الغريق يتعلق بقشة ..

(الزبون عاوز كدا) أو (المشاهد عاوز كدا) غدت هي المتحكمة في السوق المفتوح من غير فرز أو منع .
أقول هذا بعد أن كنت في زيارة لأحد الأصدقاء في أحد مستشفيات الخمس نجوم،حيث استقر بجوار صيدلية المستشفى متجر مقابل لها لبيع الأعشاب الطبية،أعشاب لكل الأمراض من وجع الرأس إلى عشبة تزيل السرطان في خمسة أيام من غير معلم، وهناك أعشاب لزوم الاكسسوارات التجميلية من إعادة الصلع إلى تبييض البشرة إلى جعل السمينة رشيقة كمها تقفز الصحاري في ليلتين من غير أن يتبعها صياد .
وظننت أن هذا المتجر تم إقحامه لداخل المستشفى بالخطأ، ومع زيارة أخرى لمستشفى آخر من نفس الطبقة، وجدت متجر الأعشاب قابعا في مدخل ذلك المستشفى، فإذا بمتاجر الأعشاب مزروعة في كل المستشفيات الخاصة الباحثة عن المصدقين بكل شيء .
وإدارة هذه المستشفيات لا تريد تفويت الزبون سواء كان باحثا عن التشخيص الطبي أو عن الدجل، فكل شيء يوفره المستشفى على طريقة المتاجر التي تضع يافتة (كل شيء تجده من إبرة الخياطة إلى الصاروخ )، وهي الكذبة التي نصدقها جميعا ولا ينفيها أحد .
ولأن سوق الدجالين والمشعوذين استقطب أعدادا كبيرة لما تشأ هذه المستشفيات أن تستأثر تلك الفئة بنصيب الأسد من المرضى والباحثين عن إكسير الشباب،فلا ضير أن تكون تلك المستشفيات بائعة للوهم أو الشعوذة، فوجود الأعشاب والأدهنة الطبية داخل المستشفيات لن يلفت نظر أحد أن المسألة ما هي إلا بيع للكذب .
وهذا هو التناقض بين محاربة المشعوذين الذين يخلطون الأعشاب في منازلهم وبين المشعوذين التجار الذين يخلطون الأعشاب داخل مستشفيات الخمس نجوم .
ولأن أغلب المواطنين متعلقون بمجموعة عيدان لن تفيد أياً منهم للوصول إلى بر الأمان، والنتيجة غرق الجميع.هذا الغرق يختلف من جهة لأخرى، وحسب حالة المواطن، وأي قشة متعلق بها..
وهذا التعلق نتاج ثقافة تؤمن بالخزعبلات في ظل غياب تشخيص طبي دقيق لبعض الحالات المرضية. وكنت أقول ساخراً: أعجب لأمر شبابنا وادعائهم عدم وجود أعمال في حين أن بإمكان كل منهم أن يرتدي أزياء مناسبة ويبث شائعة مقدرته على الشفاء من خلال الرقية أو العلاج بواسطة الأعشاب، حتى يتحول بين عشية وضحاها إلى علم في رأسه نار.والرقية تحولت مهنة من لا مهنة له، وبعضهم لكي يثبت جدارته يجهز غرفة الكشف بالعصي والحبال لكي تكتمل هيئة الراقي في استخراج الجن والعفاريت وإذا لم توجد هذه النوعية داخل أجساد المرضى أصر على وجود عين خبيثة.
ولأنها تجارة في تجارة فلن يضر المستشفيات الخمس نجوم أن تقوم بإخراج الجن،وسيكون خروج الجني بتسعيرة تتناسب ووجاهتك، فكل وجيه يسكنه جني (معتبر).

بقلم الأستاذ / عبده خال