اثناء سفري هذه الليلة مررت بالمدينة المنورة متجهاً الى الرياض و بعد الحناكية بحوالي 90 كيلو لفتت نظري لوحة صغيرة جدا مكتوب عليها الربذة . هذا الاسم ليس غريبا علي فتذكرت ان الربذة هي المكان التي نفي اليه الصحابي الجليل ابو ذر الغفاري و مات فيه و قد قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث يوم القيامة وحده .
لقد عرَف النبي صلى الله عليه وسلم شخصَ أبي ذر قبل وصوله إليهم بما أعلمه الله حينما انقطع به بعيره في الصحراء من الظمأ اثناء غزوة تبوك التي كانت في شدة الحر و في رمضان . فترك البعير وواصل السير على قدميه و في احدى المراحل التي كان يستريح فيها الرسول و المسلمون قال رجل للرسول صلى الله عليه و سلم هناك رجل قادم يسير على اقدامهم فقال صلى الله عليه و سلم - كن ابا ذر - فلما اقترب قالوا : انه ابا ذر يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده و يموت وحده و يبعث وحده ، و ذلك لإنه سيموت وحده بعيداً عن الناس، ثم يبعث من ذلك المكان وحده.
وتمضي الأيام لتُحقق نبوءةَ النبي صلى الله عليه وسلم ، فتدرك الوفاةُ أبا ذر في الربذة، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامَه: إذا مِت فاغسلاني وكفّناني، ثم احملاني، فضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم، قولوا لهم : هذا أبو ذر.
فلما مات فعلوا ما طلب منهم فاطلع ركب من أهل الكوفة، وفيهم الصحابي عبد الله بن مسعود، فلما رأوا الجثمان على قارعة الطريق و عنده امرأة و غلام يبكيان اسرعوا اليه حتى كادت ركائبهم تطأ سريره من إسراعهم إليه .
فلما نظر اليه ابن مسعود رضي الله عنه استهل يبكي، ويقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده ).
فنزل ابن مسعود فصلى عليه هو وصحبه وولِيَ دفْنه. رضي الله عنهما
وفي رواية أن أم ذر بكت لما حضرته الوفاة، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: وما لي لا أبكي، وأنت تموت بفلاة من الأرض، ولا يدَ لي بدفنك، وليس عندي ثوب يسعُك، فأكفِنك فيه؟
قال: فلا تبكي وأبشري، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر من أصحابه وأنا فيهم: ((ليموتَن رجل منكم بفلاة من الأرض، يشهده عصابة من المؤمنين))، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية أو جماعة، وإني أنا الذي أموت بفلاة ، والله ما كذَبت ولا كُذِبت . لقد بشرها رضيى الله عنه بمقدَم من يعينها على دفنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مخبرا عن ذلك الذي يموت بفلاة بأنه ((يشهده عصابة من المؤمنين)).
ووقفت في تلك المحطة الموجودة في المنطقة و سألت رجلا كبيرا في السن من اهل القرية وجدته بالصدفة . هل هذه هي الربذة التاريخية التي دفن بها الصحابي ابي ذر ؟ فقال نعم هذه هي الربذة . و الغريب اننا جميعا نسافر مع هذا الطريق و لم نلاحظها سابقا . و هي على الجانب الايمن من الطريق للمتجه شرقا للرياض و تبعد 190 كيلو مترا عن المدينة المنورة و لا تبعد عن الطريق العام سوى 500 متر فقط .
رحمك الله يا ابا ذر وجمعنا و اياك في جنات النعيم .