مرت سنوات لم تكن شركة الكهرباء تتورع فيها عن الوعد مطلع كل صيف بأن تيار الكهرباء لن ينقطع عن المشتركين خلال الصيف، وأن ما شهده الناس وعانوا منه خلال السنوات الماضية قد أصبح من الماضي الذي تمكنت الشركة من تجاوزه.
ولأن تلك الوعود ترد على لسان المسؤولين الكبار في الشركة يوشك الناس أن يصدقوها لولا أن الصيف يكشف لهم أن ما سمعوه لم يكن سوى تصريحات مجانية يبذلها مسؤول وهو يعرف أنه إنما يخادع الناس بها، أو يبذلها مسؤول وهو لا يعرف أن شركته لا تزال تتعثر في أذيال العجز عن الوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها.
هذه السنة آثر المسؤولون في شركة الكهرباء أن يجربوا الصدق فخرج رئيس مجلس إدارة الشركة على الناس معلنا لهم أن الشركة لا تعد هذه المرة بشيء، مؤكدا أنه لاتوجد منظومة كهرباء على « وجه البسيطة» لا تحدث فيها انقطاعات، وهو ما يعني أن رئيس شركة الكهرباء ينصح الناس مبكرا بشراء مراوح سعف وربما لم يصرح بذلك كي لا ترتفع أسعار مراوح السعف فجأة، أو تختفي من الأسواق البيضاء كي تظهر بعد ذلك في الأسواق السوداء.
ورئيس شركة الكهرباء الذي تحدث عن «وجه البسيطة» تحدث بعد ذلك عن الأجهزة «المعقدة» غاية التعقيد، وليس على الناس إلا الصبر على الصيف والاستمتاع بصدق وبلاغة رئيس الشركة حين يتجاوز في كلامه البسيط والمعقد. رئيس شركة الكهرباء رمى بالكرة في ملعب عملاء الشركة حين طالبهم بترشيد استخدامهم للكهرباء، وضرب على ذلك مثلا بعدم غسل الملابس وكيها وقت الذروة، وكأنما كل مشاكل الشركة وانقطاعات التيار بسبب الغسل والكي، ولو كان ذلك كذلك لكان من حق الشركة أن تقدم عرضا مغريا لعملائها تطلب منهم أن يكتفوا بوضع ملابسهم قرب عداد الكهرباء، وستقوم الشركة بغسلها وكيها لهم في الوقت الملائم الذي لا يكون وقت الذروة، ولو فعلت الشركة ذلك لكان استر لها مما تقع فيه من حرج كلما انقطع التيار، ورفع المشتركون أيديهم بالدعاء على من هو السبب في معاناتهم مع حر الصيف اللاهب.
وإذا كانت المسألة مسألة تخفيف للأحمال في وقت الذروة فإن الأولى بالشركة أن تفكر في المصانع الكبرى بدل التفكير في الغسالة والمكوى، فلو أنها أقنعت تلك المصانع بالتوقف في وقت الذروة، أو عملت مساء في الصيف لوفرت أحمالا لا يصبح المواطنون بعدها بحاجة إلى الاستماع لدروس الترشيد السنوية التي ملوا من سماعها.
بقلم سعيد السريحي