المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار في حضرة القمر


صوت الحجاز
14-11-06, 03:57 AM
في ليلة ٍ مقمرة ، وعلى رصيف ٍ متوحد في الإنفراد ، ظل يمشي بعيدا ً حتى طرف المدينة ، وكأن الزمن يتأرجح به كل فينة وفينة ، والدنيا في عينيه أنشودة من ألم ، وهو كالجبل العنيد ، الذي لم يعد يهتم لأي شيء ، حتى لأصوات الكلاب المتاخمة للطريق الذي يسلكه ، ظلت الأفكار تدور في رأسه ، وهو لايدري ما نهاية هذا كله ، ثم خطرت على باله فكرة غريبة ، فحواها أن يحاور نفسه ، بصوت ٍ مسموع ، فكان هذا الحوار ..

ــ من أنت ؟
ــ رجل ٌ أحب وكره ، وكره وأحب .

ــ ما هي هوايتك المفضلة ؟
ــ أن أمشي وحيدا في كل أتجاه ، إلى آخر الحياه .

ــ ما هو طموحك ؟
ــ أن أُنفى من نفسي ، أمام عيون الناس ، وأن أبكي على ذنبي بصادق الإحساس .

ــ من هو الرجل في عينيك ؟
ــ هو المرء الذي يستطيع التأقلم مع كل حالة ، لا يندثر مع الماضي ، ولا يتهاوى في حضن المستقبل الغامض ، ولا يعيش بواقعية همها الأول والأخير، الخلاص من اللحظة .

يبتسم للحظة ثم يقول ــ من الذي علمك الفلسفة ؟
ــ حُبها الذي يغمرني وأكرهه ، يجتاحني فأنكره ، يحضني فأرفضه .

ــ من الذي مزق نياط قلبك ؟
ــ طفلة ٌ مشردة مسكينة ، مرت أمام عيني ، وقد سألتني نقودا لشراء خبزٍ لها ، ولأمها المريضة ، فمددت يدي إلى جيبي ، ومع الأسف لم أجد ريالاً واحدا ً ، فقلت لها : يعطيني ويعطيك الله ، فنظرت بطرف عينها المكسورة وقالت :
أغنى الله الناس به ، وافتقر الناس بغيره ، وقدَّر علينا فله الحمد ، وابتلانا فله الحمد ، فكنت ُ به راجية شاكية ، يا رجلا ً أفقر من شقية ، وأغنى من غنية ، رزقنا الله وأياك ، بدار ٍ ليس فيها شقية تنحب ، أو بائسٌ يتعب .

سكت لحظة ً، بعد أن باغتته عبرة ٌ، لم تكن في الحسبان ، وقد هزته رعشة نسمةٍ باردة ، صاحبت الهزيع الأخير من الليل ثم عاد فأكمل حواره ..

ــ ماهي الأيام ؟
ــ هي ساعات ٌ تمر علينا ، فينقضي بها الأمس ، ونعيش بها اللحظة ، ونحلم من خلالها بالمستقبل .

ــ وما هو الموت ؟
ــ هو ذلك الشيء الذي أبكى ناسا ً نسوه وجهِلوه ، كدَّر عيشهم ، وأهلك أنسهم ، به عبرة ٌ وعظة ، وبه شقاء وتذكرة ، هو القادم القريب ، ما مضى منك من يوم فهو له ُ مُقرِّب ، وما أتى من يوم ٍ فهو له أقرب ، أضحك ناسا ً عملوا للحظته ، فأبكتهم الخطايا ، وأشغلتهم عبادتهم عن الرزايا ، أنِسوا بما بعده ، فما همهم ما قبله ، فدنى وهم مطمئنين ، طمعوا بما عند ربهم ، فما أسعدهم وهم يحتضرون ، لا إله إلا لله ، رب ٌ جمع بكلمه ، وفرَّق بكلمة ، وبين كل كلمة وكلمة ، يقال في سود الليالي الموت نعمة .

ــ وما الهوى ؟
ــ هو هوان ٌ في هوان ، ودموع ٌ وارتهان ، تبكي إذا غاب ، ويحترق إذا غابت ، تشتعل في جوفها إذا حدّث مرأة ً غيرها ، ويبكي هجرها أذا كانت بوصله لا ترغب ، أما أغنى عن هذا الشقاء ، غض ُ بصر ٍ في الطرقات ، وعدم الركض وراء الملذات ، وكأننا لم نسمع بقتيل الهوى ، وجريحة الأيام ، ولكأن قلوبنا تُلقى برضانا إلى النار بكل استسلام .

عند هذه الكلمة توقف ، ونظر يمنة ً ويسرة ، فوجد أنه قد خرج عن حدود مدينته ، في أرض ٍ مُقفرة موحشة ، قد خيل إليه فيها ، أن نجوم الليل بشعاعها الضاوي ، قد رمته بنظراتها شاكرة ، وأن حفيف الأعشاب ، قد طرب لما قد قال ، فأخذ يتمتم مهللا ً ومكبرا ، فأقفل عائدا ً إلى مدينته ، راضيا ً قانعا ً بسمره ، الذي كان تحت ضوء القمر .
__________________
>> صـــــــ الحجازـــــــوت <<

عايد ربيع الحويطي
14-11-06, 09:15 AM
صوت الحجاز
قلم رائع
نعتز بوجوده هنا

ابن الفخر
15-11-06, 05:37 PM
صوت الحجاز اشكرك على هذا الكلام
الجميل النابع من قلب رجل جميل
لك تحياتي وتقديري واحترامي

الشهاب
15-11-06, 05:53 PM
صوت الحجاز

والله انك حقا صوت الحجاز



لك منى تحيات

ريتاج
17-11-06, 12:54 AM
كلام رائع واحساس صادق
تسلللللللللللللللم
لك تحياتي
صوت الحجاز

صوت الحجاز
10-12-06, 01:57 AM
سادة التميز
انا سعيد لوجودي بينكم
لكم كل الود و الحب

صوت الحجاز
28-01-07, 08:27 PM
اشكركم ايها الاكارم على حسن المرور

صوت الحجاز
05-05-10, 03:46 AM
اشكر حضوركم الذي اضاء جمود صفحتي ووحدتها