الصالونات النسائية جهود فردية لإثراء الثقافة السعودية
* أول معرض تشكيلي سعودي نسائي كان للرسامة صفية بن زقر * هتون الفاسي: تفعيل دور المرأة في المجتمع.. والعنف أبرز القضايا المعاصرة * مها فتيحي: مريم كوك المحفز لإنشاء ملتقى ثقافي نسائي
الرياض: أسماء المحمد
تغزل المرأة السعودية مشهداً ثقافياً يليق بوقارها وعنفوانها الأدبي وإبداعها في شتى المجالات، وعدم وجودها على الساحة بشكل ملحوظ لم يؤد لنضوبها الفكري أو لتلاشي ذاكرتها الثقافية، وبالاستفادة مما هو متاح حولت بعض الأديبات اللقاءات الدورية في الأوساط الاجتماعية إلى منازلهن. ولكبر حجم المملكة وأقاليمها المتناثرة، كان للأقاليم الأكبر كالمنطقة الوسطى متمثلة في مدينة الرياض، والمنطقة الغربية متمثلة في محافظة جدة، والمنطقة الشرقية متمثلة في مدينة الدمام، نصيب الأسد حيث تحتضن هذه المدن إرثاً ثقافياً نسوياً يتقدم ويزدهر بمرور الوقت.
* دارة صفية نقلة من الفن التشكيلي إلى عموم الثقافة
* بدأت الفنانة التشكيلية صفية بن زقر صالونها الثقافي منذ عام 1412هـ في بيت أسرتها في مدينة جدة، كأول فنانة سعودية تشكيلية على مستوي المملكة، اقيم معرضها التشكيلي الأول في «دار التربية الحديثة» في مدينة جدة عام 1968، معلنة بذلك ولادة المعرض النسائي الأول في السعودية، وتعرف بأنها رائدة من رواد الحركة التشكيلية حيث ساهمت في تدوين التراث والحفاظ عليه من خلال أعمالها التي قدمتها على مدى 30 عامًا من العطاء وما زالت مستمرة من أجل توعية الأجيال المقبلة بتراث المجتمع، لها العديد من المشاركات المحلية والعالمية ضمن معارض، بعضها جماعية وأكثرها شخصية وقد استحقت لصيتها وعطائها المتميز تلقيبها «فنانة التراث السعودي» لما تميزت به من خصوصية في الطابع وتقديم الأعمال التراثية بدقة. بعد ذلك أنشأت دارة «صفية بن زقر» عام 1414هـ التي احتحوت على متحف يضم جميع أعمالها الفنية، ومقتنياتها التراثية، ومكتبتها الخاصة في الأدب والفن، ومكتبة للطفل ومرسمها الخاص بالإضافة إلى ورشة عمل لتأهيل الصغار والكبار لصقل مواهبهم الفنية. ويغلب على الصالون طابع الثقافة التشكيلية والتعبير عن الأدب من خلال الرسم ونشر الثقافة الأدبية والفنية بين الصالون والمجتمع، والرقي بالذوق الفني والأدبي لدى أفراد المجتمع. وأبرز ما طرح في الدارة من ندوات ومحاضرات، ندوة عن الأديبة العربية مي زيادة «سيرة ذاتية»، تقديم ناهد عداس، الأدب النسائي تقديم الشاعرة ثريا قابل، العلاج النفسي بالرسم تقديم هالة بك، كيف نعيد إقامة آثار اندثرت تمامًا، تقديم المهندسة المعمارية عفاف بدران، وغير ذلك من المواضيع المتميزة. وتحتل دارة بن زقر مكانة مرموقة في المجتمع، وذلك لتميزها الحضاري في تعريف كل مهتم وباحث بتاريخنا التراثي و يزور المتحف ضيوف مدينة جدة، والنشء من جميع المؤسسات التعليمية للإطلاع على محتويات المكان والتزود بمعرفة ما يحتويه هذا الصرح الحضاري.
* الملتقى الثقافي النسائي تميز بالطابع الأكاديمي
* الملتقى الأحدي الثقافي النسائي في الرياض نفذت فكرته على أرض الواقع الدكتورة هتون أجواد الفاسي المتخصصة في تاريخ المرأة القديم ومع نخبة من الأكاديميات في جامعة الملك سعود، احتفلن بمرور عقد من الزمان حيث كانت البداية في يناير (كانون الثاني) 1994 وتم تشكيله على هيئة ملتقى ثقافي يحمل الطابع الأكاديمي المتميز بكونه يحتوي على كل ألوان الطيف من خلال الحضور المتنوع للأكاديميات بين العلوم والأدب والفكر. وشرارة القبس الأولى كانت من قسم التاريخ ثم اللغة العربية وامتدت حتى يومنا هذا. الهدف للأحدية ثقافي والانضمام مقنن. يقدم في الملتقى العديد من المواضيع والقضايا و أبرز ما تمت مناقشته من مواضيع علمية تلوث البيئة، التوحد، المرأة العربية بين التعليم والثقافة، ولم يخل طابع الملتقى الأحدي من الأدب.
العنصر الشاب كان له حضوره حيث تم استقطاب فتيات في مقتبل العمر من طالبات الجامعة للمشاركة في الإعداد لمواضيع تعنى بالظواهر الإنسانية المعاصرة وقد اختير «العنف» باعتباره ظاهرة تؤرق المجتمع تطرح من خلالها محاولات خلق الحلول واستنباط العلاج لمزيد من توعية أصبحت سمة من سمات المجتمع السعودي.
بعد عقد من الزمان تحدثنا الدكتورة هتون عن تجربة التطوير التي تم اعتمادها في العام الماضي التي قالت «تم التكريس على قضية تفعيل دور المرأة في المجتمع وأعطيناه حقه من النقاش في كل لقاء شهري وهذا العام وقع الاختيار على العنف لبحثه وإغناء هذه القضية الشائكة من كافة أبعادها، وسيتم التطرق في كل مرة لبعد من الأبعاد، منها العنف ضد الأطفال، والعنف المنزلي.. الخ».
وعن التوثيق قالت «قمنا بتأسيس لجنة لدراسة ما سيتم توثيقه وطباعته وذلك بنظام الاسترجاع من أرشيف الأحدية ثم الاختيار للتدوين وذلك لأهمية حفظ كل ما يحقق الإثراء المعرفي لعودة الباحثين والمهتمين لما ورد في الأحدية عند الحاجة لذلك».
* الحاجة أم الاختراع
* كانت وراء إنشاء سعوديات صالونا نسائيا في الرياض تحدثت سلطانة السديري عن تجربة أخرى في مدينة الرياض تزامنت مع إعلان الرياض عاصمة للثقافة العربية عام 2000 وذلك بتوضيحها «أن الحاجة أم الاختراع، إذ بدأت الفكرة لعدم وجود جمعية ثقافية نسائية مستقلة تمد جسور التواصل الأدبي وتكرس قنوات التواصل الإنساني، بالإضافة لحفظ الإبداع النسوي السعودي وقد نجح ذلك بفضل مساهمة كل القطاعات الأدبية والأكاديمية، فالفنانة هدي العمري والكاتبة والصحافية خيرية السقاف كانتا من الأوائل بالإضافة لمزنة الوابل حيث أثرى وجودهن الصالون. وتكمن أهداف الملتقى إلى نشر الوعي بين قطاع الشباب ومحاولة توفير الاحتواء للمرأة المبدعة وقد استقطبنا فتيات سعوديات لإلقاء محاضرة بعنوان «الشباب بين الطموح والواقع»، وتسهر السديري على توثيق الصالون بطباعته في إصدار من اجل أن يبقى للأجيال كمرجع وتاريخ للحراك الثقافي النسوي.
الأبعاد التحفيزية لا يخل منها أي صالون. وملتقى السديري كرم العديد من الرموز، من له باع طويل في مسيرة الإبداع السعودي كالأديبة والكاتبة نورة الفايز والكاتبة خيرية السقاف ورقية الشبيب وغيرهن كثيرات. تمزج طروحات الصالون بين الاجتماع والأدب بحيث تواكب المستجدات وتطرح ما يثري الساحة الثقافية.
* فكرة منذ الطفولة أوقدتها زيارة باحثة أميركية
* لمثقفات جدة مها فتيحي أم وربة منزل صالونها الأدبي في جدة أشهر من نار على علم تحدثت عن الفكرة وكيف كانت البداية بالقول «كانت الفكرة تراودني منذ الطفولة ومنذ الشباب عندما كنت أقرأ لمي زيادة وسكينة بنت الحسين والعقاد وكنت أتخيل الأجواء وأسعد بها، وصادف أن زارتنا المتخصصة في الدراسات الشرق أوسطية الأميركية الدكتورة مريم كوك للالتقاء بمثقفات سعوديات وأديبات، كان ليس لنا مكان يجمعنا وشكل ذلك مصدر مضايقة وصباح اليوم التالي تحدثت مع إحدى الصديقات وقررنا انه من الصعوبة بمكان أن تبقى جدة بلا مكان للالتقاء الأدبي للتثاقف واحتواء أي فعاليات تمثل واجهة حضارية للمرأة السعودية وعرضت أن يكون منزلي هو الصالون وانه شرف لي استضافة الصالون في منزلي بشرط أن تتكاتف جهود مرتادات الصالون بحيث يظهر بشكل جماعي وليس فرديا، وتمت دعوة الأديبات والمثقفات وكن حوالي 50 سعودية ما بين أديبة وكاتبة وتم انتقاء 15 منهن وتم تأسيس الصالون ووضعت له رسالة وأهداف وعلى مدى 4 أعوام تمت استضافة العديد من الشخصيات والمحاضرين والمحاضرات وأقيمت العديد من الندوات في الأدب ومناقشة الكثير من الروايات والقضايا والسير الذاتية، وأهم ما يميز الصالون هو ما يشكل القّيم الحقيقية لكلمة أدب ويعكس حسن الخلق ويعني بالتالي احترام وجهات النظر الأخرى المختلفة وحسن الاستماع وتكريس كل أدبيات الاختلاف. وأدبيات الحوار يجب أن تكون متوافرة أثناء عقد الصالون، ودعت فتيحي الفتيات وكل من تتذوق هذه الأجواء أن تنضم للصالون. تتمنى فتيحي أن يضفي التبادل الثقافي بين الصالونات على الساحة الأدبية مزيدا من الإثراء وذلك من خلال الزيارات المتبادلة ودللت على ذلك بإشادتها بتجربة زيارة بعض المهتمات من جامعة الملك سعود ـ الرياض ـ على أن يكون هناك تنسيق بشكل اكبر وأن ينظم ولو مرة في السنة ملتقى سعودي أدبي لكافة صالونات المملكة النسائية.
* الحرص على تكريس الوعي بآداب الاختلاف والحوار
* تؤكد فتيحي على أن «أقوى وأبرز أهداف الصالون هو إرساء مبادئ الوعي بأهمية الاختلاف والحوار وان نتفهم أن الاختلاف جمال وليس تضادا او اعتداء». «ويحمل الصالون الهوية الأدبية من خلال ترجمة المعاناة أدبيا وتسليط الضوء بما يتماهى معه في الماضي.. في حقبة زمانية مضت وكيف تم التعامل معها والاستفادة من تجارب الغير والاعتبار بها».
حول ندرة الصالونات وعدم انتشارها مع الحاجة الماسة لها كمدرسة للثقافة الأدبية تؤكد فتيحي «قد يكون خوف المرأة أو انشغالها من الأسباب الأكثر قوة، ولو فكرنا في تحويل كل الصالونات في أكثر منازلنا وفي التجمعات العائلية إلى لقاءات أدبية توعوية لعاد ذلك علينا بالفائدة وما أتمناه هو أن يكون كل تجمع نسائي يطرح قضايا جادة فالمجتمع يمر بمرحلة مخاض ونحن نحاول مساعدته وتقليل آلامه بإدراكنا ووطنيتنا ووعينا».
* أمسية شعرية سيئة التنظيم
* تدعو إلى تبني صالون أدبي على ضفاف شاطئ مدينة الدمام حيث الشاعرة والكاتبة سارة الخثلان العاشقة لعبق الكتاب والأدب منذ الطفولة تعزو أسباب ولادة فكرة الصالون «ملتقى الأربعائيات الثقافي» إلى دعوتها لأمسية شعرية لإلقاء قصائدها ولكون تنظيم الأمسية كان سيئاً استدعى التفكير في إيجاد حلول، منها الالتقاء أسبوعيا لمناقشة الهوايات أو بشكل دوري حتى يتسنى للمبدعة أن توثق إبداعها بشكل دائم وأن تستمتع بالأجواء الأدبية وذلك بتنظيم يرتقي بمستوى المثقفات، تحدثنا الخثلان عن البداية: «كانت الرسامة السعودية بدرية الناصر ونهي ناظر ومديحة كشغري والكثيرات متحمسات لفكرة الملتقى ووضعنا الأهداف التي تبدأ من خلال إلقاء الشعر، وقراءة لوحات لفنانات تشكيليات وبالطبع عمل ندوات توعوية وإقامة معارض فنية ومحاضرات أدبية عن القصة والرواية ومناقشة القضايا الأدبية والثقافية، وبذلك تخرجت من هذا الملتقى أديبتان سعوديتان، أحداهما صدرت لها مجموعة قصصية وهي نورة الأحمري وميرفت بخاري التي أبدعت روايتين قد يكتب لهما الخروج للنور».
* الأربعائيات تحولت إلى أول واجهة حضارية إلكترونية * للصالونات النسائية طرح في منتدى «الأربعائيات» الكثير من المحاضرات ولكن ابرز ما يستحق التطرق إليه هو ابتكار أفكار وتنويعات لجذب الفئات العمرية الأقل وتمت مواجهة طالبات جامعيات بالمشرفات التربويات والأكاديميات في الجامعة في حلقة نقدية خصصت للنقد البناء وذلك بترك الطالبات يتحدثن عن معاناتهن وتوجيه النقد للأستاذات المعلمات وتم تفهم وجهة نظرهن وكانت لهذه الحلقة النقدية أصداء ايجابية ورود فعل على مستوى إعلامي، وأخيرا تم تدشين ملتقى الأربعائيات على الشبكة العنكبوتية وبذلك يكون أول واجهة حضارية إلكترونية للصالونات النسائية. ويكرس منتدى الأربعائيات طروحات أدبية ويشارك المبدعون والمبدعات من شعراء وقاصين وروائيين في الملتقى الإنترنتي الذي يرحب بكل ما يسهم في الثراء المعرفي وذلك من خلال النشر عبر الشبكة الإلكترونية.