيخ مرجان و أطلعه على ما حصل .
فأخبره الشيخ أن ما حدث كان بسبب طمع العمال في الكنز و أن الجن قاموا بهدم الجدار عليهم .. لذا كان لابد من حضوره و أن يذبح العجل على الباب و يدهن الباب بالدم مع البخور والتعاويذ .
حامد : و هل هذا كلام يعقل لقد كان الجدار آيلاً للسقوط و قد ذكرت ذلك لك من قبل .
الشيخ مرجان : لننس هذا الأمر الآن و دعنا نفكر في كنز وادي دجلة فهو كنز عظيم .
حامد : ليس الآن فأنا لم أفق بعد من صدمة الفيوم .
تابع حامد عمله في المقاولات لمدة ثلاثة أعوام مرت به خلالها أحداث مؤلمة حيث توفيت أخته الكبرى مريم ثم توفي بعدها بعامين أبو عبد الله و بعد مرور هذه السنوات و في خضم تلك الأحداث ظهر أحمد السائق من جديد و اتجه إلى مكتب حامد الذي رحب به كثيراً و سأله أين كان طوال تلك المدة و طلب منه أن يحكي له ما مر به في تلك الفترة .
و أخذ أحمد يسرد القصة لحامد ..
لقد ذهبت إلى الأردن و عملت هناك هرباً من الذين يبحثون عني و العربية منذ الآن تحت تصرفك فقد هدأت الأمور و الحمد لله .. و لكن ما أخبار الشيخ مرجان .
حامد : أراه من فترة لأخرى إلا أنني لم أكمل معه العمل بعد حادثة الفيوم .
أحمد : و ماذا فعل في كنز دجلة ؟
رد حامد و هو يحتسي شراب السعال .. لا جديد زي ما هو .
أحمد بدهشة : إيه اللي بتشربه ده .
حامد : دواء سعال به مخدر بدلاً من الويسكي .
أحمد : و ما أخبار فيفي معك هي أنجبت ؟ و هل رأيت ابنتك ؟
رد حامد : فيفي بخير ، و لكن يبدو أنني عقيم يا أحمد ..
أحمد و هل هذا معقول ، لقد رزقك الله بطفلة و لكن يبدو أن فيفي هي التي لا تنجب لقد بقيت مع مرزوق ستة عشر عاماً دون أن تنجب .
حامد : لقد ذهبت فيفي إلى الطبيب و أخبرها أن لا موانع لديها للحمل .
أحمد : ألا تعلم أن مرزوق تزوج من ابنة عمه الأرملة و أنجب منها .
حامد : قل ما تشاء فيفي ستنجب ..
أحمد : و ابنتك لماذا لم ترها حتى الآن أهذا كلام يا رجل؟
حامد : ليس لدي بنات فيفي هي أهلي و أبنائي و عشيرتي .
و عندما وجد أحمد أنه لا جدوى في إقناع حامد بعقم فيفي غير الحديث قائلاً : و ما أخبار أبو سريع و عملك ؟ ، و أخبار أبو سلامة و سلامة و الشيخ علوان؟
و هل اصطلحت الأمور بينكم ؟
حامد: أبو سريع كما هو يعمل معي أما سلامة و أبو سلامة فأنا أذهب لزيارتهم كل مدة ولكن ليس زيارات دائمة كالسابق ، أما والدي فلم أذهب لزيارته منذ زواجي من فيفي و شغلي تمام والحمد لله .
أحمد : اعمل حاجة تنفعك للزمن فالزمن غدار .
حامد : صحيح أن فيفي مطالبها و مصروفاتها كثيرة و لكن الواحد في عز شبابه والفلوس بالكوم .
أحمد اسمع نصيحة أخيك الأكبر احرص على مالك و اشتر لك عقار للزمن فالمقاولات لا أمان لها .
حامد : دعنا من حديث الهم والغم و سوف نسهر سوياً حتى الصباح .
أحمد : لا بأس يا عم حامد .
و استمر بهم السمر حتى الصباح يشاركهم هذه السهرة أبو سريع ...
الجزء الثالث :
.................
