الأجودية
09-09-07, 03:24 PM
((( مقتطفات اخترتها من أزهار الشر لبودلير أتمنى أن تنال استحسانكم )))
دعوة إلى السفر
------------------------------------------------
L'INVITATION AU VOYGE
بنيتي شقيقتي تأملي ما أحلى الذهاب
إلى هناك لنعيش معاً
نحب على مهل نحب ونموت
في البلد الذي يشبهك
فشموس السموات المبتلة الغائمة
هي روحي هذا السحر الغامض لعينيك الغادرتين
المتلألئتين من خلال الدموع
فكل شيء هناك سيكون
نظاماً وجمالاً وترفاً وهدوءاً ومتعة
فالأثاث اللامع الذي صقلته السنون
سيزين غرفتنا
وأندر الأزهار سيختلط عبيرها بالعنبر
والسقوف المزخرفة والمرايا العميقة والترف الشرقي
كل ذلك سيكلم النفس سراً
بحلاوة لغة موطنها
كل شيء هناك سيكون نظاماً وجمالاً
وترفاً وسكينة ومتعة
انظري إلى السفن الغافية فوق القنوات
كيف تأتي من آخر الدنيا
لتروي ظمأ أتفه رغباتك
والشموس الغاربة تكسو الحقول
والقنوات والمدينة بكاملها
بالذهب والياقوت
ويغفو العالم في النور الدافئ
كل شيء هناك سيكون نظاماً وجمالاً
وترفاً وسكينة ومتعة.
محادثة
------------------------------------------------
CAUSERIE
أيتها السماء الخريفية الجميلة الصافية الوردية
إن الحزن في نفسي يتصاعد كمدّ البحر
ويترك عند انحساره على شفتيّ المرّتين
ذكرى مُحرقة لطعم وحله المرّ
عبثاً تنزلق يدك على صدري المبتهج
فما تبحث عنه يا صديقي هو مكان خرب
دمره ظفر وناب امرأة متوحشة
فلا تبحثي عن قلبي : لقد التهمته الوحوش
قلبي عبثت به الغوغاء
فيه يسكرون ويتذابحون
يأخذ بعضهم بنواصي بعض
في حين يطوف حول عنقك العاري عبير منعش
أيتها الحسناء ـ يا مصيبة قاسية على النفوس
هذه هي إرادتك
وبعينيك الناريتين المضيئتين كالأعياد
أحرقي هذه المِزَق التي عفّت عنها الوحوش
نشيد خريفي
------------------------------------------------
CHANT D'AUTOMNE
سنغوص قريباً في الظلمات الباردة
فوداعاً يا تلألؤ أضواء أيام الصيف القصيرة
إني لأسمع من الآن سقوط الحطب على البلاط
كأنه إيقاع أنغام جنائزية
سيتغلغل الشتاء كله في كياني
غضب, حقد, هول, اشغال شاقة
وكالشمس في جحيمها القطبي
سيكون قلبي كتلة حمراء من جليد
صوت كل حطبة تسقط يشعرني بقشعريرة
وصدى بناء المشنقة لن يكون أقوى
فكري يشبه البرج الذي ينهار
تحت ضربات قرون تيس هائل لا يعرف التعب
يخيل لي وهذا القرع الرتيب يهدهدني
أنهم يغلقون مسرعين بالمسامير نعشاً في مكان ما لمن ؟
بالأمس كان الصيف واليوم جاء الخريف
هذه الضجة الخفية تدق كأجراس الرحيل.
