بقلم / ريم أبو عيد
بادئ ذي بدء أعلم أن الموضوع الذي سأطرحه اليوم خاض غمار الحديث فيه كثيرون من قبل وأن الآراء اختلفت فيه ما بين مؤيد ومعارض، ولكني أطرحه من وجهة نظر أمرة مسلمة تدرك حقيقة أن الله كرم المرأة وشرع لها من الحقوق ما لم تشرع لها ديانة أخرى وأن المرأة كيان له كرامة وعقل وإرادة وليس فقط مجرد مخلوق خلقه الله لإشباع غرائز الرجل.. امرأة ترفض ان تقبل بعض بنات جلدتها المهانة باسم الزواج من أجل "ظل رجل" الحائط قد يكون أفضل منه لسترهن في بعض الحالات.
قال تعالى في كتابه الكريم "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" سورة الروم: آية 21.فالزواج الذي شرعه الله لبني آدم الأصل فيه السكن والاستقرار، وكماهو معروف أن الأسرة هي نواة لمجتمع فإن صلحت واستقام أمرها صلح المجتمع بالتبعية، وان التفكك الأسري يؤثر تأثيراً طردياً على استقرار المجتمع ككل كذلك. وكما هو معروف أيضاً ان الله شرع الزواج ليكون علاقة مقدسة تربط بين رجل وامرأة ارتضيا معاً ان يكونا شريكين في الحياة وان يتحملا سوياً أعباء الأسرة التي يتقاسمان مسؤولية إقامتها والاعتناء بها كل تبعاً لدوره في هذه الأسرة، وقد جعل الله الغريزة الجنسية في الإنسان للحفاظ على النوع البشري ولكنه قنن إشباعها من خلال مؤسسة الزواج الشرعية احتراماً لكيان الإنسان الذي كرمه على سائر مخلوقاته كما حرم الشرع إشباع هذه الغريزة خارج إطار الزواج ووضع عقوبات صارمة لمن يخالف ذلك في الدنيا والآخرة.
ورغم أن الله خلق هذه الغريزة في الإنسان ولكنه خلق فيه كذلك العقل والإرادة وجعله مكلفاً ومحاسباً على أفعاله وحين شرع الله الزواج للإنسان لم يشرعه فقط كوسيلة للمتعة وقضاء الشهوة إنما لكي تكون الأسرة هي نواة لمجتمع إسلامي وإنساني سليم أي أن إشباع الغريزة الجنسية جزء من الحياة الزوجية لا ننكر أهميته ولكن في الوقت نفسه لا يجب أن ننظر اليه على أنه هو المعيار الوحيد والأساسي الذي تقوم عليه العلاقة بين الرجل والمرأة في الحياة الزوجية.
وحين يأمرنا الله بأمر ما فهو أعلم منا بمدى قدرتنا على الالتزام به إذ انه لن يكلفنا بما لا تطيقه أنفسنا ثم يحاسبنا عليه ان لم نستطع إتيانه، وكما ورد في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". متفق عليه. ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم على من لم يستطع الزواج أن يلجأ لأنصاف الحلول التي هي بين بين كالزيجات الكثيرة المستحدثة والمؤقتة التي يرتبط فيها رجل وامرأة بعقد مجازاً يسمى زواجاً من أجل إشباع الغريزة الجنسية فقط لا غير!!.
فالزواج ليس بحاجة الى أن يضاف اليه مسميات لتوصيفه او تصنيفه فالزواج زواج، اما ان يكون هناك شروط ما في العقد لا تخل بطبيعة الزواج نفسه ولا تتعارض مع الهدف الأساسي له من كونه سكناً للطرفين فليس هناك ما يمنع ذلك طالما ارتضى الزوجان بتلك الشروط. ولكن المهم أن يكون الزواج بنية بناء أسرة وبنية الاستمرار وليس بنية قضاء رغبة او تحقيق متعة وإشباع شهوة كما يحدث الآن.
واذا كان الأصل انه يمكن لكل من الرجل والمرأة ان يشترطا شروطاً ما لإتمام الزواج فهذا يعني انه لم تكن هناك حاجة لتصنيف الزيجات من الأساس التي تم إقحامها على مجتمعاتنا بحجة انها تعالج بعض المشكلات كالعنوسة او عدم القدرة على توفير مسكن وغيرها من الأسباب التي يتذرع بها من أباحوا الزواج تحت مسمى مسيار - مصياف - وناسة - مسفار - إلخ.. من المسميات والمضامين التي لا تتعلق بالزواج الذي أقره الشرع في شيء، خاصة في عصر خربت فيه الذمم وماتت فيه الضمائر، وقد أثبت واقع الحال أن الغالبية العظمى ممن يلجأون لهذه النوعية من الزيجات على مختلف مسمياتها إنما يلجأون إليها بهدف الاشباع المؤقت للغريزة الجنسية فقط، هذا غير المفاسد الكثيرة التي تترتب عليها كوجود أطفال ثمرة لتلك الزيجات يرفض الرجل ان ينسبهم اليه خوفاً من افتضاح أمره لدى زوجته الأولى الرسمية!! ألا يعد هذا اعترافاً ضمنياً منه أن المرأة التي ارتضت أن تعاشره في ظل زواج غير محدد الملامح ووافقت على التنازل عن كامل حقوقها الشرعية لم تكن في نظره سوى أنثى عابرة يشبع معها غريزته فقط!!.