و في تلك الأثناء اشتد المرض على الشيخ علوان و اهتم أبناؤه به حيث أحضروا له أربعة أطباء في تخصصات مختلفة و حين جلس بين أبنائه رأى اللهفة و الخوف في أعينهم .
رجب : الحمد لله على السلامة يا أبي ما تشوف شر أبداً.
الشيخ علوان : و الله يا بني أحس أن أجلي اقترب .
خميس : أبعد الله عنك الشر يا أبي و أطال عمرك ، و لكن أخبرنا أيها الطبيب مالذي يشكو منه الوالد فهو لايستطيع الجلوس أبداً .
الطبيب : الحمد لله جهاز التنفس لديه جيد و سليم و لكن لابد من نقله للمستشفى لعمل التحاليل للدم والبول و عمل رسم للقلب في أسرع وقت .
رجب : رسم للقلب ؟ هل من الممكن أخذه في سيارة ثم العودة به للبيت ثانية ؟
الطبيب : إذاً لابد من حضور ممرض لأخذ عينات للتحاليل و يعطيه المغذي .
خميس : بجوارنا ممرضة يمكن الإستعانة بها .
الطبيب : عال يمكنكم أخذه غداً لعمل رسم للقلب و من ثم تتابع الممرضة الأمر في المنزل ، وسأكتب لكم وصفة ..
رجب : ورجله يا دكتور تعباه قوي .
الطبيب : احتمال ارتفاع في حمض البوليك فوق المعدل مما يسبب له الألم و عموماً سوف يتضح ذلك من التحاليل .
قام رجب بتوصيل الأطباء بعد كتابة الوصفة الطبية و التحاليل و المحاليل اللازمة .
رجب : حأبلغ حامد يا أبي .
الشيخ علوان : حامد لن يدخل البيت ، فقد كنت أحسبه زهرة يا أبنائي تفوح عطراً لكل من حولها و لكنه للأسف هو زهرة أنبتت حنظلاً تقتل من يمسك بها .
دخلت السيدة عائشة تصاحبها فاطمة إلى حيث يرقد الشيخ .
السيدة عائشة : ألف سلامة عليك يا أبا رجب ألف لا بأس عليك .
فاطمة : أعمل لك فرخة مسلوقة والله راح تبقى عال .
الشيخ علوان : ليس لي شهية للأكل و أوصيكم إذا مت أن لا يدخل حامد هذا البيت .
عائشة : العمر الطويل لك يا شيخ .
الشيخ : آه يا عائشة .. العمر مضى بلمح البصر أتذكرين حين خطبتك عام 1928 م و كان عمرك تسع سنوات ، و كان عمري يومها اثنين و ثلاثون عاماً ، و نحن الآن في عام 1982 م أصبح عمرك ستين سنة ، و عمري يفوق الخامسة و الثمانين عاماً الحمد لله هل سنأخذ زماننا وزمن غيرنا ؟
عائشة : الحمد لله على الصحة والعافية .
دخل حسن و معه الممرضة و كذلك حضر خميس و معه الدواء و المحاليل .
فاستأذنتهم الممرضة في أن يتركوا الشيخ يرتاح و بدأت تمد خراطيم المحاليل و تدخل إبر المحاليل في ساعد الشيخ .
ثم طلبت منهم أن يجهزوا لها غرفة تكون مقراً لها كما طلبت بوتوجاز صغير لكي تغلي فيه الإبر و تعقمها .
حسن : حاضر يا سستر بعد ساعة سوف يكون كل شيء جاهز .
الممرضة : لا بد أن يحضر أحدكم غداً صباحاً لكي يذهب بالعينات للتحليل في المختبر .
رجب : حسناً سيذهب بها غداً أخي سعد و كل شيء تحتاجينه اطلبيه منه فهو موجود بالمنزل .
الممرضة : الساعة التاسعة صباحاً موعد أخذ العينات ، و لابد أن يكون طعام الشيخ مسلوقاً .. مثل شوربة خضار .. شوربة دجاج .. و لا يأكل الخبز لأن معدته حالياً لا تحتمل .
و في اليوم التالي ذهب سعد بالعينات إلى المختبر ووعده الطبيب أن يحضر في المساء لأخذ النتيجة أما باقي النتائج فهي بعد أسبوع .
حضر الطبيب في مساء هذا اليوم و رأى رسم القلب و نتائج التحاليل .
