على الرغم من أن النفط قد فقد 50% من قيمته خلال الأشهر الستة الماضية، ورغم أن الريال السعودي قد حقق ارتفاعاً بنسبة 16% أمام عملات 9 دول رئيسية، إلا أن أسعار الأغذية والمشروبات التي تشكل أكبر مجموعات القياس لتكاليف المعيشة في المملكة قد ارتفعت في شهر واحد (يناير) بنسبة (2.1%) متعاكسة بذلك مع كل المؤشرات الاقتصادية وضاربة عرض الحائط بكل المعادلات الاقتصادية المكونة عادة لأسعار السلع.
والحقيقة أنه لا توجد دراسات مستقلة ومحايدة تسلط الضوء على أسباب الغلاء ومرجعياته التنافسية وكلما جاء الحديث عن الغلاء ينصب اللوم على التجار وينتهي الأمر بشتيمتهم وطلب مزيد من الرقابة عليهم.
لكن السؤال كيف يرفع التجار أسعارهم إذا كانت المملكة تعتمد اقتصاد السوق الحر وآليات العرض والطلب؟
التفسيرات الجاهزة والمعلبة ترجع الأسباب إلى جشع التجار وضعف الرقابة عليهم وحتى لو كان هذا صحيحاً فإنه لا يكفي لأن يكون سبباً لهذا الغلاء الفاحش في ظل اقتصاد يقوم على آلية السوق ويعتمد مبدأ العرض والطلب بالشكل الصحيح كما يفترض..!!
ففي كل أسواق العالم يتوفر تجار جشعون وغالباً لا يكون ثمة رقابة مباشرة ولصيقة على تجارة التجزئة ومع ذلك لا تحصل هذه الارتفاعات الدراماتيكية في أسعار الخدمات والسلع بهذه الصورة المفجعة!!
الفارق هنا هو ضعف التنافسية في السوق السعودي والتشوهات الحاصلة في جذور آلية العرض والطلب لعدم وجود نظام كفؤ للمنافسة العادلة قادر على حماية المستهلك كما هو حاصل في الأسواق الأخرى.
في مثل هذه الأسواق هناك نظام لحماية التنافسية وهو نظام (استباقي) صاغته معظم الدول وسنت عقوبات صارمة في إطاره وأقامت مجالس مستقلة للمنافسة في الوقت الذي لاتزال السياسات الاحتكارية ضاربة اطنابها في الأسواق المحلية وهي من يقرر كميات السلع المعروضة من خلال «كارتيلات» خفية تشكل المحرك الأساسي لخيوط أسعار السلع الرئيسية بعيدة عن مبادئ التنافسية التي تعتمد بصرامة متناهية في الأسواق الأخرى.
عيسى الحليان
عكاظ