إن الله أباح تعدد الزوجات للرجل كما انه حذر الرجال تحذيراً شديداً من عدم العدل بين النساء وأمرهم بأن يكتفوا بواحدة ان لم يكن باستطاعتهم العدل: "ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" الآية 129: سورة النساء، فالرجل اذاً لديه الحق شرعاً في أن تكون له أكثر من زوجة وأن يجمع بين أربع زوجات في آن واحد شريطة أن يعدل بينهن في الحقوق والواجبات، فما الحاجة إذاً لاستحداث أنواع عديدة من الزواج لا تمت للعدل بأية صلة وبها الكثير من الانتهاكات لحقوق المرأة المسلمة ولكرامتها أيضاً!!.
واذا كانت الحجة التي يتذرع بها البعض ان هذه الزيجات المتعددة هو حل مشكلة العنوسة فكان من الأولى بهم ان يبحثوا عن جذور المشكلة لمعالجتها من الأساس لا أن يفتحوا الباب على مصراعيه لكل رجل يريد الترفيه عن نفسه بامرأة ما لا يربطه بها سوى عقد مؤقت، لا مسؤولية، لا استقرار، لا سكن ولا شيء على الإطلاق من مقومات الزواج الذي شرعه الله.
ومؤخراً أصبحت النساء اللاتي يبحثن عن زوج مسيار يشترطن مهوراً مرتفعة وفيلات فاخرة وسيارات فارهة لإتمام ذلك العقد المؤقت!! في مقابل استمتاع الرجل بهن!! أي أن الأمر لم يعد الا صفقة بين الطرفين!! ولم يحل مشكلة المهور المرتفعة التي يقول البعض انها سبب لارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات!! رغم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقلهن مهراً أكثرهن بركة"، فكان من الأولى والأجدر بمن أفتوا بإباحة تلك الزيجات العديدة (التيك أواي) أن يقوموا بما لديهم من علم شرعي لتوجيه تفكير بعض الأسر والفتيات الذين يغالون في المهور.
والمغالاة في المهور ليس هو السبب الوحيد للعنوسة فبالإضافة اليه هناك رفض من بعض الأسر أن يتزوج فتياتها او شبابها الا من زوج او زوجة من نفس القبيلة ويتعنتون في الرفض مما يقلل فرص الزواج بالنسبة للشاب والفتاة على حد السواء، فأين هؤلاء من قول رسول الله: "اذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" ورغم ان البعض ضعَّف نص هذا الحديث الا ان البعض الآخر أقر معناه ولم يضعفه.
فالدين والخلق هما الأساس وليس القبيلة والنسب!! وان كان البعض يصر على أن يكون الزواج من نفس القبيلة فهل زواج المسيار او المصياف او ما شابه يحقق هذا العرف السائد!!.
ألم يكن من الأولى تصحيح هذه المفاهيم الجاهلية التي ما أنزل بها من سلطان والتي أدت الى تفشي العنوسة بين الفتيات وتعجيز الشباب عن إقامة أسرة بها من السكن والاستقرار ما يكفل صلاح المجتمع المسلم بأكمله. كما أن التجاء بعض السيدات المطلقات لهذه الزيجات في الخفاء بحجة الاحتفاظ بالولاية على أطفالهن يمكن معالجتها اذا طبق المجتمع مبدأ "ولا تنسوا الفضل بينكم" وعمل بالآيات الكثيرة التي تحث على "المعروف" بين المسلمين. فمن حق المرأة المطلقة شرعاً ان تتزوج لتعف نفسها على أن يحفظ لها هذا الزواج كافة حقوقها التي كفلها الله لها وان يصون لها كرامتها كامرأة مسلمة كما ان من حقها وإن تزوجت ان تظل علاقتها قائمة بأولادها من مطلقها حتى وإن انتقلت ولايتهم الى غيرها ومن حق الأولاد ألا يمنعهم أحد من رؤية أمهم متى أرادوا ذلك!! هذا هو الشرع الذي كفل لكل فرد في المجتمع الإسلامي حقوقاً يجب على الجميع تطبيقها واحترامها حتى لا تختل الموازين ومن ثم يعم الفساد والظلم. ان الحلول التي أجازها البعض لعلاج مشكلات ما في المجتمع أدت الى مشكلات أكبر وأدت الى ضياع حقوق المرأة وفي بعض الحالات ما الأولاد الذين يجيئون الى هذه الحياة فيجدون أنفسهم بلا أب وبلا أسرة تحتويهم لأن الأم انتهت صلاحية استخدامها عند الأب بعدما فرغ من إشباع شهوته معها!!.