السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية أستسمح الأخوة والأخوات الذين شاركت في بعض مواضيعهم بشيء من ذكريات طفولتي
أن أشارك بهذه الحكاية ، في موضوع مستقل هنا في هذا الباب ، نظرا لطول مضمونه
مما دفعني لأن أنظر إليه كقصة قصيرة (وأرجو ألا أكون أخطأت التقدير)!!!
موضوعي (أو حكايتي) اليوم بعنوان
جوهرة الثعبان
هل سمعتم عن جوهرة الثعبان ؟؟ ،، أو ثعبان الجوهرة ؟؟
ابحثوا في السيد (جوجل) تحت هذا العنوان ،، وستشاهدون أو تقرؤون العجائب !!
أغلبها حكايات خيالية بعيدة عن المعقول ،، وبعضها قريب من الواقع ،، ولكن جانبا
بسيطا منها حقيقي ، وأؤكد لكم من خلال حديثي عن الذكريات أنه وقع لي شخصياَ!!
ففي أيام طفولتي كان (جوجلنا) أو بالأصح مصدر معلوماتنا ،، هو حكايات الجدات !!
والحقيقة أن ما قرأته في (جوجل) هذه الأيام عن موضوع جوهرة الثعبان لا يختلف
كثيرا عن حكايات جدتي (جمعة) أو عمتي (جواهر) رحمهما الله ، فقد كانت المعلومة
عندنا مؤكدة وحقيقية ، لدرجة أن حصول أحدنا على هذه الجوهرة لن يحتاج إلا لتوفر
حظ بسيط وهو أن يتصادف وجوده في مكان ما مع وجود الثعبان صاحب الجوهرة في
وقت واحد ، ولكن !!! هناك توصيات وتعليمات يجب الالتزام بها قبل التهور والإقدام
على أخذ الجوهرة من مكان وجودها ،، فالثعبان صاحب الجوهرة معروف بشراسته ،
وسيلاحق من يأخذ جوهرته ويقضي عليه حتى لو سافر بعيدا عن مكان حدوث جريمة
الاستيلاء على ثروته !!! فما الحل إذن ؟
لم تبخل علينا الجدة أو العمة (رحمهما الله) بهذه المعلومة ، أو التعليمات ،، فملخصها
أنه لو قدر لأحدنا أن رأى تلك الجوهرة فليتصرف بهدوء ،، ويراقب تحركات الثعبان
الشرس ، فإذا ابتعد لمسافة معقولة بحيث لا يشعر باقتراب أحد من جوهرته ، يتوجه
المحظوظ بسرعة نحو الجوهرة حاملا في يده كمية وافرة من الطين أو التبن المخلوط
بمخلفات الحيوانات ( أكرمكم الله )، ويطمر بها الجوهرة ويبتعد عنها سريعاً ، ويراقب
ما يجري من مسافة بعيدة ، حيث سيعود الثعبان إلى موقع جوهرته ويشعر بوجودها
ولكنه لا يمكنه الوصول إليها فيموت (المسكين) كمدا وحزنا!! ، (يبدو أنه من فصيلة
راقية ولا يتحمل الروائح الكريهة !!!) ، وإذا تأكد موته أصبح ممكنا الفوز بالجوهرة
والاستعداد لبدء مرحلة جديدة من العيش كأحد أثرياء المجتمع في ذلك البلد !!
وهذا ما كنت أؤمله !! لو تحقق لي في ذلك اليوم الذي سأحكي لكم قصته كأحد ذكرياتي
التي ربما تكونوا مللتم منها ومني ! في متصفح أختنا (بنت الجود) بارك الله فيها ، وفي جميع
من يحضر حكاياتنا ، وآمل أن الطرافة التي ستعيشونها مع القصة قد تخفف عنكم الملل
الذي عانيتموه من طول المقدمة ،، فتعذرونني !!
*********
جرت أحداث هذه الحكاية في منزلنا الذي كنا نسكنه في حي اليمانية بالطائف ، في أحد
شوارعها الترابية الفسيحة (عرضه حوالي 12م !!) ، وللمعلومية لم يكن في حينا سوى
شارع واحد مسفلت !! هو الشارع الذي بيننا وبين الحي المجاور ،، وفي إحدى الليالي
(لن أنسى أنها كانت مقمرة) ، كان الوالد والوالدة (حفظهما الله) خارج المنزل ،
وكنت مع إخوتي نلعب في تلك الصالة الفسيحة بالمنزل والتي يفصلنا فيها عن الشارع
باب المنزل ،، وهو باب خشبي كانت به فتحة صغيرة (ربما كان مكانها كالون الباب)
ونستفيد منها في مراقبة ما يجري في الشارع ، وما حصل في تلك الليلة أنني رأيت من
خلال هذه الفتحة شيئا يلمع بشدة في الجانب الآخر من الشارع !!!