رجب : خير يا دكتور .
الطبيب : لديه ارتخاء في عضلة القلب و الشريان التاجي ضعيف كما لديه ارتفاع في حمض البوليك .. لابد من نقله للمستشفى .
الشيخ علوان : لم و لن أذهب للمستشفى أريد أن أموت في بيتي .
رضخ الطبيب لرغبة الشيخ و أوصى الممرضة ببعض الأمور ، ثم وعدهم بالمرور على الشيخ بعد انتهاء دوام العيادة الخاصة .
بتوالي الأيام تدهورت صحة الشيخ علوان و لما أحس بدنو أجله جمع زوجاته و أبنائه و أخذ يوصيهم فما كان من حسن إلا أن سأل والده : هل أحضر حامد ؟
الشيخ علوان : قلت لكم إن قلبي غاضب عليه إلى يوم القيامة فهو المر الوحيد الذي تجرعته في حياتي ..
و انتهت حياة الشيخ علوان بهذه الكلمات و لم يحضر حامد الدفن و لا العزاء .
الجزء الرابع :
................
مر عام على وفاة الشيخ علوان و فجأة ذهبت فيفي لأم عبدالله عجبت أم عبدالله من هذه الزيارة وقالت مرحبة : أهلاً أليس غريب أن تأتي لزيارتنا و نحن لم نرك أبداً ؟
فيفي : لقد جن ولدكم حامد فهو يدعي أني أخذت منه خمسة و ثمانين ألف جنيه فلقد تدمر عقله من هذا الذي يشربه .
أم عبدالله : إنتي السبب في ذلك يا فيفي .
فيفي : و هل أنا التي تسقيه هذا المدعوق ؟
عبدالله يتساءل : أين خالي لم أره منذ زمن بعيد ؟ .
فيفي بكل استهتار : لقد تركته مرمياً عند محطة الأتوبيس .
فلما سمع عبدالله هذا الحديث هرع مسرعاً مع صديقه ياسر إلى حيث خاله فوجده في حالة يرثى لها من الإعياء و السكر فحمله معه إلى البيت .
فلما رأى حامد فيفي في منزل أخته قال لها
بغضب : أين الفلوس يا فيفي إنها أجرة عمال لو لم يتسلموها فإن الشركة لن تعطيني أي عمل بعد ذلك و سوف توقف كل المستخلصات الأخرى .
فيفي : فلوس إيه يا رجل .. ألم أقل إنه جن ؟
حامد : لقد صرفت المستخلص أول إمبارح و هو خمسة وثمانون ألف جنيه و تناولت الشاي ثم خلدت إلى النوم و بقيت نائماً حتى عصر اليوم التالي و قمت فلم أجد الفلوس .
فيفي : يمكنكم أن تأتوا لتفتيش منزلي .. لقد شت عقله .
عبدالله : يظهر يا أماه أن خالي مريض فعلاً .
أم عبدالله : منذ أن عرف هذه المرأة و أحواله قد تغيرت.
فيفي : لابد أن يطلقني فهو قد يقتلني في أي وقت .
أم عبدالله محاولة تهدئة الوضع : الأمور لم تصل إلى هذه الدرجة .
خلد حامد للنوم من شدة التعب على كرسي في الصالة فخرجت فيفي بحجة أنها ستحضر دواء من الصيدلية .
و لكنها أحضرت معها عند عودتها قارورتين من دواء السعال .
فسألتها أم عبدالله : ما هذا الدواء يا فيفي ؟ .
ردت فيفي : لابد أن أسقيه هذا السم حتى يسكت عني فأيقظته و أعطته الدواء قارورة تلو الأخرى فهدأ حامد
و اصطحبته فيفي إلى المنزل و مضى معها كحمل وديع بعد أن كان كالوحش الكاسر .
أم عبدالله و هي تنظر إليهما بأسى : ماذا فعلت هذه المرأة بأخي ؟
عبدالله : غداً كل شيء يظهر و نعرف كل شيء .
الفصل الخامس و الأخير
……
الجزء الأول :
................
عام 1985 م أخذت حالة حامد تتأزم و تشتد يوماً إثر يوم فأهمل عمله و لم يعد يذهب إلى الشركة فكثرت عليه الديون وباع جميع معداته بعد أن ظل يركض وراء وهم صنعه له الشيخ مرجان ، لكن بعد أن ألقي القبض على مرجان ، وبحوزته مجموعة من الآثار القيمة اقتنع حامد بالوهم فكرر في وادي دجلة نفس الأمر الذي كان في الفيوم حيث تم العثور على السرداب الذي يؤدي إلى باب صخري فاضطر العمال لتفجيره بالديناميت و كانوا بالداخل و مات منهم خمسة عمال وختمت قصة اللهاث وراء الوهم .
أما فيفي فقد بدأت مظاهر الثراء و النعيم تبدو عليها حيث قامت بشراء عشرة أفدنه من أجود الأراضي الزراعية في المنصورة وحين سألتها أم عبد الله من أين لها ثمن الأرض أجابت بأنها الوريثة الوحيدة لعم لها ثري لم ينجب , في الوقت الذي كان فيه حامد يهيم في الشوارع و الأزقة لا يدري عن شيء .
و في ذات يوم اصطحبت فيفي حامد و ذهبت به إلى منزل السيدة فاطمة التي بادرته قائلة حين رأته : حامد ألم يوص والدك بأن لا تدخل هذا المنزل أبداً أنت وهذه المرأة التي معك ؟ .
حامد : أريد نصيبي من ميراث أبي و هذه المرأة زوجتي لها مثل ما لي من الحقوق و من حقها أن تعيش في هذا المنزل بل و تصبح سيدته .
السيدة فاطمة : هذه امرأة تزوجتها من الشارع لن تدخل هذا البيت و لن يكون لها أي اعتبار في أي منزل من منازل إخوتك .
حامد : إنها أشرف من عرفت و رغماً عنكم ستصبح سيدة المنزل .
فيفي : ليس هكذا يا حامد هذه أمك و لها حق عليك أما حقك فتأخذه عن طريق المحكمة .
السيدة فاطمة : أهذه آخرة الأمور أبناء الشيخ علوان يتقابلون في المحاكم .
حامد : حقي سوف آخذه حتى لو اضطررت لإلقائك في الشارع .
السيدة فاطمة وقد أصابها كلام ابنها بالصدمة والغضب : اخرس يا كلب .. هل بلغت بك الوقاحة والجرأة أن تهين أمك من أجل امرأة كهذه .
فما كان من حامد إلا أن قام بجر أمه من شعرها خارج المنزل و هددها بمسدس يحمله مذكراً إياها أن فيفي سيدتها و أنها هي الخادمة .
حدث هذا كله أمام جمع من الناس و الجيران الذين لم يروا طوال حياتهم السيدة فاطمة إلا من وراء نقاب .
تدخل أحد الجيران و سحب حامد من يده موبخاً و قال : عيب عليك هذه أمك .
أما السيدة فاطمة فقد دخلت المنزل ، و أغلقت الباب وراءها و هي تكاد تقتل نفسها من شدة النحيب غير مصدقة ما حصل من ابنها حامد .
حضر حسن من العمل و قد علم بما حدث في أثناء عودته فدخل على أمه و هو يقول : ماذا حصل من حامد لابد أن أؤدبه و ألقنه درساً لن ينساه .
السيدة فاطمة : لا يا بني بلاش تفرج الناس على أولاد الشيخ علوان كفاية فضايح .
ولكن حسن لم يتحمل منظر والدته فذهب إلى حامد فأخبره الجيران بأنه سافر إلى بلد زوجته .
أما فاطمة فقد أصابتها إغماءة و نقلت على إثرها للمستشفى حيث تعرضت لنزيف في الدماخ إثر غضبها وحزنها الشديد ففارقت الحياة و لم يحضر حامد دفن والدته ولا حتى عزاءها .
تشرد حامد في الشوراع وزاد عن ذي قبل و مع هذا فقد كانت فيفي تزور أم عبدالله بين آونة و أخرى .. إلا أنها في زيارتها الأخيرة طلبت من أم عبدالله أن تكون واسطة خير بين حامد و إخوته في مسألة الميراث .
قبلت أم عبدالله و كلمت إخوتها الذين لم يمانعوا.
و ثُمن المنزل و أعطي لحامد نصيبه من الميراث مالاً وليس عقاراً .
أما المنزل فقد قسمه الإخوة بينهم .
عاد حسن ورجب إلى بلدة أبيهم ( العريش ) بعد أن باع كل واحد منهم نصيبه في البيت ثم تبعهما سعد وخميس و سالم و تركوا المكان لحامد وفضائحه ..
و في إحدى زيارات سعد لأخته أم عبدالله ذهب هو و عبدالله إلى السوق و فوجئ عبدالله بسعد يسأله : يا عبدالله أليست هذه زوجة خالك حامد و من هذا الذي يمسك بيدها ؟
عبدالله : نعم هي ولكن من هذا الذي معها ؟ .
و حين أحست بهم فيفي حاولت أن تواري وجهها و مضت مسرعة هي و الشخص الذي يصحبها.
طلب سعد من عبدالله أن يركضا وراءهما و يعرفان سرهما .
عبدالله : دعك منهم .
سعد : لابد أن أخبر حامد بهذا .
عبدالله : خالي لا يدري شيئاً من أمره لا أراه إلا و هو يمسك بزجاجة دواء السعال .
في أحد الأيام ذهب حامد إلى أبو سلامة فحاول أبو سلامة أن يقنع حامد بتطليق هذه المرأة فهي عار عليه أيد سلامة رأي والده في أمر طلاق فيفي إلا أن حامد رد ببلاهة لا يحسد عليها : أنام فين و مين يعمل لي الأكل يا أبو سلامة ؟
أبو سلامة : ليست مشكلة يمكنك أن تجيء عندي في المجلس .
جلس حامد عند أبو سلامة لمدة عشرة أيام إلا أنه لم يحتمل فراق فيفي فعاد إليها ثانية .
أصبحت حال حامد مزرية حتى أن الناس أصبحوا يشفقون عليه و يتصدقون عليه بالمال و ازداد ولعاً بالشرب فأصبحت الخرائب هي مأواه و الأماكن المهجورة من عمارات تحت الإنشاء .
و في هذه الأثناء بدأت الشبهات تحوم حول فيفي و بدأت سمعتها السيئة تظهر ، و أجبر أبو سلامة و سلامة و أبو سريع و أحمد السائق أن يطلقها ، حتى استجاب لهم و فرحوا جميعاً بذلك .
و لكن حامد تشرد أكثر من ذي قبل حتى عطف عليه أحد المقاولين ، و اشترى له بابور و إبريق لكي يعد عليه الشاي للعمال و يأخذ أجرة إلا أنه أنفق هذه الأجرة في الشرب ليلاً .
أصبح حامد عبرة لمن يعتبر و كلما مر عليه أحد أصابه الحزن عليه .. كيف لا و هو ابن عز ونعمة ولكن هذا جزاء من يعق والديه ولا يعرف حقهما .
الجزء الثاني :
................
توالت الأعوام ونحن الآن في عام 1994 م و هاهي هند ابنة حامد تبلغ السادسة عشر من عمرها و قد تزوجت من ابن خالها ، و تقرر الذهاب لزيارة أعمامها في العريش لتعرف زوجها بأهلها .
و قد بدأت بزيارة أكبرهم و هو رجب الذي فوجئ بهما ذات يوم يطرقان الباب عليه و فتح رجب الباب قائلاً : من أنتما ؟
هند : أنا يا عماه هند ابنة أخيك حامد وهذا زوجي سليمان ابن خالي .
رجب : لقد عرفت ذلك من شدة شبهك بوالدك حين كان في نفس عمرك .
ثم أدخلهما مرحباً بهما ترحيباً حاراً ، و سلمت هند على زوجة عمها سمراء و على أبنائه بعد تعريف رجب لها بأبنائه و زوجته .
و أمر رجب ابن أخيه بالذهاب لإحضار والده و أعمامه لكي يسلموا على هند و زوجها و التعرف عليهما .
و جاء الإخوة على الفور ورحبوا بها و بزوجها ترحيباً حاراً أشعرها بحبهم لها .
خميس : كيف حالك يا هند و ما هي أخبار جدك وأمك ؟
هند : بخير والحمد لله يا عم خميس .
حسن : لقد قمت بزيارتكم يوماً و لم أجدك حينها في البيت .
هند : كنت في المدرسة حينها وكم حزنت في تلك الليلة لعدم مقابلتي لك .
سعد : و في أي صف تدرسين ؟
هند : حالياً في المرحلة الثانوية و أدرس دراسة منزلية.
رجب : عظيم لكن هل زرت والدك يا ابنتي ؟
هند : لا .. أنا لم أره في حياتي كلها .. ولا أريد أن أراه .
رجب : المسامح كريم وهو الآن في حالة سيئة ، وبحاجة لمن يسأل عنه ، و أرجو من الأستاذ سليمان أن يقنعك بهذا .
هند : أنا أتيت لزيارتكم فقط و ليس لزيارة والدي ، و لكني عاتبة عليكم لعدم سؤالكم عني و أنا صغيرة و تركتم أمر تربيتي لأخوالي .
خميس : إنها مشاغل الحياة يا ابنتي كما أن علاقة والدك بجدك وقفت حاجزاً بيننا ، وكذلك خوف أمك عليك من أبيك .
وجلست هند وزوجها معهم حتى اليوم التالي ، واستأذنتهم في الذهاب لمنزلها على أمل أن تذهب لزيارة أبيها يوماً ما وودعت أعمامها و زوجاتهم و أولادهم .
وقام علوان ابن عمها رجب بتوصيلهما إلى محطة الأتوبيس .
علوان : بإذن الله سوف أزوركم عن قريب في القاهرة .
سليمان : تشرف في أي وقت .
هند : مرحباً بك يا ابن عمي ، و عندها وصل الأتوبيس وركبت مع زوجها و أشارت لعلوان بأن يأتي لزيارتهم كما وعد .
الجزء الثالث :
..................
عام 1995 م حضر سعد كعادته لزيارة أخته و ابنها عبدالله .
ورحبت به ليلى ترحيباً حاراً وكذلك عبدالله و سألت قائلة : هل جاءتكم ابنة حامد في العريش ؟ .
سعد : نعم أتت إلينا هي و زوجها سليمان .
أم عبدالله : وكيف حالها ، و هل سألت عن حامد ؟
سعد : إنها بخير .. و لقد وعدت بزيارته و أخذت عنوان أبو سلامة وعنوانكم .. لكن هل رأيت خالك حامد عن قريب يا عبدالله ؟
عبدالله : لا منذ عدة شهور لم أر خالي لكن رأيت فيفي مع الرجل الذي رأيناه من قبل في السوق و قد تزوجت منه .
سعد : اللعوب تأخذ أخي لحم و ترمي به عظم .
عبدالله : هذا أفضل لنا و لخالي ، وغداً سوف ترمي بمن أخذت وهكذا ستبقى طوال حياتها ..
ذهب عبدالله وخاله سعد إلى السوق فقابلا عمر صديق عبدالله و أخبرهما أن حامد قد مات بجوار محطة الأتوبيس و هرعا سوياً إلى المحطة ، فوجدا حامد جثة هامدة و الشرطة بجواره .
ثم حضرت سيارة الإسعاف و نقلت جثة حامد إلى المستشفى لإنهاء الإجراءات اللازمة .
استلم سعد الجثة و ذهبا بها لمنزل أبو سلامة لحين حضور إخوته ، وحضر الجميع و أقاموا العزاء و قبل خروج الجثة لمثواها الأخير فوجئ الجميع بحضور هند ابنة حامد يصحبها زوجها سليمان .
رجب : من أخبركما بموت حامد ؟ .
هند : و هل أبي قد مات ، لقد جئت للسلام عليه.
وقد حزنت هندً شديداً .
عبدالله : البقاء لله .. ادعي له بالرحمة وتحلي بالصبر .
أبو سريع : سبحان الله عندما أتت ابنته لكي تراه تجده جثة هامدة .. له في ذلك حكم .
و انتهت حياة حامد و لم ير ابنته الوحيدة و لكن أمر الله قد كان .
تمت بحمد الله ،
المؤلف : منصور علي سليمان أبو مريفة .
ت/ 0123002198
E-mail :
[email protected]
المراجعة اللغوية : د / شريفة سلامه عوده .