د. عبدالرحمن الشلاش
الموظف الحكومي الذي تنفق عليه الدولة الكثير لتعليمه قبل توظيفه ثم تدريبه أثناء الخدمة.. وإعادة تأهيله عند الضرورة لمواجهة متطلبات وظيفية جديدة أو مهام مستحدثة.. يكتسب معارف وخبرات ومهارات لايمكن تقدير ثمنها..أو قياس وزنها فقد أخذت الكثير من الجهد والمال والوقت.. وعند تقييم المردود نجد أن ما يعطيه الموظف طيلة فترة عمله المحدودة أقل من طموحه وآمال مؤسسته حتى إذا ما بلغ السن النظامية وتقاعد،أو طلب الإحالة للتقاعد مبكرا انتهت الاستفادة منه وتوقفت تماما.
المتقاعدون.. وكذا المتقاعدات على ضروب.. فمنهم من تكون الوظيفة بتقاعده قد تخلصت من حمل ثقيل... وربما تلفي مديره غير مصدق"بحادثة التقاعد". وقد يبادر إلى تكريمه وتوديعه سريعا.. ومنهم من يتجه لأعماله الخاصة فيضع فيها كل ما اكتسبه من خبرات.. وما تولد لديه من أفكار.
الفئة الثالثة من المتقاعدين وهم محور مقالنا هذا أولئك الذين خرجوا من الوظيفة بقوة النظام.. وواكب تقاعدهم اسف إداراتهم وزملائهم عليهم كونهم يملكون من الخبرات ما يغني عن عشرات الموظفين.. هؤلاء سيتجهون إلى منازلهم فورا.. وسيفقد العمل بمغادرتهم كوادر بشرية عالية التأهيل تمثل"بيوت خبرة" يمكن للجيل الجديد الاستفادة من تواجدهم.. والتدرب على أيديهم. والإفادة مما لديهم من أفكار.
أنا لا أطالب بإعادتهم للخدمة النظامية.. أو التمديد لهم لأن في ذلك أيضا حجباً لحقوق الأجيال الجديدة المتطلعة للعمل.. وتعارضا مع سنة الحياة في التجديد والتغيير.. لكنني أحث المعنيين بالأمر ببحث السبل والطرق التي تمكننا من الاستفادة من تلك الأعداد الكبيرة ذات الخبرات العالية والتي تقدر بالآلأف..وتغادرنا كل سنة دون عودة.. يطويهم النسيان..ويقتلهم السأم والملل.. ويعيشون على راتب تقاعدي ضئيل قد لا يفي البتة بمتطلباتهم المعيشية وقد يضعهم في موقف لا يحسدون عليه.. وتخسر قطاعاتنا بفقدهم خبرات لا مثيل ولا نظيرلها.
من جانبي أرى أن يتم تصنيف المجالات التي لازالت الحاجة فيها قائمة وملحة:ومنها على سبيل المثال في التدريس الجامعي:الطب والهندسة والصيدلة والحاسب الآلي والتخطيط واللغات..وفي الوظائف الحكومية: وظائف المحاسبة والتخطيط والشئون المالية..ووظائف الخبراء والاستشاريين والأطباء والمهندسين...الخ
ثم إيجاد نظام تعاقد مع المتقاعدين من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات والكليات..للاستفادة من خبراتهم في التدريس والإشراف وفكرهم في اللجان الاستشارية والتطويرية يكون في مصلحة العمل من جهة والمتقاعد من جهة أخرى وبنفس الطريقة يمكن استحداث نظام مرن للتعاقد مع المميزين من الموظفين في المجالات التي ذكرتها وبمميزات مقبولة..ويمكن تطبيق نظام العمل بالساعة.. وبنظام المكافأة بالمحاضرة ونظام العمل بالمكافأة المقطوعة ومكافآت الجلسات والمشاركة في اللجان..وكلها نظم موجودة في وزارة الخدمة المدنية لكنها تحتاج إلى تحديث لتواكب المستجدات ثم لتفعيل..وإضافة نظم تتيح للمتقاعد العمل دون إلزامهم بالحضور كمراجعة النظم واللوائح والاستشارات وغيرها.