قبل البدء لا بد من الإعتراف بالفضل للعلامة حمد الجاسر رحمه الله فقد قام بنشر وتحقيق كتب كثيرة أنارت لنا هذا الدرب منازله وتاريخه *ومن أعظم أعماله تحقيق ونشر كتاب الدرر الفرائد المنظمة لعبدالقادر الجزيري وكذلك نشره لكثير من رحلات المغاربة.
ونحن هنا لسنا في مقام بحث مفصل بل ننشر معلومات تاريخية وجغرافية عن هذا الدرب كما ذكرها الرحالة القدماء ثم نقارنها بمشاهداتنا الشخصية في رحلتنا في عطلة عيد الفطر حيث قمنا بمتابعة الجزء الأول من هذا الدرب من حقل الى الوجه.
هذا الدرب المهم لم يكن للحجاج المصريين فقط فهو درب لحجاج ليبيا وتونس والمغرب العربي كما يسلكه حجاج أفريقيا من غانة وبلاد التكرور وغيرهم بل كان هو درب الحجاج الأندلسيين
تغير مسار الدرب المصري عبر القرون بحسب الظروف السياسية والتطور التقني .
وقد قسم د.علي غبان المراحل التي مر بها درب الحج المصري الى أربع مراحل
المرحلة الأولى
وتمتد من الفتح الإسلامي لمصر وحتى منتصف القرن الخامس الهجري وكان للطريق خلالها مساران في الجزيرة العربية:أحدهما داخلي والاخر ساحلي (وهو الذي ذكره ابن حوقل)
المرحلة الثانية
مرحلة طريق عيذاب وتمتد من عام نيف واربعين واربعمائة الى عام 666*وخلال هذه الفترة توقف استخدام الطريق البري في شمال الحجاز وكان الحجاج المصريون يركبون السفن النيلية الى قوص ثم يسافرون بالقوافل الى عيذاب ثم يعبرون البحر الى جدة
المرحلة الثالثة
وتمتد من سنة 667هجري الى 1301 وخلالها عاد الحجاج الى استخدام الطريق البري الساحلي
المرحلة الرابعة من 1301 الى الآن
توقف استخدام الطريق البري وصروا يسافرون بحرا من السويس. قلت وجوا الى جدة
دروب الحج من مصر
رقم خمسة الدرب النيلي عبر عيذاب
رقم أربعة الدرب الساحلي-موضوع رحلتنا وبينهما الدرب البحري
بن حوقل(القرن ارابع) وصف الدرب في عصره بقوله: ومن مصر الى المدينة على الساحل عشرون مرحلة ومجتمعهم مع أهل الشام بأيلة وفي ضمن المصريين يحج المغاربة وربما تفردوا بأنفسهم الا انهم يتفقون في مناخ واحد وربما تقدموا فيكون بينهم ان ينزل احدهم ويرحل الآخرون او يتأخرون على هذا السبيل .
ولأهل مصر وفلسطين اذا جازوا مدين طريقان أحدهما الى المدينة على بدا و شغب قرية بالبادية كن بنوا مروان اقطعوها الزهري وبها قبره حتى ينتهي الى المدينة على المروة
وطريق يمضي على ساحل البحر حتى يخرج بالجحفة فيجتمع بها أهل العراق ودمشق وفلسطين وأهل مصر
قلت:لما ضعفت الحكومة المركزية انقطع الدرب البري الداخلي خوفاً من العرب وبقي الطريق البري الساحلي.
وقد بلغ الدرب الساحلي ذروة مجده من حسن التنظيم وفخامة المركب وعدد الحجاج ذروته في آواخر العد المملوكي في القرنين التاسع والعاشر
متى انتهى درب الحج المصري عبر البر؟
يمكن اعتبار افتتاح قناة السويس وتطور السفن من أهم أسباب ترك الحجاج للبر وتفضيل البحر عليه فقد كثر عبور السفن من قناة السويس وقد يستغلون فراغ سفنهم بكسب المال عن طريق نقل الحجيج
وقد كان الانجليزي ريتشارد بيرتون الذي كان في المويلح عام 1295-1878م شاهد عيان على تدهور القافلة السنوية بقوله
عندما عدنا الى المويلح كانت قافلة الحج قد فاتتنا وهي عائدة الى مصر *لقد تدهورت حالة قافلة الحج من عزها منذ ربع قرن فبعد ان كانت تقاد من قبل باشا او اثنين صار يرأسها رجل برتبة بيه لقد تقلص عدد”المؤمنين” من آلاف كثيرة الى ما لا يزيد عن 800 شخص. هذه السنة لم يمر منهم بالمويلح سوى 80 بل ان المحمل صار ينقل بالبابور.كل هذا رغم ان عدد الحجيج الواقفين بعرفات زاد مؤخرا عن ما مضى*صار الأغلبية يفضلون الإبحار على السفر بالبر*اما الأغنياء منهم فيفضلون استئجار كبينة على بواخر “الكفار” اما الفقراء فيختارون السنابيك”المؤمنة”..اذا استمر هذا الوضع فلن يبق من قافلة الحج الا المحمل وحراسه
قلت:قد صدق حدس بيرتون فقد تناقص عدد الحجاج ولم يعد يأتي مع الدرب البري سوى المحمل و200 من الجنود كما وصف ذلك محمد باشا صادق سنة 1297هجري ثم انه حتى المحمل جيء به عن طرق البحر سنة 1302هجري
رحلة حج السلطان قايتباي سنة 884هجري
نشرها حمد الجاسر في مجلة العرب وسنورد هنا مراحلها من حقل الى المدينة كنموذج لمنازل الطريق المهمة :
من عقبة أيلة ثم ركب مولانا الشريف نصره الله تعالى ضحوة يوم السبت ثانيه ونزل بدوار حقل
ثم ركب منه قبل نصف الليل
ثم غدّى بالشرفة(هي شرف بني عطية) ضحوة يوم الأحد
ثم ركب منه وبات بالقرب من وادي عفال
ثم ركب منه قبل نصف الليل الى صبيحة يوم الاثنين وغدّى
ثم ركب منها قبل الظهر ووصل مغارة شعيب (بلدة البدع حالياً) آخر النهار وبات بها الى قبل نصف الليل
وركب منها الى ان وصل قبر الطواشي صبيحة يوم الثلاثاء وغدى بها وكان المتعشى بعيون القصب
ثم ركب منها يوم الاربعاء وغدى بالشرما
ثم عشى بالمويلحة ثم ركب ليلة الخميس وغدى بالقسطل
ثم عشى بالقرب من حدرة دامة
ثم ركب ليلة الجمعة ثامنه وغدى وعشى بطريق الأزلم
ثم ركب ليلة السبت تاسعه وغدى بالأزلم وعشى بسماوة
ثم ركب الى ان وصل الى الدخاخين وغدى بها
ثم عشى بإصطبل عنتر في يوم الأحد عاشره ثم ركب ليلة الاثنين حادية عشرة الى ان وصل الى وادي الاراك وغدى به
ثم عشى في الوجه
ثم سرد بقية المنازل الى مكة لكن نتوقف هنا لأننا سنتكلم عن هذا الجزء الممتد من حقل الى الوجه
عبد القادر الجزيري الحنبلي
لعل أفضل من كتب عن دروب الحج وقافلة الحجاج هو هذا العلامة متعدد المواهب .ولد عام 911 وكان والده كاتب ديوان الحج(بمعنى انه المسؤل عن ميزانية الحج وتنظيم المشتريات والمصاريف وعوائد العرب وغيرها)وقد ورث والده في هذه الوظيفة منذ عام 940 في أواخر عهد المماليك ثم بدايات العثمانيين واستمر في هذه الوظيفة أكثر من عشرين عاماً.
كان رحمه الله متعدد المواهب فهو مؤرخ وشاعر وأديب وباحث آثار وله مؤلفات كثيرة رأيت منها كتاباً طريفاً عنوانه _الصفوة في حل القهوة)يرد فيه على من حرم القهوة التي ظهرت ذلك الوقت.
سيكون كتاب الجزيري هو مصدرنا الأساسي في هذا البحث ثم نستعين بكتابات الرحالة المغاربة.
كان الجزيري دقيقاً في كتاباته ويدل على هذا أنه كان يقيس المسافات الزمنية بآلة تشبه الساعة ويحدد وقت الاقامة والرحيل
يقول:
ما حررته سنة 955 هجري بمنكابين محررين: اما الطلعة فأربعة أرباع ساعاتها 424 ساعة وثلثان من الساعة ومنازلها 54 منزلة لا غير * عن ذلك بحكم الدرج 6770درجة
الربع الأول:16 منزلة من صحراء القاهرة الى عقبة أيلة وهو قليل الماء والشجر ساعاته 112 ساعة وثلث من الساعة يكون عن ذلك بحكم الدرج 1685درجة
الربع الثاني(وهو موضوع رحلة فريق الصحراء هذا العام)
ظهر الحمار-100 درجة
-وادي عفان-260درجة
-المظلو-90درجة
-مغارة شعيب-130 درجة
-قبر الطواشي-70 درجة
-عيون القصب-160درجة
-الشرمة-75درجة
-المويلح-140درجة
-دار السلطان-125درجة
-سيدي مرزوق-110درجة
-الأزلم-170درجة
ثم ذكر دركه انه للرشيدات من بني عطية الى كبيدة جنوب مغارة شعيب ثم يكون الدرك لبني عقبة الى حدرة دامة ثم يكون الدرك لبلي
الربع الثالث:14 مرحلة وهو من الأرباع المعطشة ان لم يكن بالوجه ماء وأطولها وأوحشها* ساعاته 115 ساعة عنها 1725درجة
-تلبة-160درحة
-الشرنبة-100درجة
-الوجه140درجة
الربع الرابع من ينبع الى مكة المكرمة 13 مرحلة قال عنه :انه لطيف مأنوس ساعاته 102 عنها بحكم الدرج 1530درجة
ومما يشتمل عليه ديوان امرة الحاج
تجهيز الحمول
تجهيز الجمال وكان عدد الجمال للحملة يتراوح بين 1400 الى 1600 بعير وقد تقل الى 800 في بعض السنيين وهذه فقط جمال الحملة الرسمية التي ينظمها الجزيري حسب الميزانية ولا تشمل جمال الحجاج
وكان الجزيري بحكم انه كاتب امرة الحج مسئولاً عن جامكية(رواتب)الموظفين الملحقين بالحملة واذا كنت أيها القاريء العزيز تظن أن هذا أمر بسيط فاليك نموذج من الوظائف التي لها جامكية كنموذج على متى عظم حملة الحج المصرية
أضف الى هذا أن لديه سجل عن كل القبائل التي يمر بها الدرب لكي يدفع لهم الصرة المقررة لهم من أجل خفارة الحج وتجنباً لشرورهم.
والان نصحبكم عبر هذا الدرب منذ أن يصل جزيرة العرب في منطقة حقل وبالله التوفيق