أحب في عينيك الواسعتين أيتها الجميلة هذا النور المخضوضر
لكن كل شيء في فمي مرّ المذاق
لا شيء ! لا حبّك ولا غرفتك لا موقدك
كلها لا تساوي في نظري
الشمس المتلألئة على البحر
ورغم ذلك أحبيني يا ذات القلب الحنون
كوني لي أماً على الرغم من خبثي وعقوقي
وسواء كنت عشيقة أم شقيقة
كوني الحلاوة السريعة الزوال
لخريف مجيد وشمس غاربة
المهمة قصيرة الامد فالقبر ينتظرني شَرِهاً
آه دعيني ألقي بجبهتي على ركبتيك
إلى سيدة خلاسية
------------------------------------------------
A UNE DAME CREOLE
في بلد معطر الأجواء تداعبه الشمس
تعرفت تحت قبة من الأشجارالأرجوانية والنخيل
الذي يتساقط منه الكسل فوق العيون
على سيدة خلاسية مجهول المفاتن
لونها شاحب دافئ تلك السمراء الساحرة
وعلى جيدها يبدو تكلف مترفع
هيفاء فارعة القوام تخطر كقناصة
في عينيها اطمئنان وفي ابتسامتها هدوء
لو أنك سيدتي تذهبين إلى بلاد المجد العريق
على ضفاف السين أو اللوار الأخضر
لكنت جديرة أن تكوني زينة القصور القديمة
وفي الخلوات الظليلة ستكونين
الوحي الذي ينبت في قلوب الشعراء آلاف القصائد
وعيناك الواسعتان ستجعلان منهم
أتباعاً أكثر خضوعاً من عبيدك السود
الشبح
------------------------------------------------
LE REVENANT
كالملائكة ذات العيون الوحشية
سأعود إلى مخدعك
وأتسلل إليك بغير جلبة مع ظلام الليل
وسأمنحك يا سمرائي
قبلاً باردة كالقمر
ومداعبات أفعوان يسعى حول وكره
وعندما يعود الصباح الكئيب
ستجدين مكاني فارغاً وسيستمر بارداً حتى المساء
وكما يحب بعضهم أن يسيطروا
بالحب على حياتك وشبابك
أنا أريد أن أسيطر بالرعب
نشيد الخريف
------------------------------------------------
SONNET D'AUTOMNE
عيناك الصافيتان كالكريستال تقولان لي
أيها العاشق الغريب الأطوار
ما هي مزيتي في نظرك ؟
كوني فاتنة والزمي الصمت
فقلبي الذي يثيره كل شيء
ما خلا براءة الوحش القديم
لا يود إطلاعك على سرّه الجهنمي
ولا على أسطورته السوداء المكتوبة باللهب
أيتها المرأة التي تدعوني يداها المهدهدتان للنوم
إني أكره الوجد ويوجعني الفكر
دعينا نتحاب في هدوء
فالحب في كوخه المظلم الآمن
يوتر قوسه المشؤومة
وأنا عليم بذخائر مسالحه القديمة
إنها الجريمة والعرب والجنون ـ يا زهرتي الشاحبة
ألست مثلي شمساً خريفية
يا لؤلؤتي التي لا أبرد ولا أشدّ منها بياضاً
البوم
------------------------------------------------
LES HIBOUX
تحت الأشجار السود تجثم طيور البوم
مختبئات في صفوف منتظمة
شاخصات بعيونهن الحُمر
كأنها آلهة غريبة. إنهن يتأملن
وبلا حراك يمكثن حتى الساعة الكئيبة
التي يوطد فيها الظلام سيطرته
طارداً أشعة الشمس المنحرفة
موقفهنّ هذا يعلم الحكيم أن يخشى
في هذا العالم
الحركة والزحام
فالإنسان الذي يسكره خيال عابر
يحمل معه دائماً عقابه
الذي يكمن في إرادة تغيير مكانه
الغليون
------------------------------------------------
LA PIPE
أنا غليون لأحد الكتّاب
فمن يتأمل سحنتي الحبشية
يدرك أن صاحبي مُكثرٌ من التدخين
فعندما يغمره الألم
يطلق الدخان كمدخنة كوخ
يُعَدّ في مطبخه الطعام
انتظاراً لعودة صاحبه الفلاح
إنب أعانق وأهدهد روحه
في شبكة من الدخان الأزرق
الذي يطلقه فمي الملتهب
وأصنع بلسماً قوياً يسحر قلبه
ويشفي فكره من التعب
الموسيقا
------------------------------------------------
LA MUSIQUE
غالياً ما تحملني الموسيقا كما يحملني موج البحر
نحو نجمي الشاحب
وتحت سقف من الضباب أو في أثير واسع
أبحر
فأتسلق متن الأمواج المتراكمة التي يحجبها عني الليل
وصدري إلى الأمام ورئتاي منفوختان
كأنهما من قماش
إني لأشعر في داخلي بكل انفعالات
مركب مشرف على الغرق
وأشعر بالريح المواتية وبالعاصفة واختلاجاتها
تهدهدني فوق اللجة المترامية
وأحياناً أخرى أسمعها هادئة ملساء
كأنها مرآة يأسي الكبيرة
الميت الفَرِحْ
------------------------------------------------
LE MORT JOYEUX
في أرضٍ خصبة مملوءة بالحلزون
أريد أن أحفر بنفسي حفرة عميقة
أدفن فيها على مهلٍ عظامي البالية
وأنام في النسيان كما ينام الحوت في أعماق البحار
إني أكره الوصايا وأمقت القبور
وأفضل وأنا بعد حيّ أن أدعو الغربان
لتمتص الدم من أطراف هيكلي القذر
على أن أستجدي دمعة من دموع البشر
أيتها الديدان السوداء
يا رافقاً لا يرون ولا يسمعون
انظروا إلى هذا الميت الفرِح الآتي إليكم بحرّية
يا فلاسفة يحبون الحياة ويا أبناء العفونة
أوغلوا في هيكلي دون ندم وقولوا لي
إن كان لا يزال يوجد أيضاً
لهذا الجسد الفاني الخالي من الروح
والميّت بين الأموات
مزيد من العذاب
برميل الحقد
------------------------------------------------
LE TONNEAU DE LA HAINE
الحقد برميل بنات دنائيد* الشاحبات
والانتقام يصبّ مهتاجاً بذراعين أحمرين قويين
في فراغه المظلم الهائل دِلاء مملوءة
بدماء الأموات ودموعهم
والشيطان يحفر في هذه الأعماق ثقوباً سريّة
منها يتسرب ما جمعه ألف عام من جهد وعرق
ومع ذلك فإن الحقد يعرف كيف يبعث الحياة
في ضحاياه ليعتصرها من أجسادهم من جديد
الحقد سكّير قابع في جوف حانة
يشعر بالظمأ الدائم وكلما أكثر من الشرب
تجدّد كما تتجدد رؤوس ثعبان (الإيدز)
كلما قطع منها رأس
لكن السكارى السعداء يعرفون قاهرهم
أما الحقد فتنتظره هذه الخاتمة المحزنة
بألا يستطيع أبداً أن يسعد
بالسقوط صريعاً تحت الموائد
ــــــــــــــــــــ
* اسم يطلق على الفتيات الخمسين اللواتي قتلن أزواجهن ليلة زفافهن
الجرس المصدوم
------------------------------------------------
LA CLOCHE FELEE
ما أمرَّ وما أحلى أن تصغي في ليالي الشتاء
وأنت جالس قرب المدفأة التي تختلج وتطلق الدخان
إلى الذكريات البعيدة التي تستيقظ على مهل
على صوت النواقيس التي تصدح في الضباب
طوبى لك أيها الجرس القوي الحنجرة
إنك لا تزال موفور النشاط والعافية
برغم بلوغك غاية الكبر
فلا تزال قادراً على أن تطلق بأمانة
نداءك الديني كأنك جندي عجوز
يقضي الليل حارساً تحت خيمته
إن نفسي المتصدعة
عندما تريد من خلال سأمها
أن تملأ بغنائها جو الليالي الباردة
فإن صوتها غالباً ما ينطلق ضعيفاً
كحشرجة جريح منسيّ على حافة بحيرة من دم
تحت أكداس الجثث
وهو يعالج سكرات الموت دون حراك
بجهد عظيم
كآبة
------------------------------------------------
SPLEEN
يصبّ شهر الأمطار الغاضب على المدينة كلها
من قربته المفعمة بالأمواج المتدفقة
برداً مظلماً على السكان الشاحبين
القاطنين إلى جوار المقبرة
وموتاً على الضواحي المغلفة بالضباب
يفتش هرّي عن مرقد فوق البلاط
وهو يحرك جسده الهزيل الأجرب دون كلل
في حين تهيم روح شاعر عجوز في الميازيب
بصوت حزين كصوت شبح أنهكه البرد
الناقوس ينتحب والحطبة المشتعلة
ترافق بصوت حاد صوت الرقاص المبحوح
أما أعرج (الكبّة) ونبت (البستوني)
الإرث المشؤوم لعجوز مصابة بالاستسقاء
فقد جلسا يتحدثان بحزن
عن حبهما الراحل
في لعبة مليئة بالروائح الكريهة
كآبة
------------------------------------------------
SPLEEN
كثيرة هي ذكرياتي كأني عشت ألف عام
إنها خزانة ضخمة مزدحمة الأدراج
بأوراق الجرد والأشعار والبطاقات الرقيقة
والدّعاوى والأغاني العاطفية
وخصلات الشعر الكثيفة الملفوفة بالبراءات
إن ما تخفيه من الأسرار أقل مما يخفيه وجداني الحزين
إنها كهف وهرم واسع يحوي من الجثث
فوق ما تحويه الحفرة الجماعية
أنا مقبرة عافها القمر, يسعى فيها
كما يسعى الندم دود طويل ينقضّ دائماً بنهم
على الأعزاء من أمواتي
أنا بهو قديم تملؤه الزهور الذابلة
تسكنه أكداس من الأزياء التي فات زمانها
وتستنشق فيه عبير حق مفتوح
رسوم الباستيل الشاكية
ولوحات (بوشيه) الشاحبة
لا شيء يعادل في الطول, الأيام المتعثرة
عندما يرزح تحت ركام ثقيل من ثلوج السنين,
الضجر تلك الثمرة المُرّة لللامبالاة الكئيبة
ليأخذ أبعاداً تجعله أبدياً
فيا أيتها المادة الحية لم تعودي
سوى صخرة يحيطها رُعب غامض
تنام في قلب صحراء مغبرّة
كأبي هول تجاهله عالم غافل
وأزيل عن الخريطة
فبات مزاجه سوداوياً
ولم يعد يغني إلا على الضوء الشاحب
لأشعة الشمس الغاربة
كآبة
------------------------------------------------
SPLEEN
ما أشبهني بملك لبلاد أمطارها كثيرة
غني ولكن عاجز, شاب ولكن عجوز مهدم
يكره انحناءات مؤدبيه
ويشعر بالملل من كلابه كما من بقية الحيوانات
فلا الطريدة تستطيع أن تدخل إلى نفسه
المرح ولا العُقاب
ولا شعبه الذي يسقط ميتاً أمام شرفته
وحتى قصائد مهرّجه المفضل المضحكة
لم تعد قادرة على تسلية هذا المريض القاسي
فقد تحوّل سريره الموشّى إلى قبر
وسيدات الحاشية اللواتي يجدن كل لأمير جميلاً
لم يعدن قادرات على ابتداع زينة فاجرة
تنتزع الابتسامة من هذا الهيكل العظمي
والعالِم الذي يصنع له الذهب
عجز عن أن ينتزع من كيانه
هذا العنصر المتهدم
وحتى حمامات الدم التي انتقلت إلينا من الرومان
والتي يتذكرها الجبابرة في أواخر أيامهم
لم تستطع أن تعيد الدفء إلى هذه الجثة الحمقاء
التي يسيل في شرايينها بدلاً من الدم
ماء نهر النسيان العَفِن
:rose:
دعوة إلى السفر
------------------------------------------------
L'INVITATION AU VOYGE
بنيتي شقيقتي تأملي ما أحلى الذهاب
إلى هناك لنعيش معاً
نحب على مهل نحب ونموت
في البلد الذي يشبهك
فشموس السموات المبتلة الغائمة
هي روحي هذا السحر الغامض لعينيك الغادرتين
المتلألئتين من خلال الدموع
فكل شيء هناك سيكون
نظاماً وجمالاً وترفاً وهدوءاً ومتعة
فالأثاث اللامع الذي صقلته السنون
سيزين غرفتنا
وأندر الأزهار سيختلط عبيرها بالعنبر
والسقوف المزخرفة والمرايا العميقة والترف الشرقي
كل ذلك سيكلم النفس سراً
بحلاوة لغة موطنها
كل شيء هناك سيكون نظاماً وجمالاً
وترفاً وسكينة ومتعة
انظري إلى السفن الغافية فوق القنوات
كيف تأتي من آخر الدنيا
لتروي ظمأ أتفه رغباتك
والشموس الغاربة تكسو الحقول
والقنوات والمدينة بكاملها
بالذهب والياقوت
ويغفو العالم في النور الدافئ
كل شيء هناك سيكون نظاماً وجمالاً
وترفاً وسكينة ومتعة.
محادثة
------------------------------------------------
CAUSERIE
أيتها السماء الخريفية الجميلة الصافية الوردية
إن الحزن في نفسي يتصاعد كمدّ البحر
ويترك عند انحساره على شفتيّ المرّتين
ذكرى مُحرقة لطعم وحله المرّ
عبثاً تنزلق يدك على صدري المبتهج
فما تبحث عنه يا صديقي هو مكان خرب
دمره ظفر وناب امرأة متوحشة
فلا تبحثي عن قلبي : لقد التهمته الوحوش
قلبي عبثت به الغوغاء
فيه يسكرون ويتذابحون
يأخذ بعضهم بنواصي بعض
في حين يطوف حول عنقك العاري عبير منعش
أيتها الحسناء ـ يا مصيبة قاسية على النفوس
هذه هي إرادتك
وبعينيك الناريتين المضيئتين كالأعياد
أحرقي هذه المِزَق التي عفّت عنها الوحوش
نشيد خريفي
------------------------------------------------
CHANT D'AUTOMNE
سنغوص قريباً في الظلمات الباردة
فوداعاً يا تلألؤ أضواء أيام الصيف القصيرة
إني لأسمع من الآن سقوط الحطب على البلاط
كأنه إيقاع أنغام جنائزية
سيتغلغل الشتاء كله في كياني
غضب, حقد, هول, اشغال شاقة
وكالشمس في جحيمها القطبي
سيكون قلبي كتلة حمراء من جليد
صوت كل حطبة تسقط يشعرني بقشعريرة
وصدى بناء المشنقة لن يكون أقوى
فكري يشبه البرج الذي ينهار
تحت ضربات قرون تيس هائل لا يعرف التعب
يخيل لي وهذا القرع الرتيب يهدهدني
أنهم يغلقون مسرعين بالمسامير نعشاً في مكان ما لمن ؟
بالأمس كان الصيف واليوم جاء الخريف
هذه الضجة الخفية تدق كأجراس الرحيل.
أحب في عينيك الواسعتين أيتها الجميلة هذا النور المخضوضر
لكن كل شيء في فمي مرّ المذاق
لا شيء ! لا حبّك ولا غرفتك لا موقدك
كلها لا تساوي في نظري
الشمس المتلألئة على البحر
ورغم ذلك أحبيني يا ذات القلب الحنون
كوني لي أماً على الرغم من خبثي وعقوقي
وسواء كنت عشيقة أم شقيقة
كوني الحلاوة السريعة الزوال
لخريف مجيد وشمس غاربة
المهمة قصيرة الامد فالقبر ينتظرني شَرِهاً
آه دعيني ألقي بجبهتي على ركبتيك
إلى سيدة خلاسية
------------------------------------------------
A UNE DAME CREOLE
في بلد معطر الأجواء تداعبه الشمس
تعرفت تحت قبة من الأشجارالأرجوانية والنخيل
الذي يتساقط منه الكسل فوق العيون
على سيدة خلاسية مجهول المفاتن
لونها شاحب دافئ تلك السمراء الساحرة
وعلى جيدها يبدو تكلف مترفع
هيفاء فارعة القوام تخطر كقناصة
في عينيها اطمئنان وفي ابتسامتها هدوء
لو أنك سيدتي تذهبين إلى بلاد المجد العريق
على ضفاف السين أو اللوار الأخضر
لكنت جديرة أن تكوني زينة القصور القديمة
وفي الخلوات الظليلة ستكونين
الوحي الذي ينبت في قلوب الشعراء آلاف القصائد
وعيناك الواسعتان ستجعلان منهم
أتباعاً أكثر خضوعاً من عبيدك السود
الشبح
------------------------------------------------
LE REVENANT
كالملائكة ذات العيون الوحشية
سأعود إلى مخدعك
وأتسلل إليك بغير جلبة مع ظلام الليل
وسأمنحك يا سمرائي
قبلاً باردة كالقمر
ومداعبات أفعوان يسعى حول وكره
وعندما يعود الصباح الكئيب
ستجدين مكاني فارغاً وسيستمر بارداً حتى المساء
وكما يحب بعضهم أن يسيطروا
بالحب على حياتك وشبابك
أنا أريد أن أسيطر بالرعب
نشيد الخريف
------------------------------------------------
SONNET D'AUTOMNE
عيناك الصافيتان كالكريستال تقولان لي
أيها العاشق الغريب الأطوار
ما هي مزيتي في نظرك ؟
كوني فاتنة والزمي الصمت
فقلبي الذي يثيره كل شيء
ما خلا براءة الوحش القديم
لا يود إطلاعك على سرّه الجهنمي
ولا على أسطورته السوداء المكتوبة باللهب
أيتها المرأة التي تدعوني يداها المهدهدتان للنوم
إني أكره الوجد ويوجعني الفكر
دعينا نتحاب في هدوء
فالحب في كوخه المظلم الآمن
يوتر قوسه المشؤومة
وأنا عليم بذخائر مسالحه القديمة
إنها الجريمة والعرب والجنون ـ يا زهرتي الشاحبة
ألست مثلي شمساً خريفية
يا لؤلؤتي التي لا أبرد ولا أشدّ منها بياضاً
البوم
------------------------------------------------
LES HIBOUX
تحت الأشجار السود تجثم طيور البوم
مختبئات في صفوف منتظمة
شاخصات بعيونهن الحُمر
كأنها آلهة غريبة. إنهن يتأملن
وبلا حراك يمكثن حتى الساعة الكئيبة
التي يوطد فيها الظلام سيطرته
طارداً أشعة الشمس المنحرفة
موقفهنّ هذا يعلم الحكيم أن يخشى
في هذا العالم
الحركة والزحام
فالإنسان الذي يسكره خيال عابر
يحمل معه دائماً عقابه
الذي يكمن في إرادة تغيير مكانه
الغليون
------------------------------------------------
LA PIPE
أنا غليون لأحد الكتّاب
فمن يتأمل سحنتي الحبشية
يدرك أن صاحبي مُكثرٌ من التدخين
فعندما يغمره الألم
يطلق الدخان كمدخنة كوخ
يُعَدّ في مطبخه الطعام
انتظاراً لعودة صاحبه الفلاح
إنب أعانق وأهدهد روحه
في شبكة من الدخان الأزرق
الذي يطلقه فمي الملتهب
وأصنع بلسماً قوياً يسحر قلبه
ويشفي فكره من التعب
الموسيقا
------------------------------------------------
LA MUSIQUE
غالياً ما تحملني الموسيقا كما يحملني موج البحر
نحو نجمي الشاحب
وتحت سقف من الضباب أو في أثير واسع
أبحر
فأتسلق متن الأمواج المتراكمة التي يحجبها عني الليل
وصدري إلى الأمام ورئتاي منفوختان
كأنهما من قماش
إني لأشعر في داخلي بكل انفعالات
مركب مشرف على الغرق
وأشعر بالريح المواتية وبالعاصفة واختلاجاتها
تهدهدني فوق اللجة المترامية
وأحياناً أخرى أسمعها هادئة ملساء
كأنها مرآة يأسي الكبيرة
الميت الفَرِحْ
------------------------------------------------
LE MORT JOYEUX
في أرضٍ خصبة مملوءة بالحلزون
أريد أن أحفر بنفسي حفرة عميقة
أدفن فيها على مهلٍ عظامي البالية
وأنام في النسيان كما ينام الحوت في أعماق البحار
إني أكره الوصايا وأمقت القبور
وأفضل وأنا بعد حيّ أن أدعو الغربان
لتمتص الدم من أطراف هيكلي القذر
على أن أستجدي دمعة من دموع البشر
أيتها الديدان السوداء
يا رافقاً لا يرون ولا يسمعون
انظروا إلى هذا الميت الفرِح الآتي إليكم بحرّية
يا فلاسفة يحبون الحياة ويا أبناء العفونة
أوغلوا في هيكلي دون ندم وقولوا لي
إن كان لا يزال يوجد أيضاً
لهذا الجسد الفاني الخالي من الروح
والميّت بين الأموات
مزيد من العذاب
برميل الحقد
------------------------------------------------
LE TONNEAU DE LA HAINE
الحقد برميل بنات دنائيد* الشاحبات
والانتقام يصبّ مهتاجاً بذراعين أحمرين قويين
في فراغه المظلم الهائل دِلاء مملوءة
بدماء الأموات ودموعهم
والشيطان يحفر في هذه الأعماق ثقوباً سريّة
منها يتسرب ما جمعه ألف عام من جهد وعرق
ومع ذلك فإن الحقد يعرف كيف يبعث الحياة
في ضحاياه ليعتصرها من أجسادهم من جديد
الحقد سكّير قابع في جوف حانة
يشعر بالظمأ الدائم وكلما أكثر من الشرب
تجدّد كما تتجدد رؤوس ثعبان (الإيدز)
كلما قطع منها رأس
لكن السكارى السعداء يعرفون قاهرهم
أما الحقد فتنتظره هذه الخاتمة المحزنة
بألا يستطيع أبداً أن يسعد
بالسقوط صريعاً تحت الموائد
ــــــــــــــــــــ
* اسم يطلق على الفتيات الخمسين اللواتي قتلن أزواجهن ليلة زفافهن
الجرس المصدوم
------------------------------------------------
LA CLOCHE FELEE
ما أمرَّ وما أحلى أن تصغي في ليالي الشتاء
وأنت جالس قرب المدفأة التي تختلج وتطلق الدخان
إلى الذكريات البعيدة التي تستيقظ على مهل
على صوت النواقيس التي تصدح في الضباب
طوبى لك أيها الجرس القوي الحنجرة
إنك لا تزال موفور النشاط والعافية
برغم بلوغك غاية الكبر
فلا تزال قادراً على أن تطلق بأمانة
نداءك الديني كأنك جندي عجوز
يقضي الليل حارساً تحت خيمته
إن نفسي المتصدعة
عندما تريد من خلال سأمها
أن تملأ بغنائها جو الليالي الباردة
فإن صوتها غالباً ما ينطلق ضعيفاً
كحشرجة جريح منسيّ على حافة بحيرة من دم
تحت أكداس الجثث
وهو يعالج سكرات الموت دون حراك
بجهد عظيم
كآبة
------------------------------------------------
SPLEEN
يصبّ شهر الأمطار الغاضب على المدينة كلها
من قربته المفعمة بالأمواج المتدفقة
برداً مظلماً على السكان الشاحبين
القاطنين إلى جوار المقبرة
وموتاً على الضواحي المغلفة بالضباب
يفتش هرّي عن مرقد فوق البلاط
وهو يحرك جسده الهزيل الأجرب دون كلل
في حين تهيم روح شاعر عجوز في الميازيب
بصوت حزين كصوت شبح أنهكه البرد
الناقوس ينتحب والحطبة المشتعلة
ترافق بصوت حاد صوت الرقاص المبحوح
أما أعرج (الكبّة) ونبت (البستوني)
الإرث المشؤوم لعجوز مصابة بالاستسقاء
فقد جلسا يتحدثان بحزن
عن حبهما الراحل
في لعبة مليئة بالروائح الكريهة
كآبة
------------------------------------------------
SPLEEN
كثيرة هي ذكرياتي كأني عشت ألف عام
إنها خزانة ضخمة مزدحمة الأدراج
بأوراق الجرد والأشعار والبطاقات الرقيقة
والدّعاوى والأغاني العاطفية
وخصلات الشعر الكثيفة الملفوفة بالبراءات
إن ما تخفيه من الأسرار أقل مما يخفيه وجداني الحزين
إنها كهف وهرم واسع يحوي من الجثث
فوق ما تحويه الحفرة الجماعية
أنا مقبرة عافها القمر, يسعى فيها
كما يسعى الندم دود طويل ينقضّ دائماً بنهم
على الأعزاء من أمواتي
أنا بهو قديم تملؤه الزهور الذابلة
تسكنه أكداس من الأزياء التي فات زمانها
وتستنشق فيه عبير حق مفتوح
رسوم الباستيل الشاكية
ولوحات (بوشيه) الشاحبة
لا شيء يعادل في الطول, الأيام المتعثرة
عندما يرزح تحت ركام ثقيل من ثلوج السنين,
الضجر تلك الثمرة المُرّة لللامبالاة الكئيبة
ليأخذ أبعاداً تجعله أبدياً
فيا أيتها المادة الحية لم تعودي
سوى صخرة يحيطها رُعب غامض
تنام في قلب صحراء مغبرّة
كأبي هول تجاهله عالم غافل
وأزيل عن الخريطة
فبات مزاجه سوداوياً
ولم يعد يغني إلا على الضوء الشاحب
لأشعة الشمس الغاربة
كآبة
------------------------------------------------
SPLEEN
ما أشبهني بملك لبلاد أمطارها كثيرة
غني ولكن عاجز, شاب ولكن عجوز مهدم
يكره انحناءات مؤدبيه
ويشعر بالملل من كلابه كما من بقية الحيوانات
فلا الطريدة تستطيع أن تدخل إلى نفسه
المرح ولا العُقاب
ولا شعبه الذي يسقط ميتاً أمام شرفته
وحتى قصائد مهرّجه المفضل المضحكة
لم تعد قادرة على تسلية هذا المريض القاسي
فقد تحوّل سريره الموشّى إلى قبر
وسيدات الحاشية اللواتي يجدن كل لأمير جميلاً
لم يعدن قادرات على ابتداع زينة فاجرة
تنتزع الابتسامة من هذا الهيكل العظمي
والعالِم الذي يصنع له الذهب
عجز عن أن ينتزع من كيانه
هذا العنصر المتهدم
وحتى حمامات الدم التي انتقلت إلينا من الرومان
والتي يتذكرها الجبابرة في أواخر أيامهم
لم تستطع أن تعيد الدفء إلى هذه الجثة الحمقاء
التي يسيل في شرايينها بدلاً من الدم
ماء نهر النسيان العَفِن
:rose: