الملك لا ينام اذا نامت الرعية :
كان المنصور بن أبى عامر كثير السهر جدا حتى أن أحد خدمه اسمه "شعلة" قال له فى ليلة : قد أفرط مولانا فى السهر , وبدنه يحتاج الى أكثر من هذا النوم , وهو أعلم بما يحركه عدم النوم من علّة العصب , فقال المنصور :
يا شعلة , الملك لا ينام اذا نامت الرعية , ولو استوفيت نومى لما كان فى دور – بيوت – هذا البلد العظيم عين نائمة ....
هكذا كان حرصه على دولة المسلمين واهتمامه بشؤونها !!
ومآثر المنصور لا تحصى ومناقبه وأخباره كثيرة ولكن حتى لا أطيل أكتفى بذكر ما سبق ...
وفاة المنصور بن أبى عامر :-
أما آن هذا الجسد أن يستريح !!
حكم المنصور بن أبى عامر الأندلس زهاء 27 سنة , وغزا أكثر من 54 غزوة لم يهزم فى واحدة قط !! , كانت كلها عز للإسلام والمسلمين حتى قال عنه ابن الخطيب فى كتابه "اعمال الاعلام " :
( وعلى الجملة , فكان نسيج وحده فى صقعه , وقلّ أن يسمع بمثله فى غيره ... )
انصرف المنصور بن ابى عامر الى الغزو عام 392هـ (1002م) فسلم وغنم كعادته وكان عمره وقتها ناهز 65 عاماً , ووجد فى نفسه خفة وعلم بدنو الأجل , فأحضر جماعة بين يديه وهو كالخيال لا يبين الكلام وأكثر كلامه بالإشارة كالمسلم المودع , وأوصى ألا يحمل فى تابوت , وأمر أن يدفن مكان موته وكان وقتها فى مدينة الثغر المنيع "مدينة سالم" فأمر أن يدفن رحمه الله فى صحن قصره بمدينة سالم وأمر أن يدفن معه غبار المعارك حتى تشهد له أمام الله بجهاده , وأمر أن يكفن بتلك الأكفات التى كان يحملها معه دائما فى المعارك وهى أكفان صنعت من غزل بناته واشتريت من خالص ماله الموروث .......
وفى ليلة الاثنين 27 رمضان من عام 392هـ / 11 أغسطس 1002م فاضت روح المنصور محمد بن أبى عامر الى بارئها ....
ونقشت على قبر المنصور محمد بن أبى عامر تلك الأبيات :
آثـــاره تنبيــك عــن أخبــاره **حتـى كأنـك بالعيـان تـراهُ
تالله لا يأتي الزمان بمثله **أبدًا ولا يحمي الثغور سواهُ
وظل قبر المنصور بن أبى عامر معروفا فى مدينة سالم حتى بعد أخذ النصارى تلك المدينة واحتلوها , وقد أوصى لسان الدين ابن الخطيب احد طلابه حين كان ذاهبا الى هناك لتأكيد عقد الصلح مع ملكها أن يزور قبر المنصور بن أبى عامر , وأخبره الطالب عند عودته أنه رأى قبر المنصور إلا أن رسومه من شعر منقوش وتاريخ مثبوت قد عفت ومحيت آثارها وكان هذا ما بين عامى 1361 – 1370م
وظلت سيرة المنصور بن أبى عامر مصدر عز وفخر ومجد للمسلمين حتى بعد هزيمتهم وأيام ملوك الطوائف , حتى أن مولى المستعين بالله ابن هود (دويلة بنى هود ) يقول :
لما توجهت الى ألفونسو وجدته فى مدينة سالم وقد نصب على قبر المنصور بن أبى عامر سريره , وامرأته متكئة الى جانبه , فقال لى : ياشجاع – اسم المولى – اما ترانى قد ملكت بلاد المسلمين وجلست على قبر مليكهم ؟ قال : فحملتنى الغيرة أن قلت له : لو تنفس صاحب هذا القبر وأنت عليه ما سمع منك ما يكره سماعه ! ولا استقر بك قرار ... , فهمّ بى , فحالت امرأته بينى وبينه , وقالت : صدقك فيما قال , أيفخر مثلك بمثل هذا ؟
تم بحمد الله .....