اعلم أيها الولد المحب العزيز أطال الله تعالى بقائك بطاعته ، وسلك بك سبيل أحبائه أن منشور النصيحة يُكتب من معدن الرسالة عليه الصلاة والسلام ،
من جملة مانصح به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته قوله "علامة إعراض الله تعالى عن العبد اشتغاله بما لايعنيه،
وإن إمرؤ ذهبت ساعة من عمره في غيرماخلق له لجدير أن تطول عليه حسرته ، ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار ..
" من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" بمعنى أن الإنسان يترك مالا يعنيه لأنه مسؤلاً عن كل عمله حتى السمع والبصر والفؤاد..
بسم الله الرحمن الرحيم
نتابع ...
أيها الولد ..
النصيحة سهلة ، والمشكلة قبولها لأنها في مذاق متبعي الهوى مر.
إذا المناهي محبوبة في قلوبهم ، على الخصوص لمن كان طالب العلم الرسمي مشتغلاً في فضل النفس ومناقب الدنيا فإنه يحسب أن العلم المجرد له سيكون نجاته .
وخلاصة فيه ، وأنه مستغن عن العمل ، وهذا إعتقاد الفلاسفة..سبحان الله العظيم !!!
لايعلم هذا القدر أنه حين حصل العلم إذا لم يعمل به تكون الحجة عليه أكبر ..كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لا ينفعه
الله بعلمه ".
وروى أن الجنيد قدس الله روحه رئي في المنام بعد موته فقيل له: ما الخبر يا أبا القاسم ؟ قال: (طاحت العبارات ، وفنيت الإشارات ، وما نفعنا إلا ركعات ركعناها في
جوف الليل".
أيها الولد ..
لاتكن من الأعمال مفلساً ولا من الأحوال خالياً وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد .
مثاله لو كان على رجل في برية عشرة أسياف هندية مع أسلحة أخرى وكان الرجل شجاعاً وأهل حرب فحمل عليه أسد عظيم مهيب ، فما ظنك؟
هل تدفع الأسلحة شره عنه بلا إستعمالها وضربها؟
ومن المعلوم أنها لاتدفع إلا بالتحريكوالضرب فكذا لوقرأ رجل مائة ألف مائة مسألة علمية وتعلمها ، ولم يعمل بها إلا بالعمل .
ومثاله أيضاً لو كان لرجل حرارة ومرض صفراوي يكون علاجه بالسكنجبين والكشكاب فلايحصل البرء إلا بإستعمالها .
أيها الولد ..
لو قرأت العلم مائة سنة ، وجمعت ألف كتاب ، لا تكون مستعداً لرحمة الله تعالى إلا بالعمل لقوله تعالى "وأن ليس للإنسان إلا ماسعى "..وقوله تعالى " فمن كان يرجوh لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ".وقوله تعالى "جزاء بما كانوا يكسبون" وقوله تعالى "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنلت الفردوس نزلاً ،خالدين فيها
لايبغون عنها حِوَلا" ..وقوله تعالى " إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً"..
وما تقول في هذه الأحاديث ؟ "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً"..
والإيمان :قول باللسان ، وتصديق بالجنان ، وعمل بالأركان ودليل الأعمال أكثر من أن يُحصى ، وأن كان العبد يبلغ الجنة بفضل الله تعالى وكرمه لكن بعد أن يستعد
بطاعته وعبادته ، لأن رحمة الله قريب من المحسنين "..
ولو قيل أيضاً :يبلغ بمجرد الإيمان .
قلنا: نعم .لكن متى يبلغ ؟ وكم من عقبة كئود تستقبله إلى أن يصل؟ وأول تلك العقبات عقبة الإيمان : أنه هل يسلم من السلب أم لا ؟ وإذا وصل يكون جنيا- أي خائباً يرجع
إلى ربه دون عمل ينفعه- مفلساً .
وقال الحسن البصري رحمه الله : يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة : أدخلوا ياعبادي الجنة برحمتي وأقتسموها بقدر أعمالكم ".
يتبع وفعلاُ كلنا ذاك الولد ..وكل شخص يعتبر كاف الخطاب موجها له حتى يتغير للأفضل فالله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم ..والله المعين أنت بس أنوي 
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الولد ..
مالم تعمل لم تجد الأجر..
حكى ان رجلاً من بني اسرائيل عبدالله تعالى سبعين سنة ،فأراد الله أن يجلوه على الملائكة ، فأرسل الله إليه ملكاً يخبره أن مع تلك العبادة لا يليق به "دخول الجنه"
فلما رجع الملك قال الله تعالى : ماذا قال عبدي؟ قال: إلهي ..أنت أعلم بما قال، فقال اله تعالى :إذا هو لم يعرض عن عبادتنا ، فنحن - مع الكرم- لا نعرض عنه أشهدوا يا ملائكتي
أني قد غفرت له "..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل توزنوا ..
وقال علي رضي الله عنه ( من ظن أنه بدون الجهد يصل فهو متمن ومن ظن أنه ببذل الجهد يصل فهو مستغن) ، وقال الحسن رحمه الله (طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب) وقال :علامةالحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك العمل).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله )..
أيها الولد..
كم من ليلة أحييتها بتكرار العلم ومطالعة الكتب ، وحرمت على نفسك النوم ، لا أعلم ماكان الباعث فيه؟ إن كانت نيتك نيل عرض الدنيا ، وجذب حطامها وتحصيل مناصبها
والمباهاة على الأقران والأمثال فويل لك ثم ويل لك ، وإن كان قصدك فيه إحياء شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وتهذيب أخلاقك وكسر النفس الأمارة بالسوء ، فطوبى لك ثم طوبى لك ..
ولقد صدق من قال شعراً..
سهر العيون لغير وجهك ضائع = وبكاؤهن لغير فقدك باطل
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الولد..
عش ماشئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه وأعمل ماشئت فانك مجزي به..
أيها الولد ..
أي شيء حاصل لك من تحصيل علم الكلام (الكلام الذي يبحث فيه عن ذات الله وصفاته وأفعاله ويقال له علم التوحيد) ،
والخلاف (الجدل ورفع الشبه ، وتقرير الحجج الشرعية والأدلة الإيمانية )
والدواوين(والمراد بها مايجمع فيها من الشعر وغيره من تعداد الجيوش وأهل العطايا وأول من وضعه عمر بن الخطاب) ،
والأشعار والنجوم (هو علم يعرف به التشكيلات الفلكية على الحوادث)
والعروض والنحو والتصريف غير العمر بخلاف ذي الجلال (والمراد بذي الجلال كلام ذي الجلال سبحانه فهو نبراس العقول هداها ونورها وقال الإمام الغزالي ليس التقليل من أهمية علوم الدنيا
لا سيما ما يتوقف عليها مصالح العباد وإنما يريد أن لا تنشغل بعلوم الدنيا كله عن ذات الله تعالى
وذكره وعبادته واتباع أوامره واجتناب نواهيه ، وتزكية النفوس وإيثار ماعند الله على الحياة الفانية .
أني رأيت في الإنجيل أن عيسى عليه السلام قال: (من ساعة يوضع الميت على الجنازة إلى ان يوضع على شفير القبر يسأل الله بعظمته منه أربعين سؤالاً ، أوله : يقول : عبدي ...طهرت منظر الخلق سنين وما طهرت منظري ساعة وكل يوم ينظر في قلبك
يقول الله تعالى : ما تصنع لغيري وأنت محفوف بخيري..(أما أنت أصم لا تسمع؟!)