قذى بعينكِ امْ بالعينِ عوَّارُ ١
امْ ذرَّفتْ اذْخلتْ منْ اهلهَا الدَّارُ
كأنّ عيني لذكراهُ إذا خَطَرَتْ ٢
فيضٌ يسيلُ علَى الخدَّينِ مدرارُ
تبكي لصخرٍ هي العبرَى وَقدْ ولهتْ ٣
وَدونهُ منْ جديدِ التُّربِ استارُ
تبكي خناسٌ فما تنفكُّ مَا عمرتْ ٤
لها علَيْهِ رَنينٌ وهيَ مِفْتارُ
تبكي خناسٌ علَى صخرٍ وحقَّ لهَا ٥
اذْ رابهَا الدَّهرُ انَّ الدَّهرَ ضرَّارُ
لاَ بدَّ منْ ميتة ٍ في صرفهَا عبرٌ ٦
وَالدَّهرُ في صرفهِ حولٌ وَاطوارُ
قدْ كانَ فيكمْ ابو عمرٍو يسودكمُ ٧
نِعْمَ المُعَمَّمُ للدّاعينَ نَصّارُ
صلبُ النَّحيزة ِ وَهَّابٌ اذَا منعُوا ٨
وفي الحروبِ جريءُ الصّدْرِ مِهصَارُ
يا صَخْرُ وَرّادَ ماءٍ قد تَناذرَهُ ٩
أهلُ الموارِدِ ما في وِرْدِهِ عارُ
مشَى السّبَنْتى إلى هيجاءَ مُعْضِلَة ١٠
ٍلهُ سلاحانِ: أنيابٌ وأظفارُ
وما عَجُولٌ على بَوٍّ تُطيفُ بِهِ ١١
لها حَنينانِ: إعْلانٌ وإسْرارُ
تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ، حتى إذا ادّكرَتْ ١٢
فانَّما هيَ اقبالٌ وَادبارُ
لاَ تسمنُ الدَّهرَ في ارضٍ وَانْ رتعتْ ١٣
فانَّما هيَ تحنانٌ وَتسجارُ
يوْماً بأوْجَدَ منّي يوْمَ فارَقني ١٤
صخرٌ وَللدَّهرِ احلاءٌ وَامرارُ
وإنّ صَخراً لَوالِينا وسيّدُناو ١٥
إنّ صَخْراً إذا نَشْتو لَنَحّارُ
وإنّ صَخْراً لمِقْدامٌ إذا رَكِبوا ١٦
وإنّ صَخْراً إذا جاعوا لَعَقّارُ
وإنّ صَخراً لَتَأتَمّ الهُداة ُ بِهِ ١٧
كَأنّهُ عَلَمٌ في رأسِهِ نارُ
جلدٌ جميلُ المحيَّا كاملٌ ورعٌ ١٨
وَللحروبِ غداة ََ الرَّوعِ مسعارُ
حَمّالُ ألوِيَة ٍ هَبّاطُ أودِيَة ٍ ١٩
شَهّادُ أنْدِيَة ٍ للجَيشِ جَرّارُ
نَحّارُ راغِيَةٍ مِلجاءُ طاغِيَةٍ ٢٠
فَكّاكُ عانِيَةٍ لِلعَظمِ جَبّارُ
فقلتُ لما رأيتُ الدّهرَ ليسَ لَهُ ٢١
معاتبٌ وحدهُ يسدي وَنيَّارُ
لقدْ نعى ابنُ نهيكٍ لي اخاَ ثقة ٍ ٢٢
كانتْ ترجَّمُ عنهُ قبلُ اخبارُ
فبتُّ ساهرة ً للنَّجمِ ارقبهُ ٢٣
حتى أتى دونَ غَورِ النّجمِ أستارُ
لم تَرَهُ جارَة ٌ يَمشي بساحَتِها ٢٤
لريبة ٍ حينَ يخلِي بيتهُ الجارُ
ولا تراهُ وما في البيتِ يأكلهُ ٢٥
لكنَّهُ بارزٌ بالصَّحنِ مهمارُ
ومُطْعِمُ القَوْمِ شَحماً عندَ مَسغبهم ٢٦
وفي الجُدوبِ كريمُ الجَدّ ميسارُ
قدْ كانَ خالصتي منْ كلِّ ذي نسبٍ ٢٧
فقدْ اصيبَ فما للعيشِ اوطارُ
مثلَ الرُّدينيِّ لمْ تنفدْ شبيبتهُ ٢٨
كَأنّهُ تحتَ طَيّ البُرْدِ أُسْوَارُ
جَهْمُ المُحَيّا تُضِيءُ اللّيلَ صورَتُهُ ٢٩
آباؤهُ من طِوالِ السَّمْكِ أحرارُ
مُوَرَّثُ المَجْدِ مَيْمُونٌ نَقيبَتُهُ ٣٠
ضَخْمُ الدّسيعَة ِ في العَزّاءِ مِغوَارُ
فرعٌ لفرعٍ كريمٍ غيرِ مؤتشبٍ ٣١
جلدُ المريرة ِ عندَ الجمعِ فخَّارُ
في جوْفِ لحْدٍ مُقيمٌ قد تَضَمّنَهُ ٣٢
في رمسهِ مقمطرَّاتٌ وَاحجارُ
طَلْقُ اليَدينِ لفِعْلِ الخَيرِ ذو فَجَرٍ ٣٣
ضَخْمُ الدّسيعَة ِ بالخَيراتِ أمّارُ
ليَبْكِهِ مُقْتِرٌ أفْنى حريبَتَهُ ٣٤
دَهْرٌ وحالَفَهُ بؤسٌ وإقْتارُ
ورفقة ٌ حارَ حاديهمْ بمهلكة ٍ ٣٥
كأنّ ظُلْمَتَها في الطِّخْيَة ِ القارُ
لا يَمْنَعُ القَوْمَ إنْ سالُوهُ خُلْعَتَهُ ٣٦
وَلاَ يجاوزهُ باللَّيلِ مرَّارُ
الشرح :
١ _ العوار : وجع يصيب العين وهو مثل الرمد . ذرفت : اذا قطرت قطرآ متتابعآ لا يبلغ ان يكون سيلآ .
٣ _ العبرى : هي العين الدامعة . والوله : ما يصيب الرجل والمرأة من شدة الجزع على الولد . وجديد الترب : كل ما أثير من باطن الارض .
٤ _ ما عمرت : أي ما عاشت . المفتار : المقصر ، تريد انها ما بكت على صخر فهي مقصرة عن إيفائه حقه .
٦ _ العبر : جمع عبرة ، وهو الاعتبار . الحول : هو التحول والتصرف . الاطوار : جمع طور ، وهو الحاله والتقلب .
٨_ النحيزة : هي الطبيعة . المهصار : هو الذي يدق الاعناق ويهصرها .
٩ _ وارد الماء : اي الموت ، وذلك لإقدامه على الحرب . تنادره : أي انذر بعضهم بعضآ هوله وصعوبته . وأهل الموارد : هم اهل المياه .
١٠ _ السبنتي : الجريئ والصدر وهو في الاصل للنمر .
١١ _ العجول : كل ثكلى من النساء الواله التي فقدت ولدها وذلك لعجلتها في الشيئ وجزعها . البَوٍّ : وذلك ان ينحر ولد الناقة ويؤخذ جلده ويحشى ثم يدنى من امه .
١٢ _ الاقبال والادبار : هي الجيئة والذهاب .
١٣ : حنت الناقة : اذا طربت في طلب ولدها .
١٤ _ بمعنى اكثر وجدآ وحزنآ ، إحلاء إمرارآ : أن الدهر يأتي بالحلو المحبوب والمر المكروه .
١٥ _ تصفه بالجود ، اي ينحر للضيوف إذا نزل بالناس ضيق الشتاء .
١٦ _ العقار : كثير العقر وذلك للنوق خاصة من اجل إطعام الجائعين .
١٧ _ يأتم به : اذا اهتدى به واقتدى . والهداة : جمع هاد وهو المرشد . علم في رأسه نار : مثل يضرب في ذيوع الشهرة .
٢١ _ نيار : من نير الثوب اي جعل له نيرآ ، بخلاف اسداه .
٢٣ _ ارقبه : اي اترقبه متى يصبح لعل في ذلك الفرج . وغور النجم : أفوله .
٢٥ _ المعطاء والذي يكثر للأضياف في الكرم .
٢٦ _ مسغبهم : اي جوعهم . الجدوب ، جمع جدب وواحدها القحط . الميسار : الكثير الغني .
٢٧ _ خالصتي : كل ما اخترته لي وخلص لي وده . الوطر في العيش : كل عيش ليس فيه جدة .
٢٨ _ الرديني : رمح منسوب إلى ردينة . الاسوار : السوار في العيد وقد شبهته به لحفيفه ولطافة بطنه .
٢٩ _ جهم المحيا : اي عابس الوجه . السمك : القامة .
٣٠ _ الدسيعة : هي القدر . العزاء : الشدة في الامر .
٣١ _ فرع لفرع : اي رأس لرأس . المؤتشب : اي مخلوط الحسب . والمريرة في اللغة : اي إبرام الرأي .
٣٢ : المقمطرات : صخور كبار وأحجار صغار .
٣٣ : ذو فجر : يتفجر بالمعروف .
٣٤ _ المقتر : الفقير . وحريبته : ارادت ماله .
البؤس : هو العذاب والشدة .
٣٥ _ الطخية : من الطخاء ، وهو الغيم الرقيق الذي يواري النجوم فيتحير الهادي .
٣٦ _ سالوه : أي سألوه . الخلعة خيار المال .
المرار : هم الذين يمرون به لا يجاوزونه ، وإنما ينزلون ضيوفآ عليه .
مصدر الشرح / كتاب ديوان الخنساء ، إعتنى به وشرحه الاستاذ : حمدو طماس .
إضافة لبعض معاني المفردات :
في البيت رقم ١٨ + ١٩ : جَلُدَ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَكَارِهِ : كَانَ ذَا صَلاَبَةٍ وَصَبْرٍ عَلَى تَحَمُّلِهَا
جَلُدَ عَلَى مُوَاجَهَةِ الشَّدَائِدِ : قَوِيَ
مُحَيّا : وجه
طَلْق المُحَيّا : متهلّل ومشرق ، باشّ .
مِسْعَرُ : ما سُعِرَ به ، كالمِسْعارِ ، ومُوقِدُ نارِ الحَرْبِ ،
اندية : جمع نَادٍ ، النَّادِي : مُنتدًى ، مجلس القوم ومتحدَّثهم .
لِواء :
الجمع : لوَاءات أَلْوِيَةٌ ، أَلْوِيَاتٌ
اللِّوَاءُ : العَلَم ، وهو دون الرَّاية والجمع : أَلْويَةٌ ، وأَلْوِياتٌ : وحمال الوية ، وهو كناية عن شجاعته وقيادته في الحرب . غداة الروع : صباح الحرب . هباط اودية : كناية عن شجاعته وكثرة ترحاله وسفره وانه جسور على الاهوال .
الخنساء : هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السلمي .
(خاص شبكة الحويطات ) .