نشأت في كنف والديها المحبين لها، وهي تحلم بأن تكبر لتقف في الفصل مثل معلمتها وتعلّم الأطفال الفرق بين الألف الشامخة والباء الحنونة. مرّت السنوات وهي تنقش هذا الحلم على كفيّها مثلما تنقش الحنّاء في ليالي العيد.
في صباح صيفي، جاء العيد على غير موعده، وجدت نفسها خلال وقت قصير تقف أمام طالبات يحلمن مثل حلمها. وكانت لكي تصل إليهن ترتحل كما ترتحل قوافل الصحراء.
في البداية، قالت: "لا بأس. طريق العلم شاق، وعليّ أن أحتمل". احتملت شقاء المسافة وشقاء تحضير الدروس وشقاء الخوف اليومي من مفاجآت الطريق البرية. احتملت أن تكون رقماً من تلك الأرقام التي تختفي داخل حافلات متوجهة إلى أقصى الصحراء. احتملت أن ينساها الآخرون، لأنها لم تعد بينهم، إذ أن السفر اليومي لوظيفتها حرمها من الاختلاط بالآخرين. احتملت كل هذا، إلى أن حدثت مفاجأة برية، تدحرجت بسببها الحافلة التي كانت تقلها، ليجدوها والعباءة تلف دماءها، كما تلف روحها الطاهرة.
بقلم / سعد الدوسري