الشبكة مسجلة لدى وزارة الثقافة و الاعلام


Google



منتدى الطروحات الثقافية والأدبـية للمقالات والبحوث الثقافية و الادبية و الفكرية

 
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-08-10, 01:52 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
موقوف

 

البيانات
التسجيل: Jan 2009
العضوية: 6331
المشاركات: 3,640 [+]
بمعدل : 0.60 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 0
نقاط التقييم: 10
ابو صلاح is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
ابو صلاح غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
اخر مواضيعي
 


المنتدى : منتدى الطروحات الثقافية والأدبـية
افتراضي حرية التعبير في الاسلام

د. أحمد الريسوني


منذ عدة سنوات بدأت أرى وأقتنع ـ أكثر فأكثر ـ أن هناك عددا من القضايا ، تحتاج منا إلى جهاد كبيرـ علمي وفكري وتربوي ـ من أجل العودة بها إلى الوراء، وإلى أقصى وراء... لا أعني بالوراء لا القرون الوسطى، ولا ما بعدها ولا ما قبلها ، ولا بعد الميلاد ولا قبل الميلاد.







أعني )بالوراء : الرجوع إلى البداية ، إلى الفطرة السليمة والبداهة القويمة فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ذلك الدِّينُ القَيِّمُ [الروم/30] . والإسلام دين الفطرة والبداهة .ولذلك فهو دين الرجوع إلى الوراء في القضايا الفطرية والبدهية.
وفي تراثنا العلمي الإسلامية، هناك شيئ جميل ينبغي الانتباه إليه والاستفادة منه ، وهو ما يحظى به" المتقدمون" من الاعتبار والأولوية في القضايا والأصول الدينية . فحينما يقال : ذهب المتقدمون ، أو الأقدمون ، إلى كذا...، وذهب المتأخرون ، أو بعض المتأخرين ، إلى كذا... ، فإن هذا ـ في الغالب ـ يعني التزكية والمصداقية للقول الأول ، والتضعيف والانتقاص للقول الثاني.
وما زلت أحفظ الوصية التي نقلها الإمام الشاطبي عن أحد شيوخه ، حين أوصاه باجتناب التعويل على كتب المتأخرين ، وقال : إنهم أفسدوا الفقه.
وليس هذا راجعا إلى أفضلية زمن على زمن ، ولا أفضلية ناس على ناس ، ولا لأن القدرة العلمية والفكرية للمتقدمين ، هي أعلى وأرقى منها عند المتأخرين ، لا ليس هذا . وإنما لأن المتقدمين أقرب للفطرة وأتبع لها، وأيضا لأنهم حازوا "النسخة الأصلية" للدين والتدين ، علما وعملا ، ثم حازوا ـ على التوالي ـ النسخَ الأكثر قربا والأشد شبها بالنسخة الأصلية.بينما ظل كثير من اللاحقين ـ إلى اليوم ـ ينسخ بعضهم عن نسخة بعض . ومن حين لآخر ، يقع ـ أو يمكن أن يقع ـ شيئ من الخدش أو الخلل في عملية الاستنساخ والتلقي... ولذلك يجب الرجوع دائما دائما إلى الوراء ؛ إلى " نسخة المتقدمين" ، للأخذ عنها ، أو المقابلة عليها والتصحيح منها ...
هذا في الأمور الدينية والأصول الدينية ، وفي الخصائص الجوهرية والأصول الفطرية للإنسان وليس في القضايا الدنوية والتجارب البشرية النامية ولمتطورة.
وأنا لا أفهم التجديد الديني والإصلاح الديني، إلا على هذا الأساس ومن هذا المنطلق؛ أي إعادة التأسيس وإعادة الانطلاق ، من الأصول الأولى ومن المنطلقات الأولى .
حينما هممت بكتابة هذه الحلقة في موضوع (حرية التعبير في الإسلام ) ، وجدتني أرجع إلى الوراء ، ثم إلى الوراء ... حتى لم يبق هناك وراء.
ـ رجعت إلى البدء ، فوجدت أن أول تعليم علمه الله تعالى لآدم عليه السلام ، [البقرة/31]( وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)هو الكلام والتعبير: ، نعم علمه الأسماء كلها ، ليقول كل ما يريد ، ويعبر عن كل ما يريد ، وليسمي الأشياء كلها بأسمائها ، بينما نرى اليوم أن تسمية الأشياء بأسمائها ، قد تكون لها تبعات وتجر إلى مشكلات ...
ـ وفي البدء أيضا ، وجدت الله سبحانه يقول : (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن/1-4]. فلم يكن أول شيئ علمه الله لآدم : هو أداء صلاته ، أو كسب قوته ، أو ستر عورته ، بل أول شيئ عَلَّمَهُ إياه بعد خلقه ، أومع خلقه، هو : البيان ، والأسماء المحتاج إليها لأجل للبيان .
ـ وفي البدء أيضا وجدت الله تعالى يقول عن الإنسان : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ) البلد/8، 9] .ومعلوم أن أكبر وظيفة(عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ للسان والشفتين ، هي وظيفة التعبير والبيان .
وعلى العكس من هذا نجد نبي الله إبراهيم عليه السلام يعرِّض بالأصنام وعجزها وتفاهتها ، بكونها لاتقدر على النطق قَالُوا (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) [الأنبياء/62، 63]. فالذي لاينطق ولا يعبر،لإنما هو تمثال لإنسان لا إنسان. (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) [البقرة/18]
وقديما حينما أراد الفلاسفة تعريف الإنسان وتمييزه عن غيره من الكائنات، قالوا: الإنسان حيوان ناطق.
ومعنى هذا كله أن وظيفة التعبير والبيان ، هي من أعظم الخصائص والمواهب الفطرية التي ميز الله بها الجنس البشري ، وجعلها في مُكْنَتِهِ من أول أمره . فهي تشكل جزءا من هوية الإنسان وماهيته. وهذا يدل على الأهمية البالغة التي تكتسيها وظيفة البيان في حياة الإنسان وفي حياة الجماعة البشرية.

ولا شك أن البيان الذي يشكل جزءاً من فطرة الإنسان وهويته ، إنما يتجسد في التعبير الصادق الصريح عما في النفس وما في العقل وما في القلب . وأما الذين (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ) [آل عمران/154] والذين (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [الفتح/11] ، فإنما هم منافقون ، أي زائفون مزيِّفون . ففطرة الإنسان وأصالته تتمثل في تسميته الأشياء بأسمائها الحقيقية ، أي في تعبيره الصادق والمطابق عما في قلبه وضميره.
ومما يؤكد فطرية هذا السلوك وانحرافَ مخالفته عن هدي الفطرة ، هوكون الناس جميعا يحبون الإفصاح والصراحة ، ويحبون الإنسان الصريح ، ويحبون من يقول الحقيقة ، ويكرهون من يخفون الحقيقة ، ويكرهون أكثر من يزيفون الحقيقة.
وليست الصراحة المحبوبة فطريا ، سوى التعبير الصادق السوي عما في القلب ، حينما يتطلبه المقام . وضدها يكون إما بعدم التعبير عما في النفس ، أو التعبير بخلاف ما في النفس، كما جاء في الآيتين الكريمتين.
وقد نص عدد من العلماء على أن المعيار الذي تُمَيَّزُ به الخصال الفطرية للإنسان عن غيرها من الخصال الطارئة عليه، هو ما يشترك عامة الناس في حبه أو كراهيته ، بصورة طبيعية تلقائية. ومن هذا القبيل نجد أن جميع الناس لديهم محبة وانشراح للصراحة والصُّرَحاء ، وكراهية ونفور من ذوي الانطواء والالتواء في الكلام والبيان .

ويؤكد العلامة ابن عاشور أن صفة الحرية كلها ـ وضمنها حرية القول ـ هي صفة فطرية وضرورية لكل تقدم بشري . قال رحمه الله :"إن الحرية خاطر غريزي في النفوس البشرية، فبها نماء القوى الإنسانية ، من تفكير وقول وعمل ، وبها تنطلق المواهب العقلية متسابقة في ميادين الابتكار والتدقيق. فلا يحق أن تسام بقيد إلا قيداً يُدفع به عن صاحبها ضر ثابت أو يجلب به نفع"
وإذا ثبت واتضح أن خاصية البيان والتعبير، هي صفة فطرية خِلقية في الإنسان ، فمعناه أنها تفوق درجة ( الحقوق المكتسبة ) ، وترتقي إلى درجة ( الحقوق الطبيعية ) ، أو لنقلْ : إنها ليست فقط حقا من حقوق الإنسان ، بل هي صفة من صفات الإنسان . وفرق كبير بين أن يُجَرَّدَ الإنسان ـ أو يُنتَقَصَ ـ من بعض حقوقه ، وأن يجرد ـ أو ينتقص ـ من بعض صفاته الذاتية . ففي هذه الحالة الثانية يصاب الإنسان في صميم إنسانيته ، وليس فقط في حق من حقوقه. ولذلك يرى ابن عاشور "أن موقف تحديد الحرية موقف صعب و حرج ودقيق، على المشرع غير المعصوم. فواجب ولاة الأمور التريث وعدم التعجل، لأن ما زاد على ما يقتضيه درء المفاسد و جلب المصالح الحاجية ، من تحديد الحرية ، يعد ظلما" و قال في موضع آخر " و اعلم أن الاعتداء على الحرية نوع من أنواع الظلم"
وإن الناظر الباحث عن موقع حرية التعبير في القرآن الكريم ، والسنة النبيوية ، ليندهش لهذا الإطلاق والتوسيع لها، حتى ليكاد أم يقول إنها حرية بلا حدود، لولا أن بعض الحدود على جميع الحريات تعد من البدهيات. لكن في القرآن والسنة ، لا نكاد نرى إلا حرية مطلقة للقول والتعبير.
لقد نقل إلينا القرآن الكريم أقولا وتعبيرات من جميع الأصناف، من أقوال إبليس المعروفة ، إلى أقوال فرعون ، من مثل قوله : (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( [القصص/38] ، إلى الأقوال المقيتة لبعض سفهاء بني اسائيل (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) آل عمران/181 ، وكقولهم لموسى عليه السلام (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً)[ [البقرة/55] ، إلى أقوال المعاصرين للرسالة المحمدية ، من مشركين ومنافقين وغيرهم ، وهي كثيرة لا أطيل بها.
وأما النبي الكريم ـ عليه الصلاة والتسليم ـ فقد سمح لكل من شاء أن يقول ما شاء ، سواء من المؤمنين به ، أو من المكذبين له . ولم يزجر ولم يعاقب أحدا على رأي عبر عنه ، أو على اعتراض تقدم به . والسيرة النبوية مليئة بالاعتراضات التي صدرت ـ بالحق أو بالباطل ـ على مواقف وتدابير ارتآها أو أمضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان بعضها أحيانا يتسم بالخشونة وقلة الأدب . ولم يكن عليه السلام يواجهها إلا بالرفق والصفح وسعة الصدر. ومن يقرأ بداية سورة الحجرات يجد ذلك صريحا.
وحتى زوجاته في بيته ، كان لهن معه آراء واعتراضات ومراجعات.وفي حديث لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " ...وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا فِى الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ . قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِى أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتِي: لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا - قَالَ - فَقُلْتُ لَهَا مَالَكِ وَلِمَا هَا هُنَا فِيمَا تَكَلُّفُكِ فِى أَمْرٍ أُرِيدُهُ ؟ فَقَالَتْ لِي: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ . فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ لَهَا : يَا بُنَيَّةُ إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ ؟. فَقَالَتْ حَفْصَةُ وَاللَّهِ إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ ..."
إذا نحن قارنا هذا ـ ومثله في السنة والسيرة ، وسيرة الخلفاء الراشدين كثير ـ مع ما أصبحنا عليه من منع الناس من الكلام ، ومعاقبتهم على مجرد الاعتراض بالرأي ، سندرك أي هوة سحيقة بيننا وبين ما جاء به الإسلام . بل لقد دخلنا اليوم ـ أو قبل اليوم ـ في نظرية العصمة ، التي كانت من قبل خاصة بالشيعة ، وباثني عشر إماما لهم . لقد أضفيت العصمة على كثير من الزعماء السياسيين والدينيين ، فلا يمكن أن يعترض عليهم أحد، ولا يمكن أن ينسب لهم خطأ ولا خلل!!















عرض البوم صور ابو صلاح   رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL