تقديم الحذر على الثقة

لم تعد المسألة شعارات أمنية أو إعلامية تتداول ثم تذوب مع الوقت، فالمواطن، بحق، هو رجل الأمن الأول في وقتنا هذا الذي تشتد فيه محن الإرهاب والفتن ويكثر فيه المندسون المتربصون الذين يفخخون البيوت والشوارع، بل ويفخخون أجسادهم ليقتلوا الناس بغض النظر عن أماكنهم وذنوبهم. السوري الذي فخخ بيتا كاملا بحي الفيحاء بالرياض وسبى تلك الفلبينية الصانعة لأحزمته الناسفة يعلق الجرس في رقابنا جميعا كمواطنين لكي نحذر وننتبه إلى من يساكننا أو يصلي في مساجدنا أو يبيع (كوسة) في سوق الخضار المجاور.

تلك البراءة المجتمعية التي اشتهرنا بها في الثقة بكل شخص، بناء على مظهره أو سلوكه الظاهر، لم تعد مقبولة ولا معقولة في خضم تبدل النفوس وتمدد منظمات الإرهاب واحترافيتها. حتى أولادنا يجب أن نفتح أعيننا عليهم جيدا لكي لا يقعوا في مصيدة الإرهاب كما نفتحها لكي لا يقعوا في مصيدة تعاطي المخدرات وارتكاب الموبقات التي تدمرهم وتدمرنا.

علينا فعلا، كمواطنين، أن نمارس الدور الأمني الصحيح الذي يقدم الحذر على الثقة، لكي لا نكون، في كل مرة، ضحية لممارسة جماعية أو فردية تستغل (ثقتنا) وتستغل طيبتنا لتزرع شرها في أرضنا بينما نحن نقدم رجلا ونؤخر أخرى في التصرف الوطني إزاء هذا الشر الذي بلغ أرواح أبنائنا ووصل إلى أحيائنا على هذه الصورة الواضحة البشعة.

على المواطن، من الآن وصاعدا، أن يغير في سلوكه الاجتماعي من حيث إنه يجب أن يدقق كثيرا في سلوك أبنائه وانتماءاتهم وطبائع أصدقائهم وأماكن زياراتهم واستراحاتهم. كما أن عليه أن يدقق كثيرا وطويلا فيمن يجاور أو يساكن أو يدخل إلى مجلسه من المقيمين الذين طالما منحنا بعضهم ثقتنا فإذا هم يستغلوننا أسوأ استغلال ويسيئون إلى وطننا أكبر إساءة.

هناك، من وجهة نظري، الكثير من الدروس التي يفترض أن نتعلمها ونستوعبها كمواطنين في مثل هذه الظروف الإقليمية والمحلية التي نعيشها. وأول هذه الدروس وأهمها، تكرارا ومرارا، هو أن نفهم دورنا كحماة لأمن وطننا ونتحمل مسؤولية هذه الحماية، سواء أكان ذلك في حق قريب أو غريب، لأن الأمن لا يقبل الارتخاء ولا يفيده التردد

محمد العصيمي
عكاظ