عندما تضرب ايران، ستسقط تركيا وباكستان
جون ستانتون*
تتصاعد وتيرة الحديث عن تدمير ايران في مختلف وسائل الاعلام، الا ان هذه التغطية المستفيضة تغفل او تتغافل عن الحديث عن عواقب هذه الخطوة، وكذلك يخلو خطاب البنتاغون عن ادارة نتائج هذه الضربة والمؤسف في الأمر ان غالبية من يطالب بشن الضربة ـ ومن مختلف شرائح المجتمع ـ يفعلون ذلك وكأنهم يطلبون وجبة بيتزا من احد المطاعم. ان ذلك الموقف يدلل على فراغ فكري كبير في المجتمع الا يوجد من يفكر بأن هجوما من هذا النوع سيتسبب في مقتل الآلاف من العسكريين في الجانبين معظمهم من الشباب.
وسيصل عدد الضحايا من المدنيين الى عشرات الآلاف. وسيتسبب الهجوم في سلسلة ردود أفعال قد تخرج عن نطاق السيطرة. ومع عدم وجود بلد او مجموعة بلدان قادر على نزع فتيل الازمة فإن حربا عالمية جديدة قد تكون في الافق. وبالتأكيد فإن موقف الولايات المتحدة لن يسمح لها بمواجهة التداعيات خاصة اذا استخدمت الاسلحة النووية.
جاء في نشرة لوكالة رويتر للانباء في العشرين من ابريل الماضي ان تركيا زادت قواتها الموجودة في الجنوب الشرقي ليصل الرقم الى مائتين وتسعين الف عسكري. وقامت الحكومة التركية بذلك الاجراء لأن حكومة اقليم كردستان في العراق والمدعومة من الاميركيين قد تزود حزب العمال الكردي التركي ( البي كي كي) بالسلاح والمعلومات حول التحركات العسكرية التركية في مدن جنوب تركيا. ومن المحتمل ان تقوم الجماعات المسلحة في العراق بتدريب مقاتلي البي كي كي على اساليب القتال التي اثبتت نجاحها ضد القوات الاميركية. كانت تركيا، كما كان صدام حسين، قاسية في قمعها للاكراد، وهذا القمع طبقا لما يقوله المؤتمر الوطني الكردي ما زال متواصلا حتى اليوم على يد افراد الشرطة السرية التابعة للجيش التركي. فاللغة الكردية لم يعترف بها الا في عام 1991 وتواصلت عمليات تهجير الاكراد حتى عام 2002 عن اماكن تمركزهم في جنوب تركيا.
وقد تحدثت الحكومة التركية مراراً عن ازدواجية الموقف الاميركي بشأن الورقة الكردية فقد نأت الولايات المتحدة بنفسها عن معركة تركيا والاكراد في حين دعمت الجماعات الكردية في سوريا وايران بالمساعدات المالية وقد اغضب ظهور اقليم كردستان في العراق القادة الاتراك. عندما زارت كوندليزا رايس تركيا في ابريل الماضي جرت مناقشة تلك القضايا.
يوجد في ايران اربعة ملايين كردي (يصل عددهم في تركيا الى عشرين مليونا) وما لاقوه لا يختلف عن مصير اكراد تركيا. وينقسم اكراد ايران حسب اسلوب تفكيرهم بالعمل فالجبهة الكردية المتحدة التي تشكلت في مستهل هذا العام تفصل العمل ضمن النظام السياسي الموجود بغية ضمان حقوق الاكراد وهذه المجموعة تتلقى دعما ماديا اميركيا اما المجموعة المسلحة الكردية التي تسمى بيجاك وهي تحظى بدعم الحكومة الاميركية وتتعاون مع القوات الخاصة الاميركية ووكالات الاستخبارات الاميركية داخل ايران فهي تتبنى العمل المسلح لاسقاط النظام الحالي.
والمشاكل في تركيا لا تقتصر على الاكراد فهناك اتهامات موجهة الى رجب اردوغان رئيس الوزراء بأن تركيا تتجه صوب الحكم الديني.
الانتخابات القادمة (2007) ليست بعيدة واردوغان لا يريد ان يصور على انه اسلامي راديكالي لانه سيغضب قادة الجيش التركي، او بمعنى اصح الجيش الاميركي. وقد رفض اردوغان بشدة، وفي مواجهة له مع رئيس الجمهورية احمد نجدت سيزار، الاتهامات التي تقول بأنه يتجه بتركيا من الحكم العلماني الى التطرف الاسلامي. في كلمة له امام طلبة الاكاديمية الحربية قال رئيس الجمهورية ان التطرف الديني وصل إلى حدود غير مقبولة. ان التطرف الاسلامي يحاول اختراق اجهزة الشرطة والتعليم والدولة. انه يقضي بشكل مبرمج على القيم..
عندما تتطاير القنابل على ايران، فإن الاكراد سيغتنمون الفرصة، وسيقاتلون من اجل دولة مستقلة لهم على اجزاء من تركيا وايران وسوريا والعراق. ذلك ليس بحلم مستحيل. فالمؤتمر الوطني الكردي الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له يطالب بدولة كردستان الحرة المتحدة. اخيرا ان غزوا لايران سيشترك به الاكراد بشكل او بآخر. كما ان تركيا بلد عضو في حلف شمال الاطلسي وفيها بعض الاسلحة النووية التكتيكية التابعة للحلف، وكما قال رامين جاهينبيغلو في صحيفة الديلي ستار فإن مشاركة تركيا في اية عملية اميركية او اسرائيلية عسكرية ضد ايران تعتبر واردة، بعد اتفاق بين الاتراك والاسرائيليين.
ان آسيا الوسطى والشرق الاوسط سيتحولان الى بحر من الدم بعد دقيقة واحدة على شن الهجوم على ايران. في باكستان تحظى الولايات المتحدة بوجود كبير حيث استخدمت الاسلحة والتقنية الاميركية لقمع ثورة في اقليم بلوشستان وهو مقر اجراء التجارب النووية الباكستانية وغني بالطاقة والولايات المتحدة تدعم جماعات مسلحة مناوئة لباكستان في الاقليم في سعيها لاختراق تجارة المخدرات والسوق السوداء للاسلحة النووية وبقايا حركة طالبان وبعض الجماعات الاسلامية المسلحة مثل القاعدة التي استوطنت المناطق النائية من اقليم بلوشستان كان التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الاميركية (المعروف بتقدير الدول) في عام 2004 عن باكستان متعاطفا مع ذلك البلد الذي وصفه بانه حليف اساسي للولايات المتحدة في حربها الطويلة ضد الارهاب وقال ان باكستان تسيطر على شؤونها الداخلية. الا ان الوضع على الارض مختلف تماما.
في مقالة في شهر فبراير في صحيفة السندتودي جاء في العنوان الرئيسي استخدام الغازات السامة والطائرات المروحية ضد شعب بلوشستان. ثم نقرأ سبح اقليم بلوشستان وهو الاكبر والاغنى بين الاقاليم الباكستانية ببحر من الدم من جديد عندما قتل العديد من الابرياء في عملية للجيش الباكستاني قال افتاب شيرباو وزير الداخلية الباكستاني ان العملية الاخيرة لم تتسبب في مقتل النساء او الاطفال لكن الصور التي التقطت اظهرت مقتل العديد من الاطفال في عمليات القصف، وهؤلاء بالتأكيد ليسوا ارهابيين.
وتتكتم باكستان على الاخبار التي تتناول شراسة القتال ضد البلوش. وقد بلغت خسائر الجيش الباكستاني في تلك العملية لاكثر من مائة قتيل اضافة الى آلاف الجرحى. وقال الرئيس الباكستاني ان تلك الخسائر وقعت في القتال ضد الارهابيين الاجانب. الا ان الواقع يشير الى ان بلوشستان تقاتل من اجل الاستقلال.
وجاء في (انديا مونيتر) في يناير من هذا العام ان السيناتور سنا الله بلوش وهو عضو بارز في الحزب الوطني البلوشي قال اذا استمرت اعمال القمع في اقليم بلوشستان فلن يكون امامنا سوى ممارسة حقنا في تقرير المصير واقامة دولة مستقلة. الجميع يعرف اليوم ان بقاء باكستان يعتمد على بلوشستان وفي إشارة الى المصادر الطبيعية والاهمية الاستراتيجية لهذا الاقليم في المنطقة، اضاف سنا الله ان ثورة المعلومات قد جعلت العالم مكانا صغيرا، واليوم لا يمكن خداع الشعب البلوشي وهم يريدون حقوقهم.
بالاضافة الى ذلك فإن الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والهند الذي وقع في مارس الماضي يفترض به ان يكون إشارة موجهة الى روسيا والصين تقول ان الولايات المتحدة دولة عظمى. يبدو ان الولايات المتحدة لم تفكر بعواقب توقيع هذا الاتفاق مع بلد لم يوقع على اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية عمدت باكستان الى زيادة قدراتها النووية. عرضت الصين على باكستان بناء مفاعلات نووية وهي (اي الصين) تتلاعب بعملتها في مواجهة الرخاء الاميركي وعمدت روسيا على تطوير قدراتها النووية. وهناك تقارير تتحدث عن قيام السعودية بشراء اسلحة نووية تكتيكية وبدأت ببناء منشآت نووية عسكرية ومدنية. وفي اميركا الجنوبية زادت البرازيل من الانتاج في منشآتها النووية وهي لن تسمح بدخول المفتشين الى بعض المنشآت. وهناك احتمال ان تقدم فنزويلا ببناء برامج نووية او انها تقوم بشراء الاسلحة النووية من السوق السوداء كما فعلت السعودية.
وعلينا ان لا نغفل الاشارة الى ما يجري داخل الولايات المتحدة، فثورة الجنرالات (مثل غريغوري نيوبولد وانطوني زيني) احتلت حيزا هاما في الاعلام الاميركي وكان طلبهم بإستقالة دونالد رامسفيلد حدثا غير مسبوق في التاريخ العسكري الاميركي وهو دليل على ان المعارضة الوحيدة للقيادة المدنية التي فقدت صوابها جاءت من العسكر ومن الشركات، اما الديمقراطيون فهم يمثلون جانبا من المشكلة لكنهم لا يمثلون الحل، اما بوش فهو يطبق ما يمليه عليه رامسفيلد وتشيني.
علينا ان نتذكر ان الجنرالات هم مساهمون رئيسيون في الشركات مثلا نيوبولد هو المؤسس الثاني لشركة غلوب سيكناين وانطوني زيني هو عضو في مجلس ادارة فيرتاس كابتالز (بالاضافة الى عدد من كبار قادة الجيش) وتساهم مؤسسات وول ستريث المالية في تمويل تلك الجماعات وربما احسوا بأن رامسفيلد يقف عثرة بوجه الجيش والشركات. وتساهم الوكالات الاستخبارية مثل السي اي ايه بشكل علني وسري في الشركات وسوق الاسهم.
ومع التمرد في الجيش والشركات، وزيادة عدد المتورطين من ادارة الرئيس بوش في قضية فاليري بالم وجو ولسون في السي اي ايه، يقفز الى الذهن سؤال يقول كيف يتسنى لهذه الادارة قيادة الامور بعد الهجوم على ايران.
ان الولايات المتحدة تتصرف وكأنها القوة التي لا يمكن مواجهتها فأية قوة عظمى يزداد فيها عدد الفقراء والمشردين والباحثين عن عمل ولا تستطيع اعادة بناء احدى اقدم المدن فيها (نيواورلينز) التي ضربها اعصار كاترينا؟ واية قوة عظمى ترفض تقديم التنازلات او التفاوض وتعامل بقية الدول مثل الصين وروسيا على انها بلدان ادنى مستوى منها؟ انها مجرد دولة النمر الورقي.
ماذا عن ايران؟ الاجابة وببساطة تتكون من جزءين احالة الملف الايراني الى منظمة شنغهاي للتعاون وهي حلف امني شبيه بالناتو تقوده الصين وروسيا. لكن ايران ستدخل تلك المنظمة قريبا. لماذا لا تقوم تلك المنظمة واثناء بنائها لمنشآتها النووية بمراقبة تلك المنشآت. تريد ايران ان تصبح طرفا اساسيا في مجال الطاقة في المنطقة التي (وايران تعرف ذلك جيدا) تسيطر عليها الصين وروسيا، تريد الولايات المتحدة ان تسيطر على النفط وعلى منطقة آسيا الوسطى لكن ذلك لن يحدث سيكون للاكراد والبلوش دولتاهما المستقلتان وسيكون للايرانيين والبرازيليين منشآتهما واسلحتهما النووية وسيكون للصين سطوتها وسيعود الروس الى نفوذهم السابق وسيحصل الفلسطينيون على حقوقهم.
والحل الثاني هو المفاوضات تحتاج الولايات المتحدة اليوم اكثر من السابق العودة الى مائدة المفاوضات، علينا العودة الى الفقرة التاسعة من وثيقة مجلس الامن المرقمة 68 التي صدرت في عام 1950 والتي كانت تتحدث عن الاتحاد السوفيتي (يجب على الدول الحرة ان تكون مستعدة دائما للتفاوض وان تأخذ زمام المبادرة في المفاوضات. عليها ان تطور وضعها التفاوضي الذي يحدد القضايا والشروط التي على ضوئهما تكون تلك الدول مستعدة لتوقيع الاتفاقيات وبأية مرحلة يجب ان تكون الشروط عادلة بنظر الرأي العام وهذا يعني انها تتوافق مع برنامج ايجابي للسلام وكذلك توافق مع ميثاق الامم المتحدة ويساعد في الحد الادنى الى الحد الفعال من التسلح بجميع اشكاله بواسطة الامم المتحدة او اية منظمة بديلة لها.
جون ستانتون*
* صحفي متخصص بالشؤون السياسية وشؤون الامن القومي. وهو مؤلف كتابي (قوة لكن ليست عظمى) و(كابوس الولايات المتحدة) (مشترك) ـ نقلا عن صحيفة البرافدا الروسية.
[blink]الشهاب[/blink]