القضاء العرفي عند قبيلة الحويطات

لم تخضع قبيلة الحويطات للدولة العثمانية إلا خضوعا رمزيا , إذ بقيت تمارس عاداتها وتقاليدها وتحتفظ بكيانها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحربي والقضائي فقد كانت تشكل دولة , لها حدودها الإقليمية وزعامتها السياسية وتركيبها الاجتماعي ونظمها القضائية أشبه ما تكون بمؤسسة القانون , أعرافها قوانينها وجلساتها العشائرية
محاكمها النظامية وذلك لاستكمال وضمان ديمومة الحياة عندهم , وبذلك فلا بد أن تكون لديهم وظيفة قضائية , وهي إسناد منصب القضاء الى شخص مناسب للقيام بدور فض النزاعات فيما بين الخصوم و إبقاء العلائق الحميمة و الوشائج النسبية و الاجتماعية فيما بينهم للحفاظ على الحد المقبول و الوضع الطبيعي الذي يضمن استمرارية الحياة .
و حين انفصلت الأردن عن الدولة العثمانية , استمرت قبيلة الحويطات بتطبيق أعرافها والاحتفاظ بمؤسساتها القضائية حيث أضفى المشرّع الأردني الصفة الشرعية على تلك المؤسسة حين اصدر قانون محاكم العشائر 1924م الذي استبدل فيما بعد قانون محاكم العشائر لسنة 1936 م .



يعتبر الشيخ حمد بن جازي من اشهر قضاة قبيلة الحويطات وقبائل البادية فهو قاضي القلطة الوحيد في قبيلة الحويطات – وقاضي القلطة هو أعلى مرجع قضائي لدى القبيلة وله صلاحية تعديل السوادي ( العادات )- فيعتبر مشرّع ويأخذ قضاة العشائر عامة بتشريعه و من ذلك يدرك مدى خطورة القرار الذي يصدره وتأثيره على مجتمع البادية , فبذلك يكون حمد بن جازي واضع لمبادئ عامة يسير عليها القضاة الآخرون ويصبح المبدأ الذي يضعه سوادي عند البدو ويعبّر عن ذلك البدو بقولهم ( إن هدم رسم ما حدا يبنيه وان بنى رسم ما حدا يهدمه ) , والحكم الذي يصدره في قضية يعتبر من السوابق القضائية لقضايا تحدث فيما بعد والتي تكون مماثلة للقضية التي أصدر حمد بن جازي فيها حكمه فيأخذ القاضي بالحكم الذي أخذه الشيخ حمد,فيعبّر عنها البدو بقولهم ( قلط عليها ابن جازي )

وهنا يقول القاضي الذي يحكم دون أن يشرّع (( حنا تبّع , لا نشرّع شرع ولا نفرّع فرع )) وهذا يعني أن الأصل هو العمل بالسوادي أي الأعراف القضائية المعروفة والمتوارثة جيلا عن جيل فالقاضي لا يستطيع ابتداع الأحكام أو تغييرها ويستثنى من ذلك حالة التغيير الاجتماعي و ذلك عندما يقتضي تطبيق عرف قضائي معين الإضرار بمصلحة المجتمع العشائري نظرا لتغير الظروف عندها يصدر قاضي القلطة قراره بتعديل السوادي .

واهم الطرق التي تصل خلالها القضايا إلى قاضي القلطة ما يلي :

• قد يدرك طرفا النزاع خطورة القضية فيذهبان مباشرة إلى قاضي القلطة
• يحيل القاضي العادي القضايا الخطيرة التي تحتاج إلى وضع مبادئ جديدة إلى قاضي القلطة لإصدار المبادئ التي يراها
• قد يدرك قاضي القلطة نفسه ضرورة إعادة النظر في سوادي البدو بين الحين و الحين وعلى ضوء التغيير الاجتماعي الذي تمر به حياة البدو , و لذلك يصدر المبادئ الجديدة لتعديل السوادي القديمة .

صلاحيات قاضي القلطة
إن أهمية الدور الذي يلعبه قاضي القلطة في المجال القضائي وخاصة في مراحل التغيرات الاجتماعية يدعونا إلى استعراض الصلاحيات التي يتمتع بها حتى يتسنى له القيام بهذا الدور الفعّال , ومن خلال الاستعراض يتبين أن ابرز صلاحيات قاضي القلطة هي :

أ - الصلاحية القضائية :
يمارس هذه الصلاحية حين يبت بالقضايا المعروضة عليه و دوره هنا يشبه إلى حد كبير دور قضاة البدو من الفئات الأخرى

ب- الصلاحية التشريعية :
حين يشعر قاضي القلطة بعدم صلاحية بعض السوادي البدوية للمرحلة الاجتماعية التي تمر بها القبيلة , فان قاضي القلطة يبدأ بدراسة وتمحيص الأمر على ضوء التطور الجديد أو لما تقتضيه مصلحة الناس , لوضع افضل الحلول التي تواكب التطور الاجتماعي عن طريق إلغاء أو تبديل أو تعديل تلك السوادي , ومما يلاحظ من ذلك أن قاضي القلطة يمارس هذه الصلاحية دون حاجة إلى إثارة هذا الموضوع عن طريق القضايا المعروضة .

ج – الصلاحية المزدوجة :
ويتمتع قاضي القلطة هنا بالصلاحيتين التشريعية والقضائية بنفس الوقت , ويحدث ذلك حين تعرض عليه قضية هامة ويكشف أثناء النظر بها أن تطبيق السوادي أمر لا تقرّه العدالة على ضوء التطور الاجتماعي الجديد , لذلك فانه يصدر الفرض الذي يراه اقرب إلى العدالة , وبذلك يضع مبدأ عاما يسير عليه القضاة الآخرون , وبمعنى آخر فانه يضع الحل عن طريق إدخال تعديل في السوادي البدوية .



فعلى ضوء التغير الاجتماعي الذي حدث في عشائر الحويطات فقد تنبه قاضي القلطة الشيخ حمد بن جازي إلى ضرورة إعادة النظر في بعض السوادي القديمة وبعد المداولة والتمحيص خلال سنة 1940 م وضع الشيخ حمد مبادئ جديدة عدّلت السوادي القديمة وهذه المبادئ هي :

- المبدأ الأول :
الزوج الذي يريد ترك زوجته يفقد حقه باسترداد المهر , وهذا المبدأ يخالف السوادي القديمة التي تتيح للزوج أن يسترد جميع ما دفعه لها حتى الملحة التي خسرها كما أضاف الشيخ حمد إلى ذلك المبدأ انه إذا كانت الزوجة عايفه ( ترغب ترك زوجها ) فان لزوجها الحق في أن يسترد جميع المواشي والفلوس والتي سبق وقدمها مهرا لها ولكن لا يصح له أن يسترد الذبايح والجهاز ( أي اللباس والحلي ) في العرس .

- المبدأ الثاني :
لا يجوز إجبار الأب على تزويج ابنته من أي إنسان بغض النظرعن درجة القرابة

- المبدأ الثالث :
لقد قرر منع العداية ( أي أخذ ماشية الغير من اجل إقراء الضيف ) بين عشائر الحويطات بحجة أنها أصبحت ( عداوة ) لكثرة المشاكل والمتاعب التي تجلبها .
- المبدأ الرابع :
كما منع قتل الحيوان وقطع الشجر ثأرا لجرائم الدم والعرض .

-المبدأ الخامس :
كما قرر منع الجيرة التي يلجأ إليها البعض للحيلولة دون زواج فتاة من عشيرتهم بحجة أن المعترض أولى بها من غيره .
آخذا بذلك الشيخ حمد بن جازي بتعاليم كتاب الله عز وجل والشريعة الإسلامية السمحة .. فجزاه الله خير الجزاء .




تصنيف القضاة عند قبيلة الحويطات
تصنف قبيلة الحويطات قضاتها في أربعة أصناف حسب الترتيب التالي :

• قاضي القلطة :
ويوجد قاضي قلطة واحد في قبيلة الحويطات هو ( ابن جازي ) قاضي القلطة الشيخ حمد بن جازي ومن بعده قاضي القلطة الابن الشيخ فيصل بن حمد بن جازي

• قضاة المناهي :
وهم الذين ينظرون القضايا الهامة وينهون النزاع ويشمل هذا الصنف :

أ . منقع الدم أو قاضي الرقاب
ب. قاضي العرض ويسميه الحويطات ( العقبي )
ج. مبيض الوجه ويسميه الحويطات ( المنشد ) وينظر قضايا الوجه عامة

• قضاة الحقوق الأخرى :
ويشمل هذا الصنف القضاة الآخرين الذين ينظرون القضايا التي تتسم بالبساطة ولا تستدعي تدخل قاضي القلطة أو قاضي المناهي فيها .
• قضاة التمهيد :
وهم الذين يقومون بحل الإشكال بين طرفي النزاع حول تعيين القاضي المختص ونوع القضية وهنا نجد قبيلة الحويطات تعرف نوعين من قضاة التمهيد هما :

أ . قضاة بيت الخط : ويشكلون الدرجة الأولى من قضاة التمهيد
ب . قضاة المقارشية : ويشكلون الدرجة الثانية والأخيرة من قضاة التمهيد .


ذكر في مقالة العلامة الأردني روكس بن زائد العزيزي " شيء عن قبيلة الحويطات " مــا حرفــه :

(( كما ولا يفوتني أن اذكر ما قدم الشيخ الأجل حمد الجازي من خدمة إنسانية عدا خدماته في ميدان القضاء والفروسية والكرم , اجل خدمته التي ستذكرها الأجيال على مدى الدهر يوم أنقذ المرأة الأردنية من عبودية قد فرضتها عليها العادات الجائرة والتقاليد البالية :
• إذ ابطل أولوية ابن العم بابنة عمه , فقد كان ابن العم أولى بابنة عمه ولو كان معتوها ، وفي أقوالهم :
" ابن عمها يحوّلها عن ظهر جملها أو عن ظهر فرسها .. أي وهي مزفوفة إلى عريسها "
• كما وابطل غرة المدّى – وهي الفتاة التي يجب على أهل القاتل أن يقدموها إلى أهل القتيل مقدمة لمفاوضات الصلح – وتبقى هذه عند زوجها أحط من أمه , لا يحق لأهلها أن يدافعوا عنها أو ينتصروا لها أو يطلبوا طلاقها ممن تزوج بها إلا إذا أنجبت ذكورا أذكياء أبطالا فعندها يستطيع أهلها أن يطالبوا بطلاقها فيحكم القاضي بذلك ,, فحسب هذا الشيخ الجليل المرحوم حمد بن جازي ما قدم للإنسانية عامة وللمرأة الأردنية خاصة ))

نستشف من هذا السياق أن العلامه روكس أوضح أن قرار الشيخ حمد- بتغير العادة التي كانت سائده في المنطقة بشكل عام ( الأردن )- قد أنقذ المرأة الأردنية من العبودية التي فرضتها عليها التقاليد و العادات الجائرة , بذلك عنى بحديثه الإنقاذ لحقوق المرأة الاردنيه بشكل عام ولم يقتصر القرار على قبيلة الحويطات فقط وانما سرى على الجميع , فكان ذلك الفخر العظيم للشيخ حمد وان التاريخ و الإنسانية لن ينسوا هذا الموقف العظيم الذي قدمه


المصادر والمراجع
- القضاء العشائري في الأردن / الدكتور محمد أبو حسان
- معلمة التراث الأردني / العلامة روكس بن زائد العزيزي
- مقالة العلامة روكس بن زائد العزيزي " شيء عن قبيلة الحويطات