صرخت من شدة فرحتي مناديا إخواني وأخواتي ( وجدتها وجدتها !! ) ،، تعالوا
وشاهدوا ،، لا شك أنها جوهرة الثعبان !!
تسابق الإخوان والأخوات إلى الفتحة ينظرون منها ،، وبمناقشة الموضوع وتحليله
من جميع جوانبه ، أجمع الكل ، بما لا يدع مجالا للشك ، على أن ذلك الشيء اللامع !!
ما هو إلا جوهرة الثعبان ،، وبقدر الفرح الذي عشناه ، كانت تنقصنا الجرأة والشجاعة
على فتح باب المنزل والخروج لالتقاط الجوهرة قبل أنا يسبقنا إليها أحد المارة أو يعود
إليها الثعبان الذي لم يتضح لنا وجوده حتى تلك اللحظة .
وبدأنا التخطيط للتصرف وفقا للتعليمات التي كنا نحفظها عن ظهر قلب ، فكل شيء
كان متوفرا ،، فالشارع ترابي لا يخلو من طين ،،، و(الحوش) المجاور لبيتنا كان
أصحابه يربون فيه أبقارا ، يعني حتى التبن (أكرمكم الله) ، لم يكن بعيدا ،،
ولكن أين الإقدام ؟؟ وأين الشجاعة ؟؟
ولم يكن لنا بد من الترقب وانتظار الفرج ،، حتى سمعنا قرعا على الباب ،، فأسرعنا
لنرى المنقذ الذي جاء ، وليكن من يكون ، حتى لو كان غريبا فسنطلب منه المساعدة
مقابل مشاركتنا في جزء من الثروة المرتقبة ، فالخير كثير وسيكفي الجميع .
كان الطارق هو الخال عبد الحليم (رحمه الله) ذلك الشخص المحبوب الذي كنا نسعد
بزيارته دائما ، وكان بيته قريبا منا ، في الشارع الذي يلينا (الشارع المسفلت) ،
المهم ، كنت المتحدث الرسمي باسم أخوتي ، فأنا أول من وقعت عينه على الثروة ،،
فتعلقت به ، قائلا : خالي الحبيب (جيت والله جابك) ، لقد وجدنا جوهرة الثعبان
وأرجوك أن تساعدنا ، فأجاب مؤنباً ( يا ولد أنت كبير! كيف تصدق هذه الخرافات ؟)
أقسمت له أن الموضوع جاد ، وكل طلبي منه ، هو الخروج معي إلى الشارع لتشجيعي
وأنا سأتصرف ، وأمام إصراري وإلحاح إخوتي المؤيدين لي ، لم يجد بدا من مرافقتي
وفور خروجنا ، أردت أن أذهب إلى حوش البقر أولا ، لأحضر أهم أدوات الخطة ،
فسحبني من يدي وقال ، لنشاهد أولا ونتحقق من قولك ، وقطعنا الشارع إلى الجهة
المقابلة وقلبي يدق ، لا أدري فرحا بالثروة ، أم خوفا من الثعبان ( ربما كليهما !)
ووصلنا إلى مكان الجوهرة وتبين صدق قولي !!!
صـحيح كان هناك شيء يلمع ،، بل يبرق بريقا ساطعا ،، ولكن الحقيقة المرة ،،
أنها لم تكن سوى علبة (صلصة) فارغة ، مقلوبة ليعكس غطاؤها الذهبي ضوء القمر !
وضاع الأمل في الحصول على الثروة ،، التي لو نسيت أحلامي باقتنائها تلك الليلة !!
فلن أنسى اللحظات القاسية التي مررت بها في نهاية قصتي ،، وهي :
عودتي من موقع الجوهرة المزيفة إلى المنزل مسحوبا كالشاة من أذني !!!
وضحكات إخواني وأخواتي علي (سامحهم الله) ،، وكأنهم نسوا أو تناسوا أنني كنت
سأشركهم معي في ثروتي ،، ومع ذلك لم يشاركني أحد منهم الألم البدني الذي عانيته
من أذني ليلة كاملة ، والألم النفسي ( القهر) الذي ظللت أعانيه كلما ذكروني بأحداثها ،
وكذلك لن أنسى رائحة التبن التي تذكرني بمأساتي كلما انبعثت من حوش البقر
المجاور ، وعانينا منه حتى انتقلنا من ذلك المنزل .
وأؤكد لكم أنني لن أنسى عمتي جواهر ( رحمها الله ) ، فكيف أنساها وكانت إحدى
مصادر معلوماتي الرئيسية عن جوهرة الثعبان وكأنّ لإسمها (جواهر) منها نصيب ،
يذكرني دائما بذلك الموقف !!
وأخيرا لن أنسى أن أوجه نصيحتي لكل من شاركني معايشة هذه الذكريات ،
حتى الذين أصابهم الملل من قراءة فصولها الطويلة ، ألا ينسوا أبداً الحكمة التي تقول :
ليس كل شيء يلمع ، ذهب !!!
وتصبحون على خير ،،
عمكم العود
أبو ياسر