وللأمانة ليس المرور وحدة في بلادنا الذي يشتكى من عدم المواءمة فيه بين البناء الفكري للإنسان والبناء المادي للحياة ، يمكنك أن تقول نفس الشيء ولنفس السبب عن كثير من المؤسسات العامة والخاصة ، وبالذات فيما يتعلق بالعديد من جهات تقديم الخدمة ، أوجهات التماس والتعامل المباشر مع الناس .
لدينا تطور مذهل في كل ما حولنا ، يسبقنا دائما ، ونتأخر عنه كثيرا ، لدينا طرق ومنشآت وآلات ووسائل رفاه وحياة كريمة ، صرف عليها الكثير المرهق الفلكي غالبا ، ولكننا نفشل كثيرا في استعمالها ، نشتري الجهاز وبه العديد من المميزات والخصائص والقيم المضافة التي أضافت إلى سعره الكثير الذي يؤخذ من جيوبنا بالتأكيد في الوقت الذي لا نستخدم فيه إلا القليل من هذه الخصائص والمميزات .
ساهر ومعداته وتقنياته ، أنظمة كمبيوترية غاية في التقدم والحداثة ، غرف تحكم ومتابعة متطورة جدا في مبنى المرور ودورياته ، رواتب وبدلات وميزانيات كبيرة ، سيارات وآليات متعددة وأجهزة متطورة بذل فيها الكثير ، ثم يفسدها رجل مرور واحد . بالأمس القريب يسجن مجموعة كبيرة - ربما مخالفة - من قادة مركبات متعددة داخل أتوبيس عمال كبير ويغلق بابه عليهم في حر الانتظار وحرارة الجو دون مراعاة لأبسط حقوق الإنسان الذي لم يعد يطلب حقه في ابتسامة رجل المرور ، لا ، بل يستجديه في معاملته بلطف وبدون قسوة وصلف ، في الوقت الذي ينشغل فيه رجل المرور هذا ليس بالمساعدة في انسيابية حركة السير ، بل باحتجاز سيارة عائلة في الطرف الآخر من الطريق ليجادل رب تلك العائلة بكل فضاضة وعنف .
ما فائدة الطريق عندما يكون فسيحا وجميلا إذا كان رجل المرور هو من يخلق ازدحامه ويمارس تشويهه ؟ وما فائدة المركبة الفارهة إذا كان قائدها متهورا لا يعي أبجديات السلامة والقيادة بذوق وفن وأخلاق ؟
والقيادة بفن وذوق وأخلاق ، هذه جملة نرددها ( نظريا ) بشكل دائم وفي جميع مراحلنا العمرية والدراسية ، لكنها مع سواها تقبر عندما يأتي التطبيق لتزيح ستارا آخر عن الفجوة الأخرى التي تلازمنا دائما وأبدا في التنظير ( كلاما ) والتطبيق ( سلوكا ) .
بقلم د / عبد الله الزامل