الشبكة مسجلة لدى وزارة الثقافة و الاعلام


Google



منتدى الإســـلام والعلم والإيـمــان خاص بالمواضيع الاسلامية و الفتاوى الشرعية و الاحاديث النبوية الشريفة و كل ما يخص المسلم في امور دينه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-11-07, 01:14 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
النخبة
الرتبة:
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية صفاء

 

البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 1161
المشاركات: 1,404 [+]
بمعدل : 0.21 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 361
نقاط التقييم: 10
صفاء is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
صفاء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
اخر مواضيعي
 


المنتدى : منتدى الإســـلام والعلم والإيـمــان
افتراضي التربية الجماعية من منظور قرآني

التربية الجماعية من منظور قرآني
علي محمد سعيد*

2007-04-19


أولا : التمهيد للموضوع:


الحمد لله رب العالمين الهادي بالقرآن إلى طريق مستقيم وقويم القائل في التنزيل العزيز : (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) ([1]) . والصلاة والسلام على النبي الرسول المربي المعلم الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه وجعله المثال الذي ترنوا له كل النفوس الخيرة التي تسعى للوصول أو الاقتراب من نموذج الكمال البشري ، وعلى آله وصحبه أهل السبق والديانة والاقتداء ، وعلى من سار بنهجهم وترسم خطاهم إلى يوم الدين

وبعد :

فبادئ ذي بدء أحسب أن الكتابة في مثل هذا الموضوع جد صعبة وشائكة وقد يضل القلم طريقه ولا يقوى على تسطير ما يعتمل في النفس ؛ ذلك لأن الموضوع ليس كغيره من القضايا التي يمكن أن يكتبها الإنسان وذلك لأمور :

أولا : إن الموضوع يتعلق بالتربية وما أدراك ما التربية التي تعني تربية الإنسان ذلك الجوهر المكنون ،و في الأثناء ذلك المركب الصعب الأغوار والمتعدد الأطوار والمعقد في الوقت ذاته .

ثانياً : إنني أحاول أن أتناول الموضوع من زاوية قرآنية ، وهذا يعقد علي الدراسة أكثر إذ ما تزال الدراسات التربوية التي ترتكز على القرآن بكراً وهي قليلة ومحدودة والموجود منها غير مبثوث للقراء حسب إطلاعي .

ثالثاً : أن الدراسة تسعى معالجة الموضوع ومعايرته في إطار جمعي واجتماعي وليس في إطار بحثي أو فردي أو نظري بل في إطار التحرك الجمعي بضبط حركة الجماعة وأقدار التحرك فكرا قبل الخطو والسير وفقاً لنموذج التربية الذي يريده منا الإسلام حصراً .

رابعاً وأخيرا : فإن الدارس يريد الاقتراب من نموذج القرآن في التربية الجماعية وهذا يقتضي الحيطة والحذر الشديد في التناول والنظر .

ولكل ما تقدم وغيره يجد المرء صعوبة بالغة في تناول الموضوع ، ولكن رغماً ذلك – وبعد الاستعانة بالله وبذل الوسع والطاقة يحاول الباحث تناول موضوع (التربية الجماعية) انطلاقاً من الرؤية القرآنية كما سيرد تسلسلاً في فقرات هذه الدراسة .

ولكن و قبل التفاصيل لا بد من الإشارة في التمهيد إلى أن المسلمين سادوا وقدموا الإبداعات في كل مجال عندما انطلقوا من محراب القرآن والسنة النبوية إذ كانوا يتقدمون إذا أمرهم بالتقدم ويتوقفون إذا أمرهم بالتوقف فكانوا رواد التغيير في العالم بعد ما غيروا ما بأنفسهم وأصلحوا ذواتهم فلم يقصدوا القرآن للاستشفاء وقراءة التعاويذ فقط وإن كان القرآن كله شفاء ولم يكونوا يقصدون القرآن للبحث وقراءته للتبرك فقط وإن كان القرآن يمكن أن يجد فيه كل باحث بغيته مقصداً ومآلاً وإن لم ينزل القرآن للدراسة والنظريات العلمية ، وإنما هو كتاب هداية للعالمين وليس كتاب دراية . وعندما تعاملت الجماعة المسلمة الأولى مع القرآن من زاوية الهداية والتطبيق وتحويل القيم إلى سلوك عندها فقط تحقق النصر وتحققت الرفعة والسؤدد للمسلمين ، وتحققت القيادة السياسية ، والريادة العلمية عندما أصبحوا قرآناً يمشي على الأرض وكانوا منارات للهدى وقبلة للعالمين ، عاشوا للفكرة وعاشوا للمنهج الذي يحلمون ولم يعيشوا لذواتهم حتى اختلط على (الرآي) المثال والواقع وكانت النفوس تتساءل هل كل ما نقرأه في التاريخ الإسلامي من هذه القامات الشوامخ دارسي التاريخ الإسلامي من الرجال، هم رجال آدميون حقاً تخرجوا في مدرسة هذا القرآن التي بين يدينا ؟ أم إن ذلك كان ضرباً من الخيال أم إن ثلة من عالم الملائكة جاءوا لنصرة الحق ؟!

ولكن تنتفي كل هذه الخيالات وهذه الوقفات عندما نجد سير أولئك في التاريخ الإسلامي مدونة وحاضرة لكل ما كان ، فلم يستثن كتّاب التاريخ من سير الأعلام حتى لحظات الانحطاط ، ولحظات الدنو من الذات الأرضية والابتعاد عن الذات العلوية أو السماوية سواء كان ذلك في تاريخ الأمة أو الأفراد الذين بنيت الأمة على سواعدهم فكيف كان ينظر أولئك إلى القرآن الكريم؟! وما الذي يمكن أن يعمله القرآن في النفس البشرية ؟ وهل يمكن صياغة الفرد المسلم وفق المنظور القرآني من جديد ؟ هذا ما سوف يتضح من خلال هذه الموضوع.

أما عن نظرة السلف للقرآن فلا يتسع له هذا الموضوع ولكن قبل ذلك لا بد من الإشارة إلى أن المسلمين وقفوا طويلاً عند إعجاز القرآن وبلاغته ، ومن قبل ذلك عند تأويله لفهم معانيه والعمل بها بدءا بابن عباس حبر الأمة وكل دارسي القرآن الكريم قديماً وحديثاً .

وهذا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول في وصف القرآن الكريم: ( كتاب الله الذي فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن ، ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق من كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا : (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا َهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ) من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم )([2]).

لا أجدني مضطراً للتعليق على هذا الكلام الرائع الذي يشع نوراً وبياناً وكأنه قبس من نور الذكر الحكيم !

وقال شيخ الإسلام رحمه الله ( والقرآن شفاء لما في الصدرو ومن قبله أمراض الشبهات والشهوات،ففيه من البينات ما يزيل الحق من الباطل يزيل أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح الفكر فيرغب القلب فيما ينفعه ويرغب عما يضره فيبقى القلب محباً للرشاد مبغضاً للغي بعد أن كان مريدا للغي مبغضاً للرشاد ) ([3]).

بمثل هذه النظرة للقرآن كانت النفوس والعقول تتعامل ولذلك ارتفعت الأمة حتى بلغت مجداً في زمن ليس طويلاً إذا ما قيس بمقاييس الصعود الحضاري للأمم من قبل ، فكانت الجماعة المسلمة الأولى أمة رسالة ودعوة ومقصد وغاية نبيلة.

قال أحد الباحثين المعاصرين عنها :

( ولقد كانت خير أمة في تاريخ البشرية كله وحوت من ألوان العظمة في كل اتجاه مالم يجتمع لأمة أخرى في التاريخ بهذه الوفرة وذلك التعدد وتلك الآفاق عظمات سياسية وإدارية ،وعظمات نفسية وعظمات روحية وعظمات من كل نوع وفي فترة وجيزة من عمر الزمن كأنها لحظات ، وتلك الأمة هي التي وضعت أسس التاريخ الإسلامي المقبل كله ورسخت قواعده في الأرض، بما قدمت من مبادئ وقيم ومثل عليا مطبقة في عالم الواقع بصورة فريدة في التاريخ صورة يلتقي فيها المثال والواقع فلا تكاد تعرف من ورعة العظمة المذهلة أيهما الواقع و أيهما المثال) ([4])

كيف لا تكون كذلك هي الأمة التي تربت على يد خير معلم وخير مرب وهي التي حولت القيم النظرية إلى سلوك عملي في حياتها اليومية وهي التي وصلت مرحلة الكمال البشري والاستقامة المنهجية ما شهد به الأعداء قبل الأتباع وكان سلوك المسلمين وتعاملاتهم وأخلاقهم هو ما يدفع الناس إلى الإيمان وإلى البحث عن هذا الدين العظيم الذي يخرج العظماء من الناس كانوا يملكون أنوار الوحي الذي يمشون به بين الناس كما قال عنهم الرب عزوجل : ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ([5]). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يردد بينهم مثل قوله تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) ([6]). ونحن نقرأ (قيماً) بكسر القاف المعجمة و بالطبع الذين يتذوقون المعنى الجمالي والمعرفي في هذه الدلالة يعرفون مدى الارتباط بين هذا المعنى وموضوع التربية ، ثم تأمل كم مرة وردت لفظ ( رب ) في هذه الآيات لتدرك معنى هذه الرعاية والعناية والحياطة الإلهية لهذا النبي العظيم وهذه الأمة العظيمة ، وستتضح للقارئ معنى الرب تربويا عند مناقشة مفاهيم ومصطلحات في هذه الدراسة فيما بعد. كيف لا تخرج هذه الأمة العظيمة وهي تعبّ من معين هذا القرآن العظيم فكراً وسلوكاً ؟ إن القرآن قد حوى كل أنواع الكمالات والهدايات استيعاباً وتجديداً .
فهل كان جيل الصدر الأول من هذه الأمة منعزلاً عن واقع مجتمعه ، يعيش في صومعات وكهوف وأديرة وأضرحة ؟! أم كان ينفعل ويتفاعل مع واقع مجتمعه وأحياناً تتغشاه ما يتغشى كل إنسان عندما يخلو ولو قليلاً إلى بشريته ؟!

هذا ما سيتضح من خلال النماذج التي سترد في هذه الدارسة ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى إن السمة الأبرز ضمن سمات أخرى هي سمة التوازن مع التمايز ، بين الأمة وبين مطالب الروح والجسد وبين الاتصال والانفصال وبين الانتماء في ظروفه وملابساته أي كانوا يعيشون حياة الإنسان بكل ما تعني هذه الكلمة ولكن لا يخرجون بها عن موجهات الوحي وإرشاداته وهداياته، فلم يكن مجتمعهم ملائكة في المساجد شياطينا في الأسواق ، ولم يكونوا أشداء على بعضهم البعض ضعفاء أمام شهواتهم ونزواتهم ومن قبل خصومهم وأعدائهم !! يقول محمد قطب عن سمة التوازن التي كانت في مسيرة الجماعة الأمة ( التوازن - وهو سمة من سمات الإنسان الصالح- معنى واسع وشامل يشمل كل نشاط الإنسان والوصول إلى التوازن في حياة الإنسان المتعدد الطاقات والاتجاهات ليس أمراً هيناً في الحقيقة فهو جهد جاهد يستغرق حياة الإنسان كلها ويشمل كل لحظة من لحظات هذه الحياة جهد التوفيق بين الضرورات القاهرة والأشواق الطائرة جهد التوفيق بين ما يجب أن يكون ، وما يمكن أن يكون جهد التوفيق بين مطالب الفرد الواحد المتعددة والمتعارضة وبين مطالب المجموع جهد التوفيق بين هذه العاجلة والعمل للآجلة ، جهد التوفيق بين هذه اللحظة وهذا الفرد وهذا الجيل وبين جميع اللحظات وجميع الأفراد،وجميع الأجيال –جهد جاهد يستغرق كل طاقة الحياة ) ([7]) .

وقبل هذا وذاك فهو إنسان وفق ما ذكر قبلاً وليس ملاكاً يمشي بين الناس وبالتالي لا بد من التوفيق والبحث عن سبل الهداية والمقاربة لبلوغ الكمال ، ومن رام الخلاص المحض والنقاء المحض والصفاء في عالم الإنسان فقد طلب المستحيل!.

قال ابن عاشور : ( والخلو من المعاصي لا يستتب إلا لقليل ، كما قال تعالى : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ) ([8]) .

ولكن ثمة أسئلة يمكن أن تطرح هنا هل النخب القائدة هي التي تصنع التغيير ؟ أم أن الأمة بجموعها مدعوة لصناعة التغيير في كل مستوياتها ؟وإذا كان كذلك فأين مكامن التحريك وكيف يمكن أن تفجر الطاقات ؟! وكيف يمكن أن يصنع الرجال الراوحل الذين يعدلون عشرات بل مئات ممن هم دون ذلك ؟!

وما الذي يعيد لأمتنا هيبتها عندما تتعرض كما هو الحال إلى حالة من ذوبان الشخصية وغياب السلطة الجامعة ؟! تقول منى أبو الفضل : ( الفردوالأمة ليس بالضرورة أن يكون عمر بن عبدالعزيز ليقيم مسار دولة ولو لفترة ولإصلاح الدين لينشل أمة من مذلة وهوان ، ولا أبو حامد الغزالي وهو يعيش ملحمة إحياء علوم الدين ولا ابن تيمية وهو يراوح بين السيف والقلم حاملاً قلب هذه الأمة وعرضها في جوفه ولكن يعيش هذا الفرد في كل عصر وكل مصر دون اشتراط الشهرة والألقاب ، ولكن يكفي أن تهب رياح الخطر على هذا الدين ومستضعفيه ، فإذا الأمة تجده على ثغرة وقد خرج فرداً أو معه نفر من أولي العزم وقد جاءوا رجالاً يسعون في الله وقد تنادوا من كل فج عميق ) ([9])

ويقول أحد الباحثين المعاصر أن الرؤية القرآنية تعتمد في التغيير على القدرة المكثفة على الفاعلية ، والتغيير من خلال الإيمان وليس بالكثرة ، وإن القرآن يضرب مراراً على قاعدة الأرقام ويستبدلها بقاعدة الفعل التاريخي النوعي لا الكمي([10]) .

ثانيا : مفاهيم ومصطلحات تربوية

وقبل إيراد المصطلحات التربوية ذات الصلة لا بد من تعريف مصطلح ( المفهوم ) الذي يتردد كثيراً عند الدارسين فماذا يقصدون بلفظ ( المفهوم ) ؟ .

المفهوم لغة:

يراد به المعلوم أو مجموع الصفات والخصائص الموضحة لمعنى ( كليّ ) لشيء ما جماداً أو إنساناً أو حيواناً وتدور مادته اللغوية حول :جودة الاستعداد الذهني للاستنباط وحسن تصور الأمور ، وحسن تصويرها للغير ، والتفاهم المتبادل وحسن تصور المعنى([11]) .



واصطلاحا:

يراد به : الصورة الذهنية التي تجمع بين متغيرات ثلاثة : ذهني ، ولفظ معبرة عن ذلك الشيء ) ([12])

وما يرد في هذه الدراسة لا يخرج عن دلالات المفهوم سواء كان في إطاره الذهني المتصور أو الشيء المحسوس أو كانت الألفاظ المعبرة عن الشيء وهو ما يعرف أي (المفهوم )، عند اللغويين بظاهرة التواضع في اللغة فإن أي أهل لغة يتواضعون فيما بينهم لإطلاق الألفاظ سواء كان في إطارها الذهني المتصور أو الشيئ المحسوس أو كانت الألفاظ المعبر بها عن الشيء والمسميات والدلالات على الأشياء المتواجدة في بيئتهم أو المتوارثة من ثقافتهم وبالتالي عندما يطلق لفظ ما على الشيء المعين ، فإن أهل ذلك المصر لا يجدون صعوبة في فهم المفهوم بل الدلالات وظلال ومغازي الألفاظ وإيحاءاتها وتندرج مصطلحات التربية، ومشتقاتها في السياق المفهومي ذاته.















عرض البوم صور صفاء   رد مع اقتباس
قديم 10-11-07, 01:18 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
النخبة
الرتبة:
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية صفاء

 

البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 1161
المشاركات: 1,404 [+]
بمعدل : 0.21 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 361
نقاط التقييم: 10
صفاء is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
صفاء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
اخر مواضيعي
 


كاتب الموضوع : صفاء المنتدى : منتدى الإســـلام والعلم والإيـمــان
افتراضي رد: التربية الجماعية من منظور قرآني

- مصطلح التربية

أول مصطلح ينبغي تعريفه هو ( التربية ) فماذا تعني تلك اللفظة في اللغة والاصطلاح ؟!

لغة : لهذه الكلمة ثلاثة أصول ([13])

الأصل الأول: ربا يربو بمعنى زاد ونما وعلا وجاء في التنزيل العزيز (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ) ([14])

الأصل الثاني: ربى يربي بمعنى نشأ وتغذى وترعرع ومنه قوله تعالى : (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) ([15]) ومنه قولهم : ربيت في حجره وربوت قال ابن الإعرابي :

فمن يك سائلاً عني فإني ** بمكة منزلي وبها ربيت

قال الجوهري وربيته تربية وتربيته أي عذوته وقال : وهذا لكل ما ينمى كالولد والزرع ونحوه ([16])

الأصل الثالث :ربّ ، بمعنى أصلح ولزم ، وأقام وتولى أمره .

ومنه قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ([17])

ومنه قوله تعالى : (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ) ([18])

قال المبرد :الربيون هم أرباب العلم واحدهم رباني وذلك من قول العرب ربه يربه إذا دبره وأصلحه فمعناه على هذا يدبرون أمور الناس ويصلحونهم وقال النحاس : هم الأخيار والعلماء وقيل الرباني هو الذي يجمع إلى العلم البصر بالسياسة ([19]) وجاء عن ابن عباس إن الرباني هو الذي يربى الناس بصغار العلم قبل كباره وكأنه يقتدي بالرّب في تيسير الأمور

والرّب : هو الله عزوجل والرب بمعنى الملك والسيد والرب بمعنى المصلح للشيئ ومنه المرباب بمعنى المحل ومكان الإقامة والرجل يجمع الناس([20]) وقد جاء (جذرها) في القرآن حوالي 977مرة.



التربية اصطلاحاً:

تعددت التعاريف للمفهوم بتعدد الانتماءات الفكرية والخلفيات الثقافية ، ومدلول اللفظ في لغة المنشأ والاستخدام ، وذلك مثل العديد من المصطلحات في الدراسات الإنسانية المعاصرة حتى إن الدارس قد لا يجد مصطلحاً محدداً مجمعاً عليه عند الدارسين . ومع ذلك يظل هناك قدر من الاتفاق حول بعض المضامين المؤسسة .

وقد أغفلت ذكرا المصطلحات التي لا ترتكز على المنظور الإسلامي في تعريف التربية وتنحى المنحى النفعي المصلحي للفرد والمجتمع وتحسب بأن عملية التربية لا تكاد تتجاوز رغائب الفرد ومجتمعه ، ويكون محور الارتكاز فيها المتعلم إذ هو الذي يحدد ماذا يريد ؟ كما هو مذهب المربي الكبير ( جون ديوي ) ومن سار على نهجه من التربويين الغربيين الذين يغفلون جانب القيم والدين وعلاقته بالتربية .

ويأتي تعريف مصطلح التربية وفقاً (للجذر اللغوي) الذي أوردته قبلا في هذه الدراسة متضمناً الجانب الفلسفي والقيمي الذي ينطلق منه صاحب التعريف ولما كانت التعاريف كثيرة وعديدة اكتفي هنا باثنين فقط

فتحية عمر الحلواني

التربية عندها: (تعني تنشئة الطفل وتكوينه إنساناً متكاملاً من جميع نواحيه الخلقية والصحية والعقلية والروحية والأخلاقية في ضوء المبادئ التي جاء بها الإسلام وتصور الأساليب والطرق الإسلامية). ([21])

وجاءت عند مجاور على النحو التالي:

(هي التربية التي يمر بها الإنسان منذ ولادته وحتى نهايته فهي لون خاص من التربية يمثل أسلوب صنع الإنسان المتوازن المتكامل وطريقة بناء ذاته وتكوين شخصيته عقلياً ووجدانياً والعمل على تكوين أفراد لهم خصائص ذاتية واجتماعية تؤهلهم للإسهام في تكوين مجتمع متقدم وكل هذا على أساس من فضائل السلوك وسامي المثل إنها التربية التي ترمي إلى صقل العقل الإنساني وتدريبه على التفكير والتأمل والنظر والبحث واستغلال الذكاء الإنساني إلى أقصى طاقاته من أجل خدمة الفرد ورفع شأن لمجتمع . وفي الوقت نفسه تهدف إلى تهذيب الوجدان الإنساني وإعلاء الدوافع والارتقاء بالسلوك وإيجاد ألوان من التعامل الاجتماعي التي تضع لكل إنسان حدوداً في تعامله مع الآخرين فتسود المجتمع روح الإخاء والتعاطف والتآزر ، وهذه التربية العقلية والوجدانية والخلقية التي ترمي التربية الدينية إلى تحقيقها في الإنسان تقوم على معتقد يربط هذا الإنسان بالله عقلياً وعاطفياً ). ([22])



2. مصطلح المنهـج

لست في حاجة للحديث عن معنى المنهج في اللغة ذلك لأن معناه في غاية الوضوح مع أنه أبرز قضايا التربية والفكر وهو الذي تصاغ فيه المادة التربوية وفق الرؤية الفلسفية المشكلة لهوية ووجدان أي أمة ويعتبر الاختراق في مناهج التعليم أولى الخطوات التي حرص ويحرص عليها أعداء الأمة قديماً وحديثاً وما الدعوات الحالية بضرورة مراجعة مناهج التربية والتعليم في العالم الإسلامي إلا دليل لأهمية موضوع المنهج وما يمثله من بؤرة حامية لوجدان وخصوصيات أمتنا

وقد سلك الأعداء العديد من محاولات تغريب المناهج من خلال البعثات الخارجية أو محاولات التدخل من خلال وكلاء الغرب في عالمنا الإسلامي من المغترين بثقافة ومدينة الشمال .

يعرف المنهج إجرائياً بتعريفات حدية كثيرة شأنه شأن كل المصطلحات التربوية بله الإنسانية وذلك انطلاقا من خلفيات الباحثين والدارسين وقد اختار الباحث تعريفين تسهيلاً للدرس وتقريباً لفهم المعنى ذي الصلة بالموضوع .

جاء تعريفه عند عبدالرحمن النحلاوي على النحو التالي :

هو (مجموعة من الخطط والأهداف القريبة والأساليب التربوية ، وخلاصة من المواد والمعلومات والمسائل والمشكلات التي يجب أن نؤثر بها في عقل الناشئ ووجدانه وسلوكه ونشاطه لنبلغه تحقيق الأهداف الكبرى الفكرية والاعتقادية والاقتصادية والسياسية والتشريعية التي رسمتها الأمة لأبنائها ولمستقبلها أو ورثتها عن حضارتها ودينها تحقيقاً تدريجياً يناسب مستوى كل مرحلة من العمر الزمني والعقلي والثقافي وكل بيئة من البيئات ) ([23])

وكما يلاحظ القارئ فإن التعريف عميق جداً ويتضمن كل عمليات التربية وليس تعريفاً إجرائياً فقط .

أما الباحث الآخر فيعرفه بـ ( مخطط تربوي يتضمن عناصر مكونة من أهداف ومحتوى وخبرات تعلمية وتدريس وتقويم مشتقة من أسس فلسفية واجتماعية ونفسية ومعرفية مرتبطة بالمتعلم ومجتمعه ومطبقة في مواقف تعلمية داخل المدرسة وخارجها تحت أشراف منها بقصد الإسهام في تحقيق النمو المتكامل لشخصية المتعلم بجوانبها العقلية والوجدانية والجسمية وتقويم مدى تحقق ذلك كله لدى المتعلم ) ([24])

يلاحظ فيه المهنية كما تضمن إشارة إلى النشاط اللاصفي والذي يعد مهماً جداً خاصة في مثل هذا العصر.

3. مصطلح الأمة:

قال صاحب اللسان عن هذا اللفظ في مادة ( أَمَمَ )([25])

تدور مادتها حول : القصد ، الطريق المستقيم ، الحالة ، الشرعة ، والدين ، ويقال فلان لا أَمةَ له أي لا دين له .

وتأتي بمعنى النعيم والملك وبمعنى السنة والرجل لا نظير له ومنه قوله تعالى ( إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله ) ([26]) .

وتأتي بمعنى معلم الخير والجامع لخصاله وبمعنى الحين والوقت وبمعنى من يؤم الناس في الصلاة والرياسة ولفظ بهذه الوفرة الدلالية لا أخاله يوجد إلا في اللغة العربية هذا أولا ، وثانياً فإن العديد من الباحثين يعد هذا اللفظ هو لفظا عربيا المنشأ إسلامي الدلالة والاستخدام .

أما اصطلاحاً: برز استخدام هذا المصطلح بالشكل الذي سأورده هنا مؤخراً حسب علمي ، وذلك لدواع ومبررات تتعلق بالمصطلح ذاته والحضارة الإسلامية ذاتها إذ يقرؤها العديد على أنها حضارة أمة وليست حضارة نخبة فقط و ينبغي أن لا تقرأ في سياق سياسي تفاعلي حتى لا نجرم الحضارة العربية ، الإسلامية أو نغمطها حقها (الأمتي) هذا الشئ أضف إلى ذلك لم تكن الحضارة الإسلامية في مسيس الحاجة إلى مثل هذه المصطلحات التي احتيج لها الآن نتيجة تعقيدات الواقع المعاصر .

عرفها أحد المعاصرين بـ : ( تجمع عقدي قيمي ناجم عن تفاعل أفراد من البشر مع مبادئ كلية وقيم عامة تتجاوز الخصوصيات الطبيعية التي تمايز بين الناس من لون أو عرق أو لغة أو إقليم )([27])

وجاءت عند آخر بـ : ( اجتماع من الناس يتبع الشريعة المنزلة ، وقد اختار قيادة تقودها إلى مقصدها الجماعي المتمثل في إرضاء الله تعالى ) ([28]) .

ومن لوزام التعريف عنده :

1- الالتزام المختار بدين ما لدى أفراد الجماعة

2- الهجرة والتوجه نحو مقصد ما .

3- التوجه يكون في صورة جماعية وليست فردية ، فالأمة تعنى الهجرة ، المقصد ، الاجتماع الاختيار

4- مقصد وغاية تم اختيارها وتواثق عليها أفراد الجماعة ([29]).



4. مصطلح التزكية

مادته الأصيلة هي زكا، يزكو، زكاة و تزكية

واصطلاحاً:

عرّفها أحد المعاصرين بـ: (عملية تظهير وتنمية شاملين هدفها استبعاد العناصر الموهنة لإنسانية الإنسان وما ينتج عن هذا الوهن من فساد وتخلف وخسران وتنمية كاملة للعناصر المحققة لإنسانية الإنسان وما ينتج عن هذه التنمية من صلاح وتقدم وفلاح في حياة الأفراد والجماعات) ([30])

وقال شيخ الإسلام :

الزكاة في اللغة النماء والزيادة في الصلاح يقال زكا الشيئ إذا نما في الصلاح فالقلب يحتاج أن يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح ، كما يحتاج البدن أن يربى بالأغذية المصلحة له . ولا بد مع ذلك من منع ما يضره فلا ينمو البدن إلا بإعطاء ما ينفعه ومنع ما يضره ، وكذلك القلب لا يزكو فينمو ويتم صلاحه إلا بحصول ما ينفعه ودفع ما يضره ([31]) .

والتزكية هي خلاصة ما يهدف إليه المنهج الإسلامي إذ من خلاله ينتج الإنسان الصالح في نفسه المصلح لغيره وهي هدف سعى لها كل المصلحون بدءاً بالأنبياء فأتباعهم خاصة رسولنا الكريم عليه الصلاة والتسليم .

وقال بن عاشور :

( .... المقصود الأعلى منه (أي القرآن) صلاح الأحوال الفردية والجماعية والعمرانية فالصلاح الفردي يعتمد تهذيب النفس وتزكيتها ورأس الأمر فيه صلاح الاعتقاد لأن الاعتقاد مصدر الآداب والتفكير ثم صلاح السريرة الخاصة وهي العبادات الظاهرة كالصلاة والباطنية كالتخلق بترك الحسد والحقد والكبر ، أما الصلاح الجماعي فيحصل أولا من الصلاح الفردي إذ الأفراد أجزاء المجتمع ولا يصلح الكلي إلا بصلاح أجزائه([32]) )

وهو المنهج الذي فهمه سلف هذه الأمة فأصلحوا أنفسهم صلاحاً ظاهراً وباطناً فصلحت أعمالهم وتباركت أعمارهم ، وعلا شأنهم وذكرهم.



5. مصطلح الجماعية:-

هذا آخر المصطلحات المتعلقة بالموضوع ، ومفهوم الجماعية نسبة إلى الجماعة مفهوم له دلالاته عند المسلمين وذلك لعدة أمور منها :

1. إن الجماعة تدل على نبذ الافتراق وتكثير السواد في الإسلام ، وهذا من المقاصد العليا في الدين .

2. إن سلف هذه الأمة أطلقوا لفظ الجماعة ، على الأمة الإسلامية وصار سمة بارزة لهم عن غيرهم من أهل التفرق والتشيع والأهواء والضلالات فيقال لهم : ( أهل السنة والجماعة ) أهل السنة لأنهم يتمسكون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقدمون بين يديها أراءهم واجتهاداتهم مدركين معنى قوله تعالى : (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) فالمتبع لا يسبق المتبوع ولا يقدم بين يديه مالا يحب أو يجوز وينبغي . هذا إذا كان المتبوع من عامة الخلق فكيف إذا المتبوع هو النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي والمعصوم به .

بل إن أهل السنة والجماعة عندهم من شروط قبول العمل الموافقة لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمور العبادات

3. ومن أجل المحافظة على وحدة جماعة المسلمين حثت العديد من الأدلة الشرعية تحمل الأذى سواء كان مما يصدر بين المسلمين عموماً أو كان مما يصد من أهل السلطة والغلبة فيهم .

4. لا أجد نفسي مبالغا إذا قلت بأن الإسلام هودين الجماعة وهو دين الاعتصام حصراً والله أعلم .

5. لم أجد تعريفاً لهذا المفهوم بذات اللفظ الذي سأورده هنا وذلك أحسب أنه يعد قريباً من لفظ أمة أو أن الباحثين الإسلاميين المعاصرين لم يرو ضرورة لنحت تعريف له ، أو قد تكون معلوماتي قاصرة عن الوصول إليه ، غير أني وجدت تعريفا إجرائياً لمفهوم (مجتمع ) ونصه هو مجموعة من الأفراد والجماعات تعيش في موقع جغرافي واحد وتربط بينها علاقات اجتماعية وثقافية ودينية )([33])

واتكاءا على هذا التعريف وعلى ما سبق من تعريفات في هذه الدراسة يمكن تعريف الجماعية لدى الدارس كما يلي ( تجمع أفراد من الناس اتحدت توجهاتهم لتحقيق مقاصد عليا لأمتهم يؤلف بينهم كيان تنظيمي جامع ، ويقوم كل فرد في هذا التجمع بدوره ، بصورة تتناسب ومواهبه وقدراته ، ويعد الالتزام الأخلاقي والعقدي هو الرباط الأقوى في المحافظة على الجماعية ويسير أفراده بصورة فيها التفاعل والحركة لتحقيق المقاصد العليا ، التي تقودهم إليها قيادات عليا سواء كانت دينية أو تنظيمية أو إدارية ) .



ثالثا: نماذج من التربية القرآنية الجماعية

وبعد أن استعرضت في الفقرة السابقة تلك المقدمات والمصطلحات ذات المضامين التربوية سيتم هنا إنزال المثال على النموذج التطبيقي من واقع حياة الصحابة رضوان الله عليهم لنتعرف كيف أنهم تحولوا إلى قرآن يمشي بين الناس وقبل ذلك أود الإشارة أنه عندما يتم معالجة قضايا النفس الإنسانية في إطار التنظير لها وعند البحث عن علاقة الإنسان بالكون استخراجاً لمكنوناته وخبراته بحثاً وتقيمياً أو البحث في سنن النفس الإنسانية معايرة ومقايسة لا بد من الانطلاق من الخبرة الإسلامية ومن القيم الإسلامية فيما يتعلق بقضايا المعايير والأخلاق والتعاملات فلا ينبغي أن تبحث قضايانا من خلال مناهج الآخرين ونظرتهم للكون والإنسان أو الحياة فإن الانطلاق من ميدان آخر في البحث سيوصل حتماً إلى نتائج غير التي تحل قضايانا ومشكلاتنا ولنفرق بين التقنيات المدنية ووسائل تسخير الكون للإنسان وبين القوانين والعلائق الناظمة لرؤيتنا ! فالذين ينطلقون من نظرية ( دارون ) ونظريات الصراع بين الطبيعة والإنسان ونظريات (البراغماتية) أو غيرها حتماً ما يتوصلون إليه من نتائج لا يصلح ليكون قاعدة للتربية والمعايرة في البيئة الإسلامية ؟!

وبناء على ذلك لا بد من الارتكاز إلى القيم النابعة من حضارتنا وموروثنا التاريخي الكبير عند التعامل مع حضارتنا ويأتي على رأس المنطلقات الضابطة لحركة البحث ( القرآن الكريم والسنة النبوية ) فالتربية عندنا غير التربية عند القوم في المنطلقات وكذا الأهداف وحتى الوسائل فضلاً عن المخرجات أو التغذية المرتدة أو المتوقعة بعد عملية التعلم والتعليم .

وحسب العديد من الدراسات فإن الغرب الأوربي لم يعرف مفهوم التربية بهذه الوفرة وهذه المضامين إلا في القرن السادس عشر الميلادي على أن المفهوم عرف في الحضارة الإسلامية بذات الدّلالات الموجودة منذ نزول القرآن كما مرّت في تأويل معنى ( ربّ )

هذا فضلاَ عن أن الجذر اللغوي للكلمة ذي صلة وثيقة بذات المعاني والدلالات التربوية كما مر من قبل

فالفعل ربا يربو بمعنى زاد ونما ، والفعل ربى يربي بمعنى نشأ، تغذى ، ترعرع، وهذان الفعلان خاصان بالمتعلم أو متلقي التربية أما الجذر الثالث (ربّ) بمعنى أصلح ، لزم ، أقام ،تولىأمره ومن معانيه الرّب وهو الله عزوجل تتضح العلاقة الحميمة والوثيقة بين المصلح والمتعلم حتى في أصول الفعل وهذه الديمومة والاستمرارية واللزوم وتحمل مراحل النشأة ثم إن التربية في الإسلام الذي يتولى في بعدها القيمي والمعرفي هو الربّ ويكفي في هذا دلالة للكمال

وهذه النماذج المختارة هي مما يعرفه الناس وخاصة طلاب العلم ويمكن أن يتناول الحدث بأكثر من زاوية نظر ولكن هنا يقتصر الحديث على الجانب التربوي القيمي التزكوي من هذه الأحداث.















عرض البوم صور صفاء   رد مع اقتباس
قديم 10-11-07, 01:19 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
النخبة
الرتبة:
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية صفاء

 

البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 1161
المشاركات: 1,404 [+]
بمعدل : 0.21 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 361
نقاط التقييم: 10
صفاء is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
صفاء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
اخر مواضيعي
 


كاتب الموضوع : صفاء المنتدى : منتدى الإســـلام والعلم والإيـمــان
افتراضي رد: التربية الجماعية من منظور قرآني

النموذج الأول: غزوة أحد :-

سوف لا يكون الحديث هنا عن بطولات الصحابة في هذه المعركة أو جو المعركة أوالتعريف بطبيعتها أو غير ذلك ، إذ ذاك ليس مجال الحديث هنا ، وسيرتكز الحديث على بعض الجوانب التربوية الجماعية المستفادة ، التي يمكن أن تكون زاداً للطريق لكل السائرين إلى الله وفق منهج الإسلام إلى يوم الدين .

أبرز ما يميز هذه المعركة أنها جسدت قانون الابتلاء والاختبار والتمحيص كما قال الرب جلت قدرته عن جو المعركة (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) آل عمران : 179

ويعتبر قانون التمييز من خلال الابتلاء أحد القوانين الراكزة في التربية الجماعية القرآنية وكل الرسل وكذا أتباعهم إنما تم صقلهم وتربيتهم من خلال قانون الابتلاء سواء على المستوى الفردي أو الجماعي فيعتبر قانون الابتلاء قانون القوانين في السنن الإلهية المجتمعية .

قال أحد الباحثين: (إن الابتلاء اختيار وامتحان لأفراد الاجتماعات البشرية وهو يحمل معنى غيبياً أخلاقياً مسبقاً وهو يكون في الخير والشر سواء إن الابتلاء على هذا هو قانون القوانين في الاجتماع البشري وهو الذي يحمل لحياة الاجتماع والأفراد معنى ومغزى وغاية الوجود والابتلاء يقتضي أن يكون هناك موضوع يختبر فيه الإنسان والموضوع هو المتاع المبذول للناس في الأرض لعمارتها والاختبار في هذه الموضوعات هو سؤال جوهري يتشعب شعاباً شتى ولكنه في أصله واحد هل يلتزم الإنسان في تناوله هذا المتاع بما جاء في الوحي الإلهي).([34])

جاء الحديث عن هذه الغزوة سياقاً متلازماً في الجزء الرابع من الآية 121-179 من سورة آل عمران وهي سورة مدنية بالطبع وبالتالي فهي جاءت في معالجة قضايا التشريع والأخلاق والسلوك المجتمعي في الدولة الإسلامية الناشئة ، خاصة إذا تذكرنا بأن غزوة أحد كانت في شهر شوال من العام الثالث للهجرة النبوية ، وعليه ونحن نسرد الأحداث التربوية من هذه الغزوة علينا استحضار مجتمع المدنية ومكوناته الاجتماعية دون استثناء لأن هذا التصور الصحيح هو الذي سيحدد طبيعة سير الأمور في مجتمع المدنية فإلى جانب المهاجرين والأنصار والذين يتبعونهم بإحسان هناك مجتمع النفاق ، وهي ظاهرة اجتماعية ملازمة للمجتمعات المدنية ، وكذلك مجتمع اليهود ثم المجتمع الآخر المقابل والمناوئ للدعوة المنطلق من مركزه ممثلاً في قريش التي كانت حاملة لواء المواجهة ساعتئذ مع المسملين.



الدروس التربوية

1/ إن الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة هم من المهاجرين والأنصار أهل السبق في الإسلام ولكن مع كل ذلك تعرضوا للهزيمة وهذا العقاب الكبير فوصفوا بأوصاف عديدة ، وجاءت تلك الأوصاف المذكورة في الآيات ( 122، 141-146 ، 152، 153 ، 155، 158 ، 165 ، 179)

وهذا يعني أنهم بشر مهما علت منزلتهم ولكنهم ليسوا ككل البشر إذ حققوا معنى تزكية النفس في أبهى صورها ولكن الهزيمة في المعركة لا تغير الثبات والديمومة على منهج الله لأن عوامل النصر والهزيمة مرتبط بتحقيق العبودية الحقة والطاعة المطلقة لله والرسول .

قال صاحب الظلال: (تركهم يذوقون عافية تصرفاتهم تلك ، وابتلاهم ذلك الابتلاء الشاق المرير ولكنه لم يطردهم خارج الصف ولم يقل لهم إنكم لا تصلحون لشيء من هذا الأمر بعد ما بدا منكم في التجربة من النقص والضعف لقد قبل ضعفهم هذا ونقصهم ، ورباهم بالابتلاء ثم رباهم بالتعقيب على الابتلاء والتوجيه إلى ما فيه من عبر وعظات في رحمة وفي عفو وفي سماحة ، .... وكشف لهم ضعفهم ومخباءات نفوسهم لا ليفضحهم بها ، ويرذلهم ويحقرهم ولا ليرهقهم ويحملهم ما لا يطيقون له حملاً ولكن ليأخذ بأيديهم ويوحي إليهم إن يثقوا بأنفسهم ولا يحتقروها ولا ييأسوا من الوصول ما داموا موصولين بحبل الله المتين .. وإذا هم في اليوم التالي للهزيمة والقرح يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . غير هيابين ولا مترددين ولا وجلين من تخويف الناس حتى استحقوا تنويه الله لهم : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )( [35])

وقال ابن القيم (إن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانا وركوناً إلى العاجلة وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار الآخرة فإذا أراد ربها ومالكها وراحمها كرامتها قيض لها من الابتلاء والامتحان مايكون دون ذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه) ( [36])
وقال (فلماذا ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول وتنازعهم وفشلهم كانوا بعد ذلك أشد حذراً ويقظة وتحرراً من أسباب الخذلان). ( [37])

وعليه فإن العاملين للإسلام عليهم استحضار هذا الدرس جيداً عند كل خطوة يخطونها نحو الوصول إلى المقاصد الكبرى للأمة وعدم الاغترار بالذات وبالأعمال القليلة التي يقومون بها في نصرة الدين ، فالمنهج الإسلامي ذي تصور خاص وحساسية خاصة لا يحابي أحدا مهما كان كما رأينا في أحد.

2/ استجابة النبي صلى الله عليه وسلم لرأي الشورى والأغلبية الذين رأوا الخروج إلى أُحد، وبعيداً عن جدلية إلزامية الشورى من عدمه؛ فإن أمر الشورى في الإسلام أمر لا تخفى مكانته إذ كان من نتائج قرار الشورى الهزيمة في أحد ولكن مع ذلك تحملت الجماعة المسلمة قرارها بصدر رحب ولم تغير في منهجية التعامل مع قضية الشورى.

3/الدلالة الرمزية لمكانة النبي صلى الله عليه وسلم وإن مخالفة أمره ليس أمراً عادياً أو هيناً ، وقد تكون نتائجه وخيمة كما الحال في هذه الغزوة فلو انتصر المسلمون في هذه الغزوة مع مخالفة أمر النبي القائد لما كان لتوجيهاته وتعليماته مستقبلاً - وحاشا لله أن يكون الأمر كذلك – معناً وخصوصية تشريعية .

ومما يستفاد هنا ضرورة الانضباط والالتزام التنظيمي في العمل الجماعي الحركي، وعدم استصغار أية مخالفة مهما ظنها الظان بأنها أمر يسير؛ فالمنهجية الإسلامية تقوم في بعدها الأعلى على الالتزام الأخلاقي الذاتي أكثر من الزواجر والعقوبات الخارجية ومنهجية التغيير الإسلامي ذات منطلقات ومرجعيات خاصة وليست هي كما في المدارس والمجتمعات الأخرى فينبغي إعادة النظر في الحركة والسكون والتعاملات على مستوى الأفراد والجماعات.

4/ إن المنهج الإسلامي لا يتحقق على الأرض إلا من خلال عزمات الرجال وصدق بلائهم ، وتقديم أعز ما يملكون في سبيل المبادئ والغايات العليا للأمة وإن النفس المؤمنة في جهاد دائم وبذل وعطاء حتى النصر أو الشهادة وأنها لا تنكسر ولا تنهزم معنوياً وإن هزمت حسياً ومادياً في ميدان المعركة وتعلم بأن أقدار الموت والحياة بيد الله لا تقترب بقصد مظآن الموت ، ولا تؤجل بالجلوس والقعود والركون إلى الدنيا أو الركون إلى الطغاة.

5/ تجلت في هذه الغزوة بشرية النبي صلى الله عليه وسلم في أبهى صورة فهو إنسان كغيره من البشر له أحاسيس ومشاعر ، ولكنه في المقام الأخير هو النبي القائد والأسوة ، الذي يستطيع أن يستجمع قواه ويسيطر على مشاعره .

وهذا يؤكد لنا من جهة أخرى واقعية المنهج الإسلامي ومثاليته في الآن .

6/ إن من أساليب القرآن التربوية التربية بالحدث أو الطرق والحديد ساخن وذلك أدعى للاستذكار والاعتبار وعدم تكرار الخطأ نفسه مستقبلاً .

7/ من الحقائق التربوية المستفادة من هذه الغزوة إن النفس البشرية يمكن أن تكتسب الأخلاق والتربية والقيم وليس نفساً جامدة وأنها يمكن أن ترتقي باستمرار في مدارج الكمال والصلاح .

8/تساؤل هل هناك ثمة علاقة في التربية الجماعية في غزوة أحد والتربية الجماعية في غزوة تبوك وكيف تمت المعالجة في كليهما ؟ ففي أحد الجماعة في طور التكوين في مجتمع الدولة وفي تبوك الجماعة تتحرك بالمشروع خارج نطاق الجزيرة العربية .

9/ استعمل القرآن تعبير ( الفشل مرتين عند سرد أحداث الغزوة الأولى في الآية (إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) الآية 122 والثانية في الآية (152) في قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ) علق أحد المعاصرين على ذلك قائلاً : (ما ترتب على الفشل في الآية ( 152 ) عدل من الله تعالى وما ترتب على الهم بالفشل في (122) فضل من الله تعالى ) ([38])

واستعمل في الذين هموا تعبير ( منكم ) أي ليس خارج دائرة المؤمنين الذين صحبوا الرسول وهذا يعني صعوبة النفس الإنسانية ، وأنها تتعرض لعوامل الضغط الداخلي والخارجي على مدار الساعة وهي في جهاد دائم مع الشبهات والشهوات والخلوص إلى الصلاح المحض أمر عزيز في كل الأحوال .

هذه بعض الدروس التربوية الجماعية التي أمكن استخلاصها ولكن في غزوة أحد درس بليغ في حركة الإنسان المسلم في الصعد الحركية والتنظيمية والإنسانية على مدار العمل ما دامت هنا حركة وتفاعل داخل المجتمع.

غزوة أحد مواقف وعبر ومعاني وألفاظ وكلمات في جمل مثل ( غدوت ، تفشلا ، يقطع طرفاً ، ليس لك من الأمر شيئ ، يتخذ منكم شهداء ، وليمحص ، وليمحق ، سنلقي ، ...... الخ ) يرجى تأملها دلالاتها اللغوية والبلاغية في سياقها.



النموذج الثاني: حادثة الإفـك

عند الحديث عن هذه الحادثة تعود إلى الذهن وقبل كل شيئ تلك المحنة وذاك البلاء الذي حلّ ببيت النبوة ، وتزداد المحنة أكثر عندما يتعلق الأمر بعرض النبي صلى الله عليه وسلم وتتعمق أكثر فأكثر عندما تكون التي (رميت بالفرية هي أحب نسائه إليه عائشة بنت الصديق) أحب أصحاب النبي إليه الذي تحمل معه مشاق ومراحل الدعوة الصعبة! وكما سبق القول في غزوة أحد يقال هنا أيضا ليس من شأن الحديث الكلام عن الغزوة ودواعيها ونتائجها ولكن التركيز على بعض الدروس التربوية التي يمكن أن يستهدي بها السالكون إلى الله في طريق التغيير الطويل.

إن من دلالات هذا الحدث على عظمه وكبر حجمه ليدلل لنا دلالات بأن الإسلام قد عرف ما يتبجح به الغرب الآن من الشفافية والنزاهة ومبدأ النقد للشخصيات العامة فعن أي شفافية يمكن أن يتحدثوا والقرآن قدم من قبلُ نموذجاً للرسول الكريم إذ قال تعالى: ( َبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءهُ الْأَعْمَى)، وقال هنا في سورة النور: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ)؛ إنه المنهج الإسلامي الذي يستوي عنده خطأ الكبار والصغار بل قد يعتبر أخطاء الكبار عظيمة وأن بدت صغيرة لأصحابها، إنه المنهج الرباني الذي يسعى لتحقيق نموذج الكمال البشري وفق طريقته وقيمه الخاصة دون محاباة أو مجاملة أو نفاق.

تأتي هذه الحاثة في مجتمع المدينة، وهي في العام السادس الهجري، وكما سبق القول فإن مشكلات مجتمع المدينة قد تشابكت علاقته و تداخلت، وتحولت الأمة من مجموعات ترتبط فيما بينها بعلاقات القربى والرحم إلى علاقات أكثر تعقيداً والتزامات أكثر تطورا وتوسعت معها مطالب الحياة وظهرت أمراض وآفات لم تكن مألوفة من قبل؛ إنها آفة النفاق ذلك المرض الاجتماعي العقدي الخطير الذي يلازم غالباً مجتمعات الحضر والمدن.

ولكن بما أن الأحداث التي حدثت في المجتمع المسلم الأول كانت محطات لنزول التشريع وتصحيح التصور والسلوك تأتي حادثة الإفك في السياق ذاته ولكن هذه المرة من العيار الثقيل جداً ولكن كما قال الرب: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ) هو خير لآل أبي بكر الصديق حصراً، وهو خير لكل المسلمين.

إن سورة النور كما يراها العديد من أصحاب التأويل والتفسير هي درس للجماعة المسلمة في قضايا تربوية تتعلق غالباً بالجماعة المسلمة الأولى سواء كانت تشريعاً أوسلوكاً.

قال صاحب الظلال: (والمحور الذي تدور عليه السورة كلها هو محور التربية التي تستند في وسائلها إلى درجة الحدود ، وترقى إلى درجة اللمسات الوجدانية الرقيقة وتصل القلب بنور الله وبآيته المبثوثة في تضاعيف الكون وثنايا الحياة والهدف واحد في الشدة واللين هو تربية الضمائر واستجاشة المشاعر ورفع المقاييس الأخلاقية للحياة حتى تشف وترف وتتصل بنور الله وتتداخل الآداب النفسية الفردية، وآداب البيت والأسرة وآداب الجماعة في القيادة بوصفها نابعة كلها من معين واحد هو نور الله وهي في صميمها نور وشفافية وإشراق وطهارة . تربية عناصرها من مصدر النور الأول في السماوات والأرض. نورالله الذي أشرقت به الظلمات في السماوات والأرض، والقلوب والضمائر والأرواح) ([39]).

ويشير بقوله في وسائلها إلى درجة الحدود إلى حد القذف وحد الزنا الوارد في السورة وبقوله: درجة اللمسات الوجدانية إلى قوله تعالى: (ولا يأتل أولو الفضل) في حق أبي بكر الصديق وكيف كانت الاستجابة، إذ قال فوراً بلى نحب أن يغفر لنا ربنا وأمضى ما كان ينوي قطعه من الصدقة على قريبه المسكين أنه القلب المهيأ أصلا للقبول من خلال تلك التربية الطويلة ومن في الأمة مثل أبي بكر في الاستجابة لداعي الإيمان ومواقف الرجال؟! فهو النموذج الأول في الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلا غرابة أن يصدر منه مثل هذا القول.















عرض البوم صور صفاء   رد مع اقتباس
قديم 10-11-07, 01:20 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
النخبة
الرتبة:
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية صفاء

 

البيانات
التسجيل: Aug 2007
العضوية: 1161
المشاركات: 1,404 [+]
بمعدل : 0.21 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 361
نقاط التقييم: 10
صفاء is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
صفاء غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
اخر مواضيعي
 


كاتب الموضوع : صفاء المنتدى : منتدى الإســـلام والعلم والإيـمــان
افتراضي رد: التربية الجماعية من منظور قرآني

الدروس التربوية

لماّ كانت القضايا التربوية والسلوكية الواردة في هذه السورة كثيرة فإنني أكتفي بتلك الآيات المتعلقة بحادثة الإفك فقط.

والأيات المرادة تحديداً (11-22)

1. وأول الدروس التربوية التي يتوقف عندها المسلم قوله تعالى: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ).

إن الذين (ولقوا) في عرض عائشة رضي الله عنها جماعة وليس فرداً واحداً وأنهم من المسلمين بل المؤمنين وهذا يعني بأن الانحراف يمكن أن يكون سلوكاً فرديا ويمكن أن يكون سلوكاً مجتمعيا، وكلاهما في الإسلام، ويجب أن يواجهه بقوة وحسم دون مواربة لأنه يتلعق بأصل الفكرة والجماعة خاصة إذا كان في قضايا حساسة وخطيرة.

لطيفة لغوية: قال بن فارس: الواو، واللام، والقاف كلمة تدل على إسراع وخفة وقرأ بعضهم: (إذ تلقونه بألسنتكم) أي تسرعون بالكلام في عرض عائشة. ([40])

2. وأردفت الآية ذاتها بقولها: (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)، وإن بدا في ظاهره شرا وهو كذلك، ولكن المآل والعاقبة هي خير وهو رديف قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن أمر المؤمن كله خير إن أصابته ضراء صبر فكان خير له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له)، وبالتالي فإن مالآت الأمور هي التي تحكم مسارات العمل وعواقبه في الإسلام. والله أعلم

درس في قوة المجتمع وتماسكه وعدم انجراره وراء الشائعات عملاً بقاعدة الظن الحسن بالاخ المسلم واليقين لا يزول بالشك قال القرطبي عند قوله تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) معنى بأنفسهم أي بإخوانهم فقد أقام الأخ مقام النفس كما يلاحظ.

قال: (ولأجل هذا قال العلماء إن الآية أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان ومنزلة الصلاح التي حلها المؤمن ولبسة العفاف التي يستتربها المسلم لا يزليها عنه خبر محتمل وإن شاع إذا كان أصله فاسدا أو مجهولا) ([41]) ولن نجد تعبيراً أجمل من ألفاظ الآية فيما يتعلق بالإشاعة في: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة) أرجو أن يتأمل القارئ هذه الألفاظ حرف التوكيد (إن) اسم الموصول (الذين) الفعل المضارع الذي يفيد الاستمرارية (يحبون) ولفظ يحب في دلالة السياق القرآني ولفظ ( تشيع) لدلالة الانتشار والسرعة و(الفاحشة) ، قال ابن فارس: الفاء والحاء والشين كلمة تدل على قبح الشيئ وشناعته ([42]) . إذن فالمجتمع المسلم ليس ذاك المجتمع الذي يتحرك وتتشكل مواقفه وقناعاته من خلال الدعاية والإشاعة والترويج ، وخلق الإرجاف شأن المجتمعات غير الأخلاقية ، وإنما المواقف تنطلق من ثوابت وأصول لا تزول بالشك .

2. أثر القول والكلمة في المجتمع وضرورة التثبت عند إلقاء الكلام وربما كلمة واحدة تودي بصاحبها إلى النار ورب كلمة واحدة دون عمل تنقذ صاحبها من النار وتدخله الجنة

3. إمكانية أن يقع بعض الخيار في الخطأ ولكن سرعان ما يرجعون منه لأن الأصول سليمة والقلوب نقية ولكن الإنسان ربما تعتريه لحظات وهن وضعف في مواقف معينة .

4. إن التزكية جهد يجب أن يبذله الإنسان ويسعى لها دوماً ، ولكن في المقام الأخير هي من فضل الله يزكي من يشاء

كانت هذه بعض الوقفات التربوية مستفادة من حادثة الإفك وما ترك وما يمكن أن يستفاد أكثر مما ذكر

قال الراغب: ( العفو إزالة الذنب بترك عقوبته والغفران ستر الذنب وإظهار الإحسان بدله فكأنه جمع بين تغطية ذنبه وكشف الإحسان الذي غطى به) ([43]).



النموذج الثالث: غزوة تبوك

هذه الغزوة هي آخر الوقفات التربوية في اختيارات التربية الجماعية في الموضوع الذي بين يدينا .

تعتبر غزوة تبوك الغزوة الثانية خارج الجزيرة العربية ومع عدو آخر للدعوة إذ كانت قبلها مؤتة على التخوم ذاتها والعدو نفسه وهو( الروم) وما أدراك ما الروم ؟! إذ ما تزال المعركة معهم مفتوحة في كل مكان على خلاف بين الأمس واليوم في أوضاع المسلمين وحالتهم .

جاءت أحداث هذه الغزوة في سورة التوبة أو براءة ضمن سياق كلي يحمل مبادئ التعامل النهائية والكلية ، فيعتبر ما جاء فيها أخر ما وصل إليه التشريع واستقر تمرحلاً وترقيا في درجات التشريع في المجتمع المسلم إذ كانت في رجب عام 9 هـ.

واحتلت أحداث غزوة تبوك الحيز الأكبر في سياق هذه السورة مبينة أدوار الطابور الخامس في المجتمع ، وكيفية التعامل معهم ، وما أشكالهم وتقسيماتهم .

بالطبع فإن السياق المقامي للحديث هنا لا يتسع لذكر كل الوقائع والفوائد التربوية الورادة هنا ولكن سأكتفي ببعض الدروس المتعلقة بأحداث هذه الغزوة في نقاط رئيسة .

إن المتأمل في هذه السور يجد دينامكية الحركة في الجماعة المسلمة وحيويتها ومدى التبعات التي ألقيت عليها في حمل الرسالة والانطلاق بها وفق الرؤية القرآنية ، وهو شأن كل القرآن .

قسمت المجتمع إلى أربعة أقسام هي :

1- السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان .

2- المنافقون الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة ومن الأعراب .

3- الذين خلطوا عملاً صالحاً وأخر سيئاً .

4- الذين أرجأ الحكم فيهم حتى يقضي الله فيهم بقضائه ( الثلاثة الذين خلفوا ) ([44])

والمتأمل لهذه الفئات الأربعة فإنها تصنف الدائرة الإسلامية المجتمعية بالمفهوم الكبير وهناك الدائرة الكبرى المقابلة الذين وردت أسماؤهم في السورة وهم مشركو الجزيرة العربية ، وكذلك أهل الكتاب من الروم ، وهذه الغزوة متوجهة تلقاءهم .

يلاحظ بأن هذه المجموعات بينها العديد من التفاعلات المجتمعية والمصالح المتداخلة سواء كانت اجتماعية واقتصادية أو سياسية ، ومع كل ذلك جاء التشريع والتصنيف الرباني قاطع وحاسم في هذه السورة ، والشيء الذي يمكن أن نجده مشتركاً في كل الدوائر الحركة وعدم السكون والدعة فماذا يعني هذا ؟! يقول صاحب الظلال : ( وإن بلادة الراحة لتغلق المنافذ والمشاعر وتطبع على القلوب والعقول . والحركة دليل الحياة ومحرك في الوقت ذاته للحياة . مواجهة الخطر تستثير كوامن النفس وطاقات العقل وتشد العضل وتكشف عن الاستعدادات المخبوءة التي تنتفض عند الحاجة ، وتدرب الطاقات البشرية على العمل وتشحذها للتلبية والاستجابة وكل أولئك ألوان من العلم والمعرفة والتفتح يحرمها طلاب الراحة البليدة والسلامة الذليلة) ([45])

ولماّ كان الحديث طويلاً إذا أردنا التحدث عن كل وقائع تبوك فإنني اقتصر الحديث عن الثلاثة الذين خلفوا ليكون نموذجاً تربوياً يمثل الجماعة الإسلامية الأولى في بعده الأعلى .

فمن هم الثلاثة ؟ وماذا تعني خلفوا ؟!

الثلاثة هم :

1- مرارة بن الربيع ، 2-كعب بن مالك ، 3-هلال بن أمية.

ومعنى خلفوا أي أرجأ الله الحكم فيهم ولم ينزل بشأنهم الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد( 50) يوماً من المقاطعة والحصار الاجتماعي من مجتمع الجماعة المسلمة وفق توجيهات النبي القائد للأصحاب .

جاءت القصة بتمامها وكمالها في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة ولذلك لا أورد نص الحديث ويمكن الرجوع إليه في مظانه ([46]



الدروس التربوية

ولنبدأ الحديث من قوله تعالى : (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ )([47]) هو المجتمع ذاته الذي قال عنهم عقب أحداث غزوة أحد بعد تلك الاستجابة العجيبة : (الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فكانت النتيجة = : (فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) ([48]) وهو المجتمع نفسه الذي قال الله عنهم في الفتح (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) ([49])

إنه مجتمع التربية النبوية التي تقوم على الوحي وليس نظريات الإنسان ، إنه مجتمع الفضيلة والقيم والاستقامة إنهم بناة الإسلام وحماته الذين ارتقوا فوق الجراحات والانجذابات الأرضية إنه مجتمع القرآن الذي تسامى فوق كل الروابط والعلائق إلا ما كانت في الله ولله ،حتى لو اعترته لحظات ضعف فإنها عوارض سريعاً ما تنجلي ، وهو إذ يكون في هذه الحالة فإنه لا يتجاوز منهج القصد والاستقامة والنظر إلى علياء المثل إنه المجتمع الذي غدا قرآنا يتحرك، يتربى على القرآن ويتغذي عليه ، يقف عند حدوده وهداياته لا يقدم بين يديه شيئ مهما كان عزيزاً إلى النفس ، ومهما كانت الدواعي والأسباب والمبررات إنه المجتمع الذي توجه إلى الله بكلياته دون حسابات أرضية أو ذاتية !!

سيكون الحديث كله عن كعب بن مالك فهو الذي روى القصة في كتب السنة .

1/ إن كعباً من الأنصار الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة التي تواثقوا فيها معه على حرب كل من يقف في طريق الدعوة وهم الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ( لو خضت بنا ثبج هذا البحر لخضناه معك) وبالتالي فإن كعب بن مالك استدعى ذلك العهد عند التخلف عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على قيمة العهود والمواثيق عند الصحابة رضوان الله عليهم مهما طال العهد بها .

2/ صدقه عند الإجابة بعد سؤال النبي له عن أسباب التخلف عن الغزوة إذ قال له : ( ما خلفك ؟ ألم تكن قد اشتريت ظهرك ؟ فقال كعب : ( فقلت بلى إني والله يا رسول الله صلى الله عليه وسلم - لوجلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلاً ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي . ولئن حدثتك حيث صدق تجد علي فيه ، وإني لأرجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي من عذر ، والله ماكنت قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنك ) ([50])

فتأمل هذه الجلسة التربوية الأخلاقية وهذا الموقف الصادق الذي يعبر عن منتهى الصدقية والشفافية أليس هذا ما يدعونه الآن بالنقد الذاتي وأي نقد للذات أكثر من هذا ؟!

3/ المقاطعة الاجتماعية الشاملة من الجماعة المسلمة للثلاثة لمدة (50) يوما كاملات فكيف كان الحال وكيف كانت المواقف ؟

أما الحال فقد عبرت عنه الآية أبلغ تعبير وأصدقه إذ قالت : (حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ ).

أما التصرفات : المجتمع المسلم في المدينة

- الاستجابة الفورية لتنفيذ التعليمات دون أن يجدوا في صدروهم حاجة أو حرجاً ولم يتحرك أحد يطلب التوسط أو الشفاعة أو الدفاع أو النصرة تحت أي ذريعة كانت وهذا الموقف هو في نهايات العلائق التي تضبط مسار الجماعة المسلمة وليس في بداية التشريع ولذلك دلالاته في تطور حركة الجماعة المسلمة وطبيعة صيرورة العلاقات المجتمعية وبلغت المقاطعة حتى عدم رد السلام جهرة وعدم التعامل كلياً وكانت تلك عقوبة تربوية رادعة وتكفيراً عن خطأ التخلف عن الخروج مع الرسول ولكن متى توقع هذه العقوبة ؟ وكيف يمكن أن تجدي وتؤتي ثمارها في المجتمع المسلم ؟! هذا ما يحتاج إلى اجتهاد ومقاربات من العاملين للإسلام.

- أما (الثلاثة): و بعد أربعين يوماً أمروا باعتزال نسائهم ليكون ذلك أدعى للتضرع إلى الله كما قال ابن القيم (في الزاد) والنساء استجبن فوراً إلا ما كان من إحداهن بعد تقديم المبررات وأن البقاء والذهاب من منزل الزوج سيان عندها.

- تعرض كعب في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة لمحاولة استغلال الظرف النفسي الذي كان يعيشه فجاءه خطاب الدعوة للالتحاق بملك غسان النصراني ولكن كيف كان الرد حاسماً وفوريا لا تردد فيه ، حتى لا يتسرب الشيطان إلى النفس إذا احتفظ بالخطاب واعتبر كعب إن هذا أيضا ضرب من البلاء والامتحان لحقيقة إيمانه ولم يبحث عن معاذير أو يستخدم هذا الموقف وسيلة للضغط على النبي القائد أو المجتمع المسلم وإنما تجاوز القنطرة بصورة فردية وفورية.

- موقف كعب حيث نزل الوحي ونذره، وما قام به من الصدق إمعاناً في مزيد الشكر لله ولذلك قال الرب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ).

فالصدق هو الذي وفق لكل هذا إذ الصدق يهدي إلى البر كما جاء في الحديث النبوي المعروف.

نخلص من هذه الحادثة إلى ما قيل من قبل: وهو أن هذا المجتمع قد تطهر من كل حظوظ النفس ورغائب الشيطان وبلغ مرحلة الكمال البشري الذي يريده الله من المسلم ليكون بحق وحقيقة خليفة لله في أرضه يعمرها بالعبادة والعمل الصالح متوجهاً كلياً إلى الله والدار الآخرة متجاوزا بسلوكه كل شوائب ونقائص الدنيا لكنه يعيش فيها مصلحاً ومربياً غير مرتكس إلى الحضيض إذا أنحرف الناس أو ارتكسوا) بل يجسد المفهوم والنموذج الإسلامي ولو على صعيد الذات ليكون بذلك دليل صدق وشامة بين الناس، وإن إمكانية تمثل المثل والقيم في الشخوص مهما طال عهد الرسالة وتغيرت الظروف وادلهمت الخطوب ممكن جداً إذ الرب هو الرب والمنهج هو المنهج والإنسان هو الإنسان والطغاة هم الطغاة وإن تشكلوا وتلونوا.

وأخيراً نخلص إلى:

1- إن للجماعة المسلمة سماتها الخاصة بها ومرجعيتها ومنطلقاتها التي تتحاكم إليها في قضاياها العقدية والتشريعية والسلوكية وبالتالي فلا ينبغي أن نستورد الحلول أو نبحث عنها خارج المنظومة القيمية التي تضبط حركة الجماعة المسلمة.

2- إن المنهج التربوي الإسلام هو منهج يقوم على التوازن بين مطالب الروح والجسد كما يقوم على الشفافية والدقة ، وأنه لا يتحمل الخلط أو التلفيق أو التقميش في بعده التشريعي وإن ضعفت النفوس في التطبيق تكليفاً .

3- على العاملين للإسلام ضرورة الرجوع إلى سير سلف الأمة واستلهام الدروس والعبر والاقتداء والانطلاق من محراب القرآن دون الوقوف عند عتبة التاريخ اجترار الماضي والتحسر عليه دون عمل كثيف وبصورة جادة وقوية لتحقيق أهداف على الأرض.

4- إن المنهج الإسلامي منهج فريد يجمع بين المثالية في أبهى صورها والواقعية المستقيمة على الفطرة في أرفع درجاتها، فهو ليس منهجاً انعزاليا أو منهج فردانياً لإصلاح الذات أو منهج قابل للذوبان في غيره وإنما هو منهج يحمل رؤى لإصلاح الحياة المجتمعية كلها وهو منهج جماعي في معظم شعائره وكذلك فإن عطاءاته وفوائده تحمل الجماعية أكثر من الفردية.

5- من خلال الوقوف على النماذج والدروس التربوية يمكن القول بأنه قد حقق الفرد في المنهج درجة السلوك المعياري المثالي وكذا الجماعة المسلمة الأولى مما يعني إمكانية تحقق ذلك في البشر في العصور كافة.



وأخيراً:

أملت أن اكون قد وفقت لاستثارة الدافعية لدى القارئ لمزيد من التأمل في القرآن الكريم من الزاوية التربوية القرآنية في بعدها الجماعي خاصة ، والله أسأل أن يجعلني ممن يكون قارئاً للقرآن ومتذوقاً ومتدبراً لمعانيه و قبله عاملاً بتوجيهاته وأحكامه وان نحشر مع أهل القرآن أهل الله وخاصته قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) رواه الشيخان.

فاللهم أصلح القلوب وثبتها على الحق حتى نلقاك

علي محمد سعيد



10/ محرم 1428هـ- 30 / يناير 2007م



---------------------------















عرض البوم صور صفاء